اليمن ..

تدمير ميناء رأس عيسى يغير طبيعة الحرب على الحوثيين

وكالة أنباء حضرموت

 مثّل القصف العنيف، الذي أدّى إلى تدمير ميناء رأس عيسى الواقع على ساحل البحر الأحمر، نقلة نوعية في الاستهداف الأميركي للحوثيين، ويقول مراقبون إن الضربات الأميركية خرجت بهذا القصف من دائرة الضغط على الجماعة المرتبطة بإيران عبر الاستهداف المحدود والمحسوب بدقة إلى مرحلة كسر العظم.

ويؤشر تغيير الأسلوب الأميركي على اقتناع إدارة الرئيس دونالد ترامب بأن الحوثيين لا يفهمون أسلوب التحذير، وأن الحل يكمن في دخول مرحلة قطع الشرايين الحيوية للجماعة بحرمانها من الإيرادات التي تستخدمها في مجهودها الحربي من وقود وأموال وغير ذلك وتستعين بها أيضا في إقامة سلطتها الموازية على مناطق يمنية شاسعة.

ويرى المراقبون أن إدارة ترامب باتت تتعامل مع الحوثيين على أنهم طرف في حرب أمام الولايات المتحدة، وهذا يرفع الكثير من المحاذير أمامها، ويجعل كل شيء مشروعا بما في ذلك استعمال أسلحة متطورة في القصف وتدمير المنشآت النفطية والاقتصادية والخدمية التي يستفيد منها الحوثيون.

وبذلك سيكون عنوان الحرب أميركيّا في المرحلة القادمة: اضرب لهزْم الطرف الآخر وليس لتنبيهه أو تنبيه من يقف وراءه. ويُتوقّع أن يكون لتدمير الميناء تأثير بالغ على وضع الحوثيين وربما على موقفهم من مواصلة التصعيد لأن هذه المنشأة الحيوية تحوّلت على مدى السنوات الأخيرة إلى متنفّس رئيسي لهم وشريان لوجستي ومالي؛ إذ أصبحت بوابة رئيسية لاستيراد الوقود الضروري لإدارة عجلة الاقتصاد.

◙ عنوان الحرب أميركيا في المرحلة القادمة سيكون: اضرب لهزْم الطرف الآخر وليس لتنبيهه أو تنبيه من يقف وراءه

ونتجت عن تدمير الميناء خسائر بشرية فادحة الأمر الذي يزيد من غضب السكان على الجماعة وسياساتها التي تصفها الكثير من الأوساط اليمنية بالمتهوّرة لما تنطوي عليه من تضحية بالمدنيين خدمة لمصالح إيران. وقال الحوثيون إن عدد قتلى الضربات الأميركية على ميناء رأس عيسى النفطي ارتفع إلى 74 على الأقل، وهو أكبر عدد من القتلى يسقط في الهجمات الأميركية على اليمن منذ أن بدأت واشنطن حملة على الحوثيين الشهر الماضي.

وقالت القيادة المركزية الأميركية في منشور على منصة إكس في وقت سابق “الهدف من هذه الضربات هو إضعاف مصدر القوة الاقتصادية للحوثيين، الذين يواصلون استغلال مواطنيهم وإلحاق الأذى بهم.” وتبلغ الطاقة الاستيعابية لميناء رأس عيسى ثلاثة ملايين برميل، وهو أول ميناء شيد لصادرات النفط في اليمن قبل 40 عاما.

وجاء في منشور القيادة المركزية أن “قواتا أميركية تحرّكت للقضاء على هذا المرفق (الميناء) الذي يشكل مصدر وقود للإرهابيين الحوثيين المدعومين من إيران وحرمانهم من إيرادات غير مشروعة تموّل جهودهم لإرهاب المنطقة بأسرها منذ أكثر من عشر سنوات.” وأضافت أن السفن “استمرت في إمداد الوقود عبر ميناء رأس عيسى،” دون تحديد مصدر الوقود.

وفي لقطات بثتها قناة المسيرة التابعة للحوثيين فجر الجمعة وقدمتها على أنها “أولى صور العدوان الأميركي” على الميناء النفطي، أضاءت كرة من النار المنطقة التي توجد فيها سفن، بينما ارتفعت أعمدة كثيفة من الدخان فوق ما يبدو أنه حريق. وقال أحد الناجين من الضربات للقناة “كنا نعمل وفوجئنا بالصواريخ فوقنا. وكنا نهرب والصواريخ تلاحقنا، لم يتركوا مكانا إلا وضربوه.”

ويرى المراقبون أن القصف الأميركي العنيف على الحوثيين يوجه إلى إيران رسالة شديدة اللهجة مفادها أن واشنطن يمكن أن تنفذ ضربات على منشآت إيرانية دون ضوابط إذا استمرت طهران في المناورة بشأن برنامجها النووي ورفض الحوار حول دورها الإقليمي.

وقال محمد الباشا، وهو مستشار مقيم في الولايات المتحدة، لوكالة فرانس برس إنّ “العمليات العسكرية في اليمن ترسل إشارة واضحة إلى طهران.” وأضاف “الرسالة اليوم لا لبس فيها: الولايات المتحدة لا تستهدف فقط الأصول والأفراد العسكريين الحوثيين، بل أيضًا بنيتهم التحتية الاقتصادية.”

◙ القصف الأميركي العنيف على الحوثيين يوجه رسالة شديدة لإيران مفادها أن واشنطن يمكن أن تنفذ ضربات على منشآت إيرانية دون ضوابط

ويسيطر الحوثيون على مناطق واسعة من اليمن على مدى نحو عقد. وشنوا منذ نوفمبر 2023 العشرات من الهجمات بطائرات مسيرة وصواريخ على سفن عابرة للبحر الأحمر، ويقولون إنهم يستهدفون سفنا مرتبطة بإسرائيل تضامنا مع الفلسطينيين في غزة.

وتوقفت الجماعة عن شن الهجمات خلال وقف إطلاق النار الذي دام نحو شهرين في القطاع. ورغم توعد الحوثيين باستئناف الهجمات بعد أن استأنفت إسرائيل هجومها على قطاع غزة الشهر الماضي فإنهم لم يضربوا أهدافا في البحر الأحمر منذ ذلك الحين.

ومنذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة إثر هجوم الحركة على جنوب الدولة العبرية قبل أكثر من عام ونصف العام شنّ الحوثيون العشرات من الهجمات الصاروخية على أهداف في الداخل الإسرائيلي وضدّ سفن في البحر الأحمر يقولون إنها على ارتباط بتل أبيب.

وجاءت الحملة الجوية الأميركية عقب تهديد الحوثيين باستئناف هجماتهم ضد الملاحة الدولية بعدما قطعت إسرائيل كل الإمدادات عن غزة واستأنفت هجومها على القطاع في مارس، منهية بذلك هدنة استمرت شهرين.

وترتبط جماعة الحوثي في اليمن أساسا بإيران ويتهمها خصومها المحليون والإقليميون بخدمة المخططات والأهداف الإيرانية وخوض الحروب والصراعات لأجل ذلك، ويقولون إنّها تستخدم الملف الفلسطيني -بما ينطوي عليه من شحنة عاطفية كبيرة في اليمن وسائر البلدان العربية والإسلامية- كمجرّد وسيلة للدعاية وتحفيز الرأي العام على الاصطفاف إلى جانب الجماعة.

وفي هذا السياق بادر الحوثيون منذ منتصف مارس الماضي إلى استئناف هجماتهم على السفن العسكرية الأميركية وعلى إسرائيل وذلك “تضامنا مع الفلسطينيين في قطاع غزة،” وفقا لخطاب الجماعة السياسي والإعلامي.