النيجر تنسف أحلام الجزائر بالانسحاب من مشروع أنبوب غاز الصحراء

وكالة أنباء حضرموت

 أعلنت حكومة النيجر رسميا انسحابها من مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء، المبادرة الطموحة التي كانت تهدف إلى نقل الغاز الطبيعي الوفير من نيجيريا عبر أراضيها وعبر الجزائر وصولا إلى القارة الأوروبية المتعطشة لمصادر طاقة بديلة.

وكشفت منصة "الطاقة" المتخصصة، عن أن قرار الانسحاب جاء نتيجة لتدهور العلاقات الدبلوماسية بين نيامي والجزائر، حيث أوضحت وزارة الخارجية النيجرية أن استمرار التوترات وغياب بيئة تعاونية موثوقة بين البلدين لم يعد يسمح بمواصلة العمل على هذا المشروع.

وكشفت منصة "الطاقة" المتخصصة، استنادا إلى مصادر جزائرية "شديدة الاطلاع"، عن أن قرار الانسحاب جاء في أعقاب تدهور حاد في العلاقات الدبلوماسية بين نيامي والجزائر، فيما أوضحت وزارة الخارجية النيجرية في بيان رسمي أن استمرار التوترات وغياب بيئة تعاونية موثوقة بين البلدين لم يعد يسمح بمواصلة العمل على هذا المشروع.

وأشارت المصادر الجزائرية إلى أن النيجر أوقفت حاليًا جميع الدراسات النهائية المتعلقة بالمشروع المشترك مع نيجيريا والجزائر، والذي كان من المقرر أن يشهد الإعلان عن قرار الاستثمار النهائي فيه بحلول عام 2026 كحد أقصى. ورغم التكتم الرسمي على الأسباب المباشرة لتعليق النيجر لهذه الدراسات الحاسمة، إلا أن سلسلة الأحداث السياسية الأخيرة بين البلدين تحمل في طياتها تفسيرا واضحا لهذا التحول الدراماتيكي.

فقد شهدت العلاقات الجزائرية النيجرية فتورا ملحوظا، بلغ ذروته بقيام النيجر بسحب سفيرها من الجزائر تضامنا مع مالي، التي اتهمت الجزائر بإسقاط إحدى طائراتها المسيرة على الحدود المشتركة بين البلدين.

ولم تتأخر الجزائر في الرد، حيث قامت بالمثل وسحبت سفيرها من نيامي، على غرار ما فعلته مع مالي وبوركينا فاسو، مما أدى إلى تأجيج أزمة سياسية ودبلوماسية متصاعدة بين الأطراف الثلاثة. وبالتالي، فإن قرار النيجر بتعليق مشاركتها في مشروع أنبوب الغاز مع الجزائر يبدو كنتيجة مباشرة لهذه الخلافات السياسية المتعمقة.

وعلاوة على ذلك، يبرز عامل آخر ساهم في قرار النيجر، وهو لجوء الجزائر في أبريل الماضي إلى تنفيذ حملات ترحيل واسعة النطاق للمهاجرين الأفارقة نحو الحدود النيجرية. أثارت هذه الإجراءات غضبًا عارمًا في نيامي، تجلى بوضوح في تغطية الإعلام الرسمي النيجري، حيث أدانت قناة "Télé Sahel" العمومية بشدة ما وصفته بـ"السياسة المعتادة" للجزائر في التعامل مع المهاجرين على الحدود الشمالية للنيجر، من خلال عمليات الطرد المستمرة في ظروف غير إنسانية، مما يعكس استياءً عميقًا لدى النظام النيجري من سلوك الجزائر.

ويُعتبر قرار النيجر بتعليق استكمال الدراسات النهائية للمشروع "ضربة موجعة" للجهود الحثيثة التي بذلتها الجزائر في الأشهر الأخيرة لدفع هذا المشروع إلى الأمام.

فقد سعت الجزائر جاهدة لتسريع وتيرة العمل، مدفوعة برغبة جامحة في إخراج هذا المشروع إلى حيز الوجود قبل أن يتمكن المغرب من إنجاز مشروعه المنافس مع نيجيريا، والذي يمر عبر دول غرب إفريقيا وصولًا إلى الأراضي المغربية.

وتعود هذه المحاولات الجزائرية المحمومة إلى إدراكها لتصاعد أهمية مشروع أنبوب الغاز المغربي-النيجيري، الذي أدرجه المغرب ضمن رؤيته الطموحة لمبادرة الدول الإفريقية الأطلسية، والتي تحظى بدعم متزايد من الدول المشاركة فيها.

وقد أكد رئيس مجلس النواب المغربي، راشيد الطالبي العلمي، أن هذه المبادرة تشكل مشروعًا استراتيجيًا يهدف إلى تحويل الواجهة الأطلسية لإفريقيا إلى فضاء اقتصادي متكامل، وهو ما يتماشى مع رؤية المغرب لتعزيز الشراكات القارية والاستفادة من بنيته التحتية المتطورة، بما في ذلك الموانئ الكبرى ومشاريع الربط الطرقي الطموحة.

وتسعى المبادرة الأطلسية، التي اكتسبت زخما ملحوظا منذ عام 2022، إلى جعل أفريقيا لاعبا رئيسيا في التجارة الدولية وتعزيز التعاون بين الدول المطلة على المحيط الأطلسي. ومن بين المشاريع الهيكلية التي تدعمها هذه الرؤية، يبرز مشروع أنبوب الغاز المغربي-النيجيري كبديل استراتيجي لتزويد أوروبا بالغاز الأفريقي، مما يعزز موقع المغرب كشريك محوري في تحقيق الأمن الطاقي العالمي.

