لماذا يركز إعلام الانتقالي الجنوبي بشكل أقل على القضية الجنوبية في حضرموت؟
تعتبر حضرموت هي روح ونبض الجنوب، وتمثل جزءًا أساسيًا من الهوية الجنوبية. ومع ذلك، أصبحت القضية الجنوبية تشهد تراجعًا في شعبيتها يشكل كبير وملفت للنظر ، حيث بدأت تضمحل تدريجيًا في أعين الجمهور المؤيد لها، مما يثير القلق بشأن مستقبل القضية في ظل هذه المتغيرات التي تشهدها حضرموت . ومن أهم الأسباب التي ساهمت في هذا التراجع هو ضعف الإعلام الجنوبي الحضرمي الذي يُوجه بشكل غير كافٍ لتلبية احتياجات وتطلعات الجمهور الحضرمي. إن الإعلام الجنوبي، بشكل عام، لا يعكس الواقع الحضرمي بشكل مناسب، ولا يتماشى مع الآمال والطموحات المتعلقة ببناء الدولة الجنوبية الفدرالية الواحدة. هذه الورقة تهدف إلى تحليل الأسباب التي أدت إلى هذا الضعف الإعلامي، وتقديم التوصيات اللازمة لتحسينه بما يساهم في إحياء القضية الجنوبية وتعزيز موقفها في حضرموت وفي الجنوب بشكل عام.
1. عدم وجود استراتيجية إعلامية متكاملة
غياب الخطط الإعلامية الموحدة: من الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى ضعف الإعلام الجنوبي في حضرموت هو عدم وجود استراتيجية إعلامية موحدة تواكب التطورات اليومية والمستجدات السياسية. يفتقر المجلس الانتقالي الجنوبي إلى استراتيجية إعلامية شاملة قادرة على توحيد الخطاب الإعلامي بشكل يساهم في توجيه الرأي العام داخل الجنوب وخارجه.
تنوع وسائل الإعلام بشكل عشوائي: هناك توزيع غير متوازن للموارد الإعلامية، حيث يركز الإعلام الجنوبي على وسائل الإعلام الإلكترونية على حساب المنصات التفاعلية . هذا التوزيع العشوائي للموارد يؤدي إلى تشتت الجهود الإعلامية ويقلل من فاعليتها في التأثير على الرأي العام الجنوبي في حضرموت . يعزز ذلك من صعوبة توجيه الرسائل الإعلامية بطريقة متسقة وواضحة.
2. الاعتماد على الإعلام الخارجي وغياب الإعلام المحلي
الضعف في الإعلام الحضرمي المحلي: لا يوجد حضور قوي للإعلام الحضرمي المحلي الذي يعكس الواقع الجنوبي بشكل صحيح. حيث يتم اعتماد الإعلام الخارجي (من خارج حضرموت) في نقل الأخبار المتعلقة سوى كان بالقضية الجنوبية أو حضرموت ، مما يؤثر بشكل مباشر على قدرة الإعلام المحلي في التأثير على الجمهور الحضرمي. هذا يساهم في فقدان الاتصال المباشر مع قضايا المواطنين في حضرموت.
عدم تغطية القضايا الحضرية: هناك تجاهل كبير للعديد من القضايا اليومية التي تواجه سكان حضرموت، مثل الاقتصاد المحلي، البطالة، والمشاكل الاجتماعية. هذه القضايا لا تجد طريقها إلى الإعلام المتاح من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي، مما يعكس نقصًا في التركيز على القضايا المحلية التي تهم المواطنين في حضرموت.
3. المركزية الإعلامية
السيطرة على الإعلام من قبل عدن: من أبرز أسباب ضعف الإعلام الحضرمي هو أن كل المواقع الإعلامية الجنوبية موجهة إلى عدن، وإذا وجدت مواقع إعلامية تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، فإنها تدار من قبل إدارة عدن. هذا يخلق أزمة تمثيل حقيقية حيث تغيب الهوية الحضرمية في معظم الأخبار والمحتوى الإعلامي.
ضعف القاعدة الشعبية للمجلس الانتقالي: أصبح المواطنون لا يثقون في تلقّي الأخبار الجنوبية من عدن، نتيجة المركزية الإعلامية التي تسيطر على المحتوى الجنوبي، ويشعر المواطن الحضرمي بأن الإعلام الجنوبي لا يمثل قضاياه ولا يتناسب مع تطلعات في حضرموت .
غياب منصات مواقع حضرمية خاصة: لا توجد أي منصات حضرمية - جنوبية موجهة خصيصًا للحضارم والتي يمكن أن تعكس قضاياهم بصدق وواقعية. وإن وجدت أي منصات فهي تدار من مركزية عدن، بعيد كل البعد عن واقع حضرموت مما يؤدي إلى عجز الإعلام عن تمثيل الهوية الحضرمية بشكل صحيح.
4. المحسوبية وضعف الكوادر الإعلامية
المحاسوبية في اختيار الإعلاميين: من أبرز الأسباب التي تساهم في ضعف الإعلام الجنوبي هي المحاسوبية في تعيين الكوادر الإعلامية. حيث يتم تعيين الأشخاص في المناصب الإعلامية بناءً على العلاقات الشخصية والولاء السياسي بدلاً من الكفاءة المهنية أو الفهم العميق للواقع الحضرمي. هذه المحسوبية تساهم في ضعف التغطية الإعلامية للأحداث الحضرية وقلة الخبرة في التعامل مع القضايا المحلية.
نقص الكوادر الإعلامية المؤهلة: الإعلاميون العاملون في المواقع الإعلامية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي غالبًا ما يفتقرون إلى التدريب الكافي أو الخبرة في مجال الإعلام، مما يؤدي إلى ضعف الأداء الإعلامي وعدم القدرة على معالجة القضايا المعقدة بشكل احترافي وموضوعي.
5. التحليلات الواقعية: مثال لموقع المدارة
الإعلام المحلي الضعيف: على الرغم من الميزانية الضخمة المخصصة لبعض المواقع الإعلامية في حضرموت، مثل موقع "المدارة"، إلا أن النتائج مقلقة. على سبيل المثال:
الطاقم الإعلامي: يوجد أكثر من 10 إعلاميين في الموقع، ومع ذلك عدد المتابعين على تويتر لا يتجاوز 10 متابعين، ما يعكس ضعف التأثير الإعلامي.
المتابعون على فيسبوك: التفاعل على فيسبوك يكاد يكون معدومًا، حيث أن الإعجابات والمشاركات تكاد تكون صفر، مما يعكس عدم الجاذبية للمحتوى المقدم.
اجمالي المشاهدات على منصة اليوتيوب لاتتجاوز 15 k الف خلال 6 سنوات من انشاء الموقع وعدد المتابعين لايتجاوز 200 متابع وهو دليل واضح على محدودية التأثير
ضعف التغطية المحلية: لا توجد تقارير أو تحليلات خاصة بالموقع تتناول مسألة حضرموت بشكل عميق بالرغم من كثرة عدد الإعلاميين ، وكل الأخبار المنشور هي منسوخة من مصادر أخرى دون تقديم إضافة حقيقية للواقع .
مشاكل تنظيمية وضعف التصميم:
الموقع يفتقر إلى هوية إعلامية خاصة أو تصاميم متطورة، مع تصميم تقني ضعيف يعكس عجزًا كبيرًا في الابتكار والتطوير.
المركزية الإدارية: يظهر الموقع في أسفله عبارة "حقوق الطبع محفوظةعع لدى منارة عدن"، مما يعكس المركزية في إدارة المحتوى وغياب الاستقلالية.
المنشورات المتأخرة وغير المنتظمة: يتم نشر الأخبار دفعة واحدة في نفس اللحظة مرتين يوميًا، صباحًا ومساءً، دون رقابة واضحة، مما يعكس غياب التنظيم وعدم اهتمام بالجدولة الإعلامية المنهجية.
6. التحديات المالية والمصادر المحدودة
التمويل المحدود للإعلام: قلة التمويل الكافي للمشاريع الإعلامية المتخصصة في القضية الجنوبية، سواء على المستوى الحضرمي أو في الجنوب بشكل عام، يجعل التغطية الإعلامية ضعيفة ولا تلبي تطلعات الجمهور. تساهم المصادر المالية المحدودة في توجيه الإعلام نحو القضايا السياسية فقط، مما يعوق القدرة على تخصيص ميزانيات للتغطية الإعلامية الخاصة بالقضايا الاجتماعية أو الاقتصادية.
إعلانات سياسية على حساب القضايا المجتمعية: يتم توجيه بعض الأموال المخصصة للإعلام نحو التغطية السياسية، مما يؤدي إلى إغفال القضايا المجتمعية في حضرموت. تساهم هذه الأموال في تغطية الأحداث السياسية بدلًا من إعطاء الأولوية للأزمات المحلية التي تؤثر على حياة المواطنين بشكل مباشر.
7. التأثيرات الإقليمية والدولية
الإعلام الإقليمي والدولي: تدخل القوى الإقليمية والدولية في تغطية القضية الجنوبية بما يتناسب مع مصالحها، مما يساهم في تغييب الواقع الحضرمي في الإعلام الدولي. في العديد من الحالات، تكون الخطابات الإعلامية المتعلقة بالجنوب غير متوازنة أو مشوهة بسبب تدخلات دولية أو إقليمية تؤثر على كيفية تقديم القضية الجنوبية في الإعلام الدولي. هذه التدخلات تؤثر بشكل سلبي على تمثيل واقع حضرموت في الإعلام الدولي.
التوصيات لتحسين الوضع الإعلامي في حضرموت
1. إعادة هيكلة الإعلام الجنوبي:
إلغاء المركزية الإعلامية التي تسيطر عليها عدن، وإعطاء حضرموت منصات ومواقع إعلامية مستقلة تعكس واقعها وتطلعاتها.
تطوير استراتيجية إعلامية موحدة تشمل إعلامًا محليًا يعكس القضايا السياسية و الحضرية والاجتماعية، ويدعم الهوية الحضرمية بشكل أكبر.
2. إصلاح المحسوبية في التعيينات الإعلامية:
ضرورة تعزيز المعايير المهنية في اختيار الكوادر الإعلامية، والتأكد من أن التعيينات تتم بناءً على الكفاءة والخبرة وليس على الولاءات الشخصية.
توفير برامج تدريبية للإعلاميين الحاليين لتطوير مهاراتهم في التغطية الصحفية والإعلام الرقمي.
3. زيادة التمويل المخصص للإعلام المحلي:
تخصيص ميزانيات أكبر للمواقع الإعلامية، مع تحديد آليات للرقابة المالية لضمان الاستفادة القصوى من الموارد.
4. تشجيع استخدام الإعلام البديل:
دعم وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي بكافات أشكاله باعتبارها منصات قوية في نقل الأخبار بسرعة، مع التركيز على التفاعل مع الجمهور المحلي.
5. إنشاء هوية إعلامية مميزة:
تطوير هوية إعلامية خاصة للمواقع الحضرية، بما في ذلك تصميمات مبتكرة ومنشورات تتماشى مع تطلعات الجمهور الحضرمي.
الخلاصة
رغم وجود مواقع إعلامية تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، مثل موقع "المدارة"، إلا أن المركزية الإعلامية وإدارة هذه المواقع من قبل إدارة عدن والفساد الإداري وعدم وجود تقييم حقيقي لهذه المواقع الذي بدوره يخلق تأثير حقيقي تساهم في ضعف تمثيل قضايا حضرموت. بالإضافة إلى ضعف التنظيم الإعلامي، نقص الكوادر الإعلامية المؤهلة، والتحديات المالية، تظل القضية الجنوبية في حضرموت بعيدة عن التغطية الإعلامية الفعالة. الإعلام في هذه الحالة لا يعكس الواقع الحضرمي بشكل دقيق، مما يؤدي إلى غضب وتهميش المواطنين الذين لا يرون تمثيلًا حقيقيًا لقضاياهم في الإعلام الجنوبي.