ازدهار كبير في زراعة النخيل بالعراق وسط اهتمام حكومي بالقطاع

وكالة أنباء حضرموت

 تشهد محافظة كربلاء بالعراق انتعاشة لحقول النخيل في إطار مساع وطنية لإعادة إحياء القطاع الزراعي في البلاد. وكانت الحرب بين العراق وإيران، التي دارت رحاها من عامي 1980 و1988، قد ألحقت دمارا كبيرا بحقول النخيل، وأجبرت الكثير من المزارعين على هجر أراضيهم.

وقال محمد الخزاعي، المتحدث باسم وزارة الزراعة العراقية، “ظروف الحرب العراقية – الإيرانية وتركز الكثير من المعارك في محافظات الجنوب أديا إلى القضاء على غابات نخيلية متكاملة (بأكملها) وهلاكها، بالشكل الذي انعكس على أعداد النخيل في العراق.” وأضاف “ثم أتت بعد ذلك ظروف ما بعد سقوط النظام، حالة عدم الاستقرار