الانفتاح العراقي على سوريا ما بعد الأسد يسير بأسرع من المتوقع
يسير انفتاح حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على السلطات السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع بأسرع من المتوقع متجاوزا حدود التنسيق الأمني إلى التعاون الاقتصادي، ومتخطيا الاعتراضات الشديدة من قوى سياسية متنفذة في الدولة العراقية غير راضية عن التغيير الذي حدث في سوريا بسقوط نظام بشار الأسد الحليف المشترك لكل من إيران وتلك القوى المتمثلة بأحزاب وفصائل شيعية مسلّحة.
وقاد رئيس المخابرات العراقية حميد الشطري وفدا إلى دمشق، في زيارة هي الثانية له إلى العاصمة السورية بعد رحيل نظام الأسد في ديسمبر الماضي وذلك لفتح ملفات تعاون متنوع وطموح لا يستثني تصدير النفط العراقي عبر البحر المتوسّط مرورا بالأراضي السورية الأمر الذي سيشكل، في حال تحققه، قفزة عملاقة في تشابك المصالح الاقتصادية وترابطها بين البلدين.
وجاءت الزيارة كنتيجة للقاء الذي جمع قبل أيام بين السوداني والشرع في العاصمة القطرية الدوحة ولم يرشح الكثير من التفاصيل بشأن ما دار خلاله حيث طغى عليه الضجيج الذي أثارته حوله قوى عراقية معترضة على مسار الانفتاح على سوريا.
تصدير نفط العراق عبر سوريا سيشكل قفزة نوعية في إقامة علاقات بين البلدين على أسس براغماتية غير أيديولوجية
ويكشف ذلك دور كل من قطر وتركيا الحليفتين الرئيسيتين للنظام السوري الجديد في توثيق علاقته مع الحكومة العراقية وهو الأمر الذي تستجيب له بغداد بسلاسة مدفوعة بأهداف وغايات براغماتية.
وتعكس جرأة السوداني في المضي في هذا المسار قراءة حكومته للوضع المستجد بعد التغيير في سوريا ومعرفتها بانحسار نفوذ إيران وتأثيرها الأمر الذي يسمح لبغداد بإرساء شبكة علاقات جديدة مع المحيط الإقليمي للعراق أكثر توازنا وأقل ارتباطا بطهران على خلاف ما كان عليه الوضع منذ سقوط النظام العراقي السابق وتسلم الأحزاب الشيعية الموالية لإيران زمام قيادة الدولة العراقية والتحكم بسياساتها الداخلية والخارجية.
وزار الجمعة وفد عراقي برئاسة الشطري دمشق حيث التقى الرئيس الشرع ومسؤولين حكوميين سوريين وبحث معهم التعاون الأمني والتجاري، على ما أفاد مكتب رئيس الوزراء العراقي.
وجاءت الزيارة في وقت يندّد فيه عدد من السياسيين العراقيين البارزين في المعسكر الموالي لإيران وأنصارهم باحتمال زيارة الشرع للعراق للمشاركة في القمة العربية في مايو القادم تلبية لدعوة رسمية من بغداد.
وضم الوفد العراقي إلى جانب رئيس المخابرات مسؤولين عن قيادة قوات الحدود بوزارة الداخلية ومن وزارتي النفط والتجارة وهيئة المنافذ الحدودية، بحسب بيان لرئاسة الحكومة العراقية.
وأشار البيان إلى أن أجندة الزيارة تشمل بحث “التعاون في مجال مكافحة الارهاب وتعزيز الترتيبات المتعلقة بتأمين الشريط الحدودي المشترك وتقويتها من أي خروقات أو تهديدات محتملة، وتوسعة فرص التبادل التجاري بما يصب في مصلحة الشعبين،” إلى جانب “دراسة إمكانية تأهيل الأنبوب العراقي لنقل النفط عبر الأراضي السورية إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط.”
وضمّنت حكومة السوداني في بيانها موقفها بـ“دعم العراق وحرصه على وحدة وسيادة الأراضي السورية وأهمية استقرار سوريا بالنسبة للأمن الوطني العراقي وأمن المنطقة.”
وكان العراق من الدول العربية القليلة التي حافظت على علاقة مع نظام الأسد خلال اندلاع الحرب في بلاده. لكن مع سقوط النظام قال السوداني إن بلاده “تنسق مع سوريا بشأن تأمين الحدود وعودة اللاجئين ومستعدة لتقديم الدعم، ولا تريد لسوريا أن تكون محطة للصراعات الأجنبية،” فيما أكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أن بلاده “ليس لديها تحفظات أو شروط للتعامل مع القيادة السورية الجديدة.”
وفي منتصف مارس الماضي زار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بغداد حيث أكّد أن حكومة دمشق تريد تعزيز التبادل التجاري مع العراق.
في منتصف مارس الماضي زار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بغداد حيث أكّد أن حكومة دمشق تريد تعزيز التبادل التجاري مع العراق
وتقيم بعض تلك الأحزاب حملتها ضدّ الشرع على ماضيه الجهادي باعتباره قياديا في جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة. وقالت مصادر أمنية عراقية لوكالة فرانس برس إن هناك مذكرة توقيف عراقية قديمة بحق الشرع تعود إلى فترة القبض عليه من قبل القوات الأميركية وسجنه لفترة في العراق.
وهاجم حزب الدعوة الإسلامية بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، السوداني بشدّة لقراره دعوة الرئيس السوري إلى القمّة بينما لوّحت ميليشيا عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي باعتقال الشرع في حال قدومه إلى بغداد كونه بحسب الميليشيا محلّ ملاحقة من قبل القضاء العراقي.
وقال الخزعلي إنّ “حضور رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع إلى بغداد سابق لأوانه،” محذرّا في تعليق عبر منصة إكس من أنّ ذلك “يؤدي إلى تداعيات إذا تم تطبيق القانون واعتقاله نظرا لوجود مذكرة اعتقال نافذة بحقّه،” ومضيفا أنّه “عملا بمبدأ فصل السلطات يجب الالتزام بقرارات القضاء العراقي واحترامها من الجميع.”
ومن ذات الزاوية هاجم تحالف الفتح الوعاء السياسي والبرلماني لميليشيات الحشد الشعبي دعوة الشرع للقمّة وشمل بانتقاداته الحادّة الشخصيات والقوى الداعمة لذلك.
وقال على لسان نائبته في البرلمان انتصار الجزائري إنّ ترحيب بعض الشخصيات السياسية بزيارة الرئيس السوري الذي تعمّدت تسميته بأبي محمد الجولاني إلى العراق “دعم مكشوف للإرهاب.”