إقليم كردستان يرسّخ هويته كمنارة للسلام في شرق أوسط مضطرب

وكالة أنباء حضرموت

 في ظل مشهد إقليمي مضطرب تتصدر فيه مشاهد الحرب والانقسامات الواجهة، تبرز أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق كمسرح لرسالة مغايرة تماما.

وافتتح رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني أمس الأربعاء مؤتمر ” يوم الصلاة الوطني” وهو الأول من نوعه احتفاء بالتعايش السلمي في كردستان وسط حضور شخصيات عربية وغربية.

وألقى بارزاني، خطابا مؤثرا أكد فيه أن كردستان ستبقى منارة للتعايش السلمي ومثالا نادرا على التعددية القومية والدينية في منطقة تمزقها النزاعات.

ويرى محللون أن هذا الخطاب، وإن حمل أبعادا دينية وإنسانية، إلا أنه حمل أيضا رسائل سياسية دقيقة، تتعلق بمكانة الإقليم داخليا وإقليميا، وطموحه في ترسيخ نموذج للحكم قائم على التنوع والانفتاح لا الإقصاء والانغلاق.

مدينة عنكاوا ذات الأغلبية المسيحية تتوسع وتنمو في وقت تتراجع فيه الحريات الدينية في أماكن أخرى من الشرق الأوسط

وذكّر بارزاني بأن أرض كردستان كانت عبر العصور ملتقى للأديان والثقافات، مكانا تعانقت فيه أصوات الأذان وترانيم الكنائس وأدعية المعابد، ولم تكن تلك إشادة عاطفية وحسب، بل تأكيد على أن هذه الأرض لم تُبنَ على لون واحد أو دين واحد، بل على أساس مشترك من العيش والتكافل والمصير المشترك.

وأشار بوضوح إلى أن التحديات الكبرى التي واجهها شعب كردستان، من حملات القمع في عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين إلى جرائم تنظيم داعش، لم تفرق بين مكوناته، بل استهدفت الجميع، وأن التصدي لتلك المحن كان بروح جماعية، حيث قاتلت قوات البيشمركة دفاعا عن كل أطياف المجتمع، دون اعتبار لدين أو قومية.

وقد بدا لافتا استحضار بارزاني لصور ملموسة من الواقع تعزز رسالته، مثل مدينة عنكاوا ذات الأغلبية المسيحية، والتي وصفها بأنها تتوسع وتنمو في وقت تتراجع فيه الحريات الدينية في أماكن أخرى من الشرق الأوسط.

كما تحدث عن ترميم المساجد والمزارات الإيزيدية والكنائس والمعابد، في إطار خطة حكومية تهدف ليس فقط إلى صون التراث، بل أيضاً إلى خلق بيئة يشعر فيها الجميع بالانتماء.

ولم يغفل بارزاني أهمية الجانب التربوي والثقافي، فركز على أهمية إصلاح المناهج الدراسية كي تعكس التعددية الكردستانية، وتغرس في نفوس الأجيال الجديدة قيم الاحترام المتبادل، والقبول، والانفتاح، وهي نقطة مركزية في بناء دولة ديمقراطية لا تعتمد فقط على الأمن، بل على الثقافة المجتمعية الجامعة.

ومن خلال تذكيره بزيارة البابا فرنسيس الراحل إلى أربيل عام 2021، والتي قال إنها شكلت محطة فارقة في إبراز مكانة كردستان كأرض للسلام، ربط بارزاني بين الرؤية الدينية للأخلاق والسلام وبين المشروع السياسي للإقليم.

ويشير مراقبون إلى أن هذا الترابط لم يكن عفويا، بل يندرج في إطار سياسة ناعمة يسعى الإقليم من خلالها إلى توظيف صورته كواحة استقرار وتسامح في منطقة تسودها الفوضى، وهي سياسة تهدف إلى تعزيز موقع كردستان كفاعل مؤثر في المعادلة الإقليمية، لا مجرد هامش تابع.

ولم يكن خطاب بارزاني فقط رسالة طمأنة داخلية لمكونات الإقليم، بل أيضا رسالة للخارج، للحلفاء والشركاء والمجتمع الدولي، بأن كردستان تملك نموذجا يمكن البناء عليه في منطقة تحتاج بشدة إلى أمثلة ناجحة للتعايش. ويرى بارزاني أن التنوع لا يُضعف المجتمعات، بل يمنحها مناعة وقوة وصلابة.

وبدا يوم الصلاة الوطني أكثر من مجرد طقوس دينية، بل لحظة سياسية وإنسانية في آنٍ واحد، تترجمها الرؤية الكردستانية التي ترى في التعددية مصدر فخر، وفي السلام مشروعا طويل الأمد.