الأكراد يرسمون ملامح سوريا المستقبل في مؤتمر القامشلي
انطلقت في مدينة القامشلي شمال شرق سوريا أعمال مؤتمر موسع يجمع مختلف الأحزاب والقوى الكردية، بهدف صياغة رؤية موحدة حول كيفية بناء "سوريا المستقبل" في مرحلة ما بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، وتحديد الدور المحوري الذي يجب أن يضطلع به المكون الكردي في هذه العملية الانتقالية، وفق ما أفاد أحد المشاركين البارزين.
وقال ألدار خليل، عضو هيئة الرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، أبرز الأحزاب الكردية، إثر انطلاق أعمال المؤتمر في مدينة القامشلي، إن المجتمعين سيناقشون "كيفية بناء وإنشاء سوريا المستقبل، خصوصا أن الكُرد مكون رئيسي ولهم الحق في أن يلعبوا دورا أساسيا" في ذلك.
وأضاف "لذلك، لا بد أن يطرح الكُرد ورقة حل ومشروعا كمقترح لمستقبل سوريا"، موضحا ردا على سؤال، أنّ الصيغة الفدرالية "من ضمن المقترحات المطروحة على الطاولة".
ويشارك وفق وكالة أنباء هاوار الكردية، أكثر من 400 شخصية بينهم ممثلو أحزاب وقوى كردية سورية وتركية ومن إقليم كردستان العراق في المؤتمر الذي يعقد بعنوان "وحدة الموقف والصف الكردي"، مما يعكس الأهمية التي يوليها الأكراد لهذا الحدث.
ويأتي هذا المؤتمر، الذي يستمر لعدة أيام، في ظل تحولات سياسية عميقة تشهدها سوريا، وذلك بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، وهي التطورات التي يرى فيها الأكراد "فرصة تاريخية لبناء سوريا جديدة تضمن حقوق جميع السوريين"، بمن فيهم المكون الكردي الذي عانى طويلًا من التهميش والاضطهاد الممنهج في ظل حكم عائلة الأسد.
وأبدت السلطات الجديدة من جهتها رفضها لأي محاولات تقسيم أو انفصال، في إشارة ضمنية الى طموحات الأكراد بتكريس الحكم الذاتي الذي بنوه لأنفسهم في شمال وشرق سوريا بعد اندلاع النزاع عام 2011.
ووقع الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، اتفاقا في 11 مارس، قضى "بدمج" كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية.
وفي كلمة خلال افتتاح المؤتمر، قال عبدي "رسالتي الى كل المكونات السورية وحكومة دمشق هي أن المؤتمر لا يهدف، كما يقول البعض، إلى التقسيم، لا بل على العكس تماما، (يُعقد) من أجل وحدة سوريا".
وشدد على الحاجة في الوقت الراهن إلى "سوريا جديدة ودستور جديد لامركزي" مضيفا "نحن مع أن تأخذ كل المكونات السورية حقها في الدستور لنستطيع بناء سوريا ديمقراطية لامركزية".
كما أشار إلى أن تجربة العيش المشترك التي استمرت 12 عاماً في شمال وشرق سوريا بين الكرد والعرب والسريان والأرمن شكلت نموذجاً عملياً للتعايش المشترك، مؤكدا أن حماية مكتسبات "قسد" في المنطقة تعد أحد أهم أولوياته، باعتبارها الضامن الأساسي لحقوق هذه المكونات وحرياتها.
واعتبر عبدي أن نداء الزعيم الكردي التاريخي عبد الله أوجلان، المعتقل في السجون التركية، لإلقاء السلاح والحل السلمي للقضية الكردية، "أثّر بشكل مباشر على شمال وشرق سوريا" وأسهم في تحقيق "وقف إطلاق نار مرحلي"، مؤكدًا أن "قسد" تدعم دعوة أوجلان "بكل قوة"، وتعتبرها خارطة طريق لحل الأزمة السورية.
وفي رسالة بالغة الدلالة، قرأ حميد دربندي، مسؤول الملف السوري في إقليم كردستان العراق، رسالة الزعيم الكردي المخضرم مسعود بارزاني، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، والتي عبر فيها بارزاني عن "دعمه الكامل لأي خطوة من شأنها أن تقرب وجهات النظر الكردية في سوريا".
وتوجه بارزاني بالشكر إلى مظلوم عبدي "تقديرًا لجهوده" في الوصول إلى عقد مؤتمر وحدة الموقف الكردي، معتبرا أن هذه الخطوة تمثل "إنجازًا تاريخيًا" على طريق توحيد الصف الكردي.
وفي رسالته، شدد بارزاني على أن "الكرد في سوريا عانوا طويلًا من الإنكار والظلم"، مؤكدًا "دعمه الكامل لسوريا جديدة تضمن حقوق جميع مكوناتها على أساس المواطنة المتساوية والعدالة".
كما اعتبر بارزاني أن "تشكيل وفد كردي موحد يُمثل خطوة ضرورية وأساسية لضمان حقوق الشعب الكردي"، داعيا في الوقت ذاته إلى "تعزيز العلاقات مع باقي المكونات السورية" بما يخدم مستقبل البلاد ووحدتها، ويضمن مشاركة الأكراد الفعالة في بناء الدولة السورية الجديدة.
وكان قائد قوات سوريا الديمقراطية قد زار قبل أيام إقليم كردستان العراق وعقد سلسلة اجتماعات مكثفة مع قادة الإقليم، وذلك في إطار الجهود المبذولة لتوحيد الموقف الكردي وتنسيق الجهود المشتركة بين مختلف الأطراف الكردية.
إلى جانب قضية الحكم الذاتي، أبدى الأكراد اعتراضهم على الإعلان الدستوري الذي قدمته السلطة الجديدة، معتبرين أنه "لا يعكس التنوع الحقيقي الذي يميز المجتمع السوري"، ويمنح الرئيس الشرع "سلطات مطلقة" في إدارة المرحلة الانتقالية المحددة بخمس سنوات، وهو ما يثير مخاوفهم من تكرار سيناريو الاستبداد السابق وتهميشهم مجددا.
وتسيطر الإدارة الذاتية الكردية المدعومة أميركيا على مساحات واسعة في شمال سوريا وشرقها، تضم أبرز حقول النفط والغاز. وشكّلت قوات سوريا الديمقراطية، ذراعها العسكرية، رأس حربة في قتال تنظيم الدولة الإسلامية وتمكنت من دحره من آخر معاقل سيطرته في البلاد عام 2019.
وقال ألدار خليل إن المجتمعين سيناقشون كذلك سبل معالجة القضية الكردية، موضحا "سيكون للمؤتمر دور أساسي في توجيه بوصلة الديمقراطية في سوريا بشكل عام، وكيفية حل القضية الكردية بشكل خاص".
ويأمل الأكراد في أن يتمكنوا من خلال هذا المؤتمر من التوصل إلى رؤية موحدة وواضحة المعالم حول مستقبلهم في سوريا، وطرحها كقوة موحدة في أي مفاوضات قادمة مع السلطة الجديدة أو الأطراف السورية الأخرى، وذلك بما يضمن تحقيق حقوقهم القومية والسياسية والثقافية، ويساهم في بناء سوريا ديمقراطية تعددية تعترف بجميع مكوناتها.