بنين تحت النار.. بوصلة الإرهاب في غرب أفريقيا تتحرك جنوبا
لطالما كانت بنين نقطة عبور لتنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين لكن مع تغير خارطة الغرب الأفريقي، يتحرك الإرهابيون جنوبا سعيا للتمدد نحو نقاط خلفية.
وشهدت بنين، إحدى أكثر الدول استقرارًا بالمنطقة حتى وقت قريب، تحولًا خطيرًا في المشهد الأمني، بعد هجوم دموي شنّته جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" الموالية لتنظيم القاعدة.
واستهدف الهجوم قاعدتين عسكريتين في الشمال، ما أسفر عن مقتل العشرات من الجنود وفقًا لتقديرات أولية.
ولا يعتبر الهجوم الأول من نوعه في بنين، فمنذ سنوات، تشهد المناطق الشمالية هجمات يشنها عناصر من تنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين اللذين ينشطان في منطقة الساحل ويسعيان إلى التحرك باتجاه الجنوب.
وما زالت المنطقة الحدودية مع بوركينا فاسو في الشمال مركزا للهجمات على أراضي بنين، لكن الحدود مع النيجر، أصبحت بدورها تشكل مصدر قلق لا سيما منذ الإطاحة بالرئيس النيجري محمد بازوم في انقلاب للجيش في يوليو/تموز 2023.
ردود فعل
يرى محللون سياسيون أن ما يحدث في شمال بنين ليس حادثًا معزولًا، بل يشكل جزءًا من تحول جغرافي واسع في استراتيجية الجماعات الإرهابية.
فبعد أن ضُيّق الخناق على هذه الجماعات في منطقة الساحل الأوسط، تتجه الآن جنوبًا نحو دول لم تكن حتى وقت قريب على رأس خريطتها العملياتية.
وهذا التصعيد غير المسبوق دفع الطبقة السياسية في بنين إلى تجاوز خلافاتها، داعيةً إلى وحدة وطنية وتعاون إقليمي واسع النطاق لمواجهة التهديد المتصاعد.
وفي بيان رسمي، أعرب حزب "الديمقراطيون" المعارض عن احترامه لذكرى الضحايا وتعازيه للأسر المفجوعة.
وتقدّم الحزب بمقترح عملي يدعو الحكومة إلى بدء مشاورات عاجلة وصادقة مع الدول المجاورة، لا سيما النيجر وبوركينا فاسو ومالي، وأيضا توغو ونيجيريا، بهدف تشكيل قوة عسكرية مشتركة وتنسيق تبادل المعلومات الاستخباراتية لمواجهة الجماعات الإرهابية.
من جانبه، وصف الحزب الليبرالي، بقيادة المحلل السياسي ريتشارد بوني وورو، الهجوم بأنه "عمل جبان ودموي يسعى لزعزعة استقرار البلاد".
ودعا، في بيان، إلى توحيد الصف الوطني وتعزيز أجهزة الأمن الداخلي، مؤكدا أن "تضحيات الجنود يجب أن تلهمنا جميعًا لتحمل مسؤولياتنا في التصدي للإرهاب".
خارطة الإرهاب تتحرك
في تعقيبه على الموضوع، يرى الباحث الفرنسي نيكولا ديبريه، المتخصص في شؤون الساحل بـ"معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية بباريس"، أن "بنين الآن في مواجهة حقيقية مع واقع جديد".
ويقول ديبريه، لـ"العين الإخبارية"، إنه "طوال سنوات، كانت هذه الجماعات تعتبر أن دول الساحل الغربي غير مهيأة أمنيًا لمواجهة حرب العصابات والآن، تستغل هذه الفجوات".
أما الباحثة سيلين رامبورغ، المتخصصة في سياسات الأمن الأفريقي بمركز "تيرا نوفا" الفرنسي، فتؤكد لـ"العين الإخبارية" أن "الحدود الشمالية لبنين مع بوركينا فاسو والنيجر أصبحت منطقة رمادية".
وتشير إلى أن "الهجمات الأخيرة تظهر أن هذه الجماعات باتت تستخدم بنين كامتداد لعمقها الاستراتيجي، وليس فقط كهدف عرضي".
لماذا شمال بنين؟
يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة بماكو في مالي، إسماعيل أغ محمد، إن الهجوم وقع قرب شلالات كودو، في منطقة قريبة من الحدود مع النيجر وبوركينا فاسو.
ويوضح أغ محمد، لـ"العين الإخبارية"، أن هذه المنطقة باتت تعاني من هشاشة التنسيق الأمني عبر الحدود، كما أنها تضم تضاريس تسمح بالتنقل والاختباء، إضافة لضعف البنية الاستخباراتية المحلية، ووجود مجتمعات مهمّشة تستغل الجماعات المسلحة سخطها".
ويعتبر الخبير أنه بينما تحاول حكومات الساحل تعزيز دفاعاتها بدعم دولي (من فرنسا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي)، تجد بنين نفسها اليوم في صدارة المشهد الأمني، دون أن تكون مهيأة بنفس القدر.
فيما يحذر الباحث السياسي الفرنسي نيكولا ديبريه قائلاً إن "التركيز الدولي المفرط على النيجر ومالي أغفل البوابة الجنوبية. بنين وتوغو الآن هما الواجهة الجديدة لمعركة السيطرة على غرب أفريقيا".
هل من دور أوروبي؟
بالنظر إلى التحولات الجيوأمنية، تُطرح أسئلة حول دور باريس وبروكسل، فهل سيتحرك الاتحاد الأوروبي لحماية "دول الساحل الثانية"؟
ورداً على ذلك، قالت سيلين رامبورغ إن "السياسات الأوروبية يجب أن تواكب هذا التحول، عبر دعم القدرات الاستخباراتية والتقنيات المتقدمة، لا الاكتفاء بنقل الخبرات"، وحذرت من أن "الوقت لم يعد في صالح أحد".