ويعول المغرب في تحقيق هذه الرؤية على بنيته التحتية القوية، التي تشمل موانئ ضخمة مثل ميناء طنجة المتوسط وميناء الداخلة المستقبلي، بالإضافة إلى مشاريع الربط الطرقي الواسعة، كعامل جذب رئيسي للاستثمارات في مشروع الأنبوب الأطلسي الطموح.

ويمثل انسحاب النيجر من مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء ضربة قاصمة لطموحات الجزائر الإقليمية والاقتصادية، التي كانت ترى في هذا الأنبوب حجر الزاوية في استراتيجيتها لتعزيز نفوذها كمورد طاقة رئيسي للقارة الأوروبية، خاصة في ظل سعي القارة العجوز الحثيث لتنويع مصادرها بعيدا عن الهيمنة الروسية.

فالمشروع، الذي كان من المفترض أن يستغل احتياطيات الغاز الهائلة في نيجيريا، المقدرة بنحو 210.54 تريليون قدم مكعبة وفقا لأحدث بيانات منصة الطاقة لعام 2025، كان يُنظر إليه كشريان حيوي جديد لتصدير الغاز الجزائري وتعزيز إيراداتها من الطاقة في المستقبل المنظور.

ويضع قرار نيامي بالانسحاب من مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء علامات استفهام وجودية حول مستقبله، إذ يفرض غياب النيجر، الشريك المحوري في عبور الأنبوب، على نيجيريا والجزائر تحديات لوجستية وأمنية بالغة التعقيد، حتى لو ارتأتا المضي قدمًا بشكل ثنائي.

لقد كان مرور الأنبوب عبر أراض ثالثة حجر الزاوية في التصور الأصلي، وأي محاولة لإعادة التخطيط ستستلزم إيجاد مسارات بديلة محفوفة بالمخاطر الأمنية والتكاليف الباهظة، مما يلوح في الأفق بتأخيرات مديدة أو حتى شبح الإلغاء الكامل، ليتبخر معها ما كانت الجزائر تعلقه من آمال على هذا المشروع من إيرادات وفرص اقتصادية واعدة.

ويتجاوز تأثير قرار النيجر البعد الاقتصادي ليلامس الجغرافيا السياسية الإقليمية، فانسحابها من مشروع استراتيجي تقوده الجزائر، خاصة إذا ما كان مدفوعا بتصاعد التوترات السياسية بين البلدين، ينذر بتعميق الفجوة في العلاقات الثنائية، ليطال تداعياته مجالات تعاون أخرى تتجاوز قطاع الطاقة.

وبإضافة إلى انسحاب نيامي من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، تتعقد خريطة المنطقة وتتأثر استقرارها الهش، مما يزيد من حدة المخاطر الأمنية التي قد تعترض أي مسعى مستقبلي لإنشاء بنية تحتية طاقية تخترق هذه البقعة الجيوسياسية الحساسة.

في المقابل، يشهد مشروع أنبوب الغاز المغربي-النيجيري، الممتد بمحاذاة الساحل الأطلسي عابرا دول غرب أفريقيا نحو المغرب ومن ثم إلى أوروبا، صعودا ملحوظا واهتماما متزايدا.

ويحظى هذا المشروع بدعم مغربي قوي، يعكس طموح الرباط لتعزيز دورها الإقليمي كمورد طاقة بديل وموثوق للقارة الأوروبية. ومع تعثر مشروع الأنبوب العابر للصحراء جراء قرار نيامي، يكتسب المشروع المغربي-النيجيري زخما مضاعفا، ليبرز كبديل أكثر جاذبية لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا، وهو ما قد يقلص من قدرة الجزائر على المنافسة في سوق الطاقة الأوروبية المتغيرة.

وكانت الجزائر قد استضافت في فبراير الماضي اجتماعا وزاريا للجنة التوجيهية للمشروع، بحضور مسؤولين رفيعي المستوى من نيجيريا والنيجر، حيث تم توقيع اتفاقيات مهمة تتعلق بتحديث دراسة الجدوى وتقاسم التكاليف وضمان سرية المعلومات الحساسة المتعلقة بالمشروع.

وهذا الاجتماع، الذي بدا واعدا آنذاك، يسلط الضوء بوضوح على مدى سرعة وتأثير التطورات السياسية غير المتوقعة على المشاريع الاقتصادية الكبرى ذات الأهمية الاستراتيجية. لكن قرار النيجر المفاجئ يقوض بشكل كبير الجهود التي بذلت ويضع مستقبل المشروع برمته على المحك.

وفشل مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء، الذي كان يُنظر إليه على نطاق واسع كمشروع تعاون إقليمي كبير تقوده الجزائر، قد يؤثر سلبا على صورة الجزائر كقوة إقليمية قادرة على تنفيذ مشاريع استراتيجية كبرى ذات أبعاد دولية.

كما أنه يقلل من قدرة الجزائر على المناورة في مفاوضات إمدادات الطاقة مع الدول الأوروبية، وقد يجبرها على تكبد تكاليف إضافية كبيرة لإعادة تقييم المشروع أو البحث عن حلول بديلة لتصدير الغاز النيجيري، إذا ما قررت الاستمرار فيه رغم غياب النيجر كشريك عبور رئيسي لا يمكن الاستغناء عنه.