من مفتي القتل إلى قائد سياسي: "أبو عمر النهدي" يعود بـ"تيار التحرير والتغيير" في توقيت مشبوه
في توقيت مثير للتساؤلات، ومع حلول الذكرى التاسعة لتحرير ساحل حضرموت من قبضة تنظيم القاعدة الإرهابي، ظهرت تطورات جديدة تعيد إلى الأذهان صورة الأيام التي خيمت فيها الظلال السوداء على مدن الساحل. فمن قلب صحراء العبر، بالقرب من الحدود مع المملكة العربية السعودية، عاد "أبو عمر النهدي"، المفتي الشرعي للتنظيم في حضرموت، ليعلن عن ظهور سياسي جديد تحت اسم "تيار التحرير والتغيير". هذه العودة لا تعد فقط تجديدًا لمشروع سياسي، بل تمثل محاولة لتوسيع دائرة النفوذ الإخواني في المنطقة باستخدام أدوات سياسية قديمة تلتقي مع مصالح إقليمية معقدة.
عودة "أبو عمر النهدي": من المفتي الشرعي للتنظيم إلى قائد تيار إخواني
في أعقاب سيطرة تنظيم القاعدة على مدينة المكلا في أبريل 2015، ظهر "أبو عمر النهدي" كأحد الوجوه البارزة في التنظيم الإرهابي، حيث شغل منصب المفتي الشرعي للتنظيم في حضرموت. كان دوره يتجاوز الفتاوى الدينية ليشمل التنفيذ المباشر للعديد من عمليات القتل والإعدام، والتي أثارت غضبًا شعبيًا عارمًا في المنطقة. وفي الوقت الذي شهدت فيه المكلا عمليات تحرير عسكرية من قبل قوات النخبة الحضرمية بدعم من التحالف العربي، كان النهدي قد تم إقصاؤه من الساحة، لكنه الآن يعود بشكل مفاجئ، ليس فقط عبر خطاب سياسي، بل أيضًا من خلال قيادة تيار سياسي جديد يدعو إلى "التغيير" تحت راية الإخوان.
تيار التحرير والتغيير: إطار جديد لعودة الإرهابيين في ثوب سياسي
بعد سنوات من الهزائم العسكرية التي تعرض لها تنظيم القاعدة في حضرموت، خصوصًا بعد طرد قوات النخبة الحضرمية لهم في عام 2016، يلاحظ مراقبون أن جماعة الإخوان تسعى إلى استعادة توازنها في المنطقة عبر توظيف العناصر التي ارتبطت تاريخيًا بالإرهاب. "تيار التحرير والتغيير" الذي أعلن عنه النهدي في العبر يعد مشروعًا سياسيًا يهدف إلى إعادة تجميع قوى كانت قد تفرقت في صراعات سابقة. وعلى الرغم من أن هذا التيار لا يحظى بشعبية حقيقية في حضرموت، إلا أن له تأثيرًا في بعض الدوائر السياسية والإعلامية، خاصة في أوساط جماعة الإخوان الذين يعتقدون أن النهدي سيكون أداة فاعلة في تحريك المشهد السياسي.
التوقيت والموقع: إشارات إلى مخطط إخواني إقليمي
اختيار منطقة العبر الحدودية نقطة انطلاق لهذا التيار الجديد له دلالات مهمة. فالعبر ليست مجرد منطقة جغرافية على الحدود مع المملكة العربية السعودية، بل هي بمثابة نقطة تماس استراتيجي بين القوى المختلفة في المنطقة. منذ إعلان "تيار التحرير والتغيير"، ازدادت التكهنات حول التنسيق بين الجماعات الإخوانية والحوثية، خصوصًا في ظل تزايد الدعم الإعلامي الذي يحظى به النهدي من وسائل إعلام إيرانية وميليشيات الحوثي. وهذا التنسيق المحتمل يثير القلق بشأن مستقبل الاستقرار في حضرموت، خاصة أن النهدي أعلن عن هدفه الرئيسي المتمثل في "طرد القوات الأجنبية" من المنطقة، وهي نقطة تتقاطع مع مطالبات الحوثيين المدعومة إيرانيًا.
الخطاب العدائي: أهداف سياسية خفية وراء ستار ديني
الخطاب الذي ألقاه "أبو عمر النهدي" في حفل تنصيبه كزعيم لتيار "التحرير والتغيير" حمل في طياته رسائل سياسية مشبوهة. على الرغم من استخدامه للغة دينية، إلا أن مواقفه وتوجهاته تهدف إلى تعزيز أجندة سياسية بعيدة عن مصلحة أبناء حضرموت. فالنهدي، الذي ارتبط بتفاصيل مروعة في فترة حكم القاعدة، يبقى رمزًا من رموز التطرف والإرهاب الذي لا يمكن تبريره تحت أي مسمى سياسي أو ديني. وعليه، فإن عودته إلى الساحة بهذه الطريقة تثير تساؤلات كبيرة حول من يقف وراء هذه المحاولة لتوظيف أدوات الإرهاب السابقة في مشروع سياسي جديد.
التحركات في سياق إقليمي: مواجهة الجنوب ومصالح التحالف العربي
على الرغم من أن النهدي ينادي ب"طرد القوات الأجنبية" من حضرموت، إلا أن خطاباته تتداخل مع أجندات إقليمية معقدة. فلن يكون من المبالغة القول إن هذه الدعوات ليست سوى تحرك سياسي يخدم أهدافًا إخوانية مرتبطة بالحوثيين وداعمة لتوجهات إيرانية ضد مصالح التحالف العربي في المنطقة. وهو ما يضع حضرموت مرة أخرى في صراع بين القوى الإقليمية والدولية التي تسعى للتحكم في مستقبل المنطقة.
"عودة الإرهاب السياسي" في صلب المشهد الحضرمي
بينما يحتفل أبناء حضرموت بالذكرى التاسعة لتحرير ساحلهم من قبضة الإرهاب، تتجدد المخاوف من عودة نفس الأدوات الإرهابية بوجه سياسي جديد. "أبو عمر النهدي" الذي كان يومًا مفتي القتل والإرهاب في المكلا، يعود اليوم ليحمل شعارًا سياسيًا يسعى لتوسيع النفوذ الإخواني عبر الحدود. هذا التحدي السياسي الجديد يستدعي من أبناء حضرموت اليقظة والتأهب لمواجهة محاولات إقليمية ودولية لإعادة استخدام أدوات الإرهاب لتحقيق أجندات سياسية لا تخدم استقرار المنطقة.
تظل الذكرى التاسعة لتحرير ساحل حضرموت فرصة لتجديد العهد بالأمن والاستقرار، ولكنها أيضًا تضعنا أمام اختبار جديد حول قدرة المنطقة على مواجهة هذه المخططات السياسية المعقدة، والتي تهدف إلى زعزعة استقرار الجنوب وإعادة تدوير التطرف في ثوب جديد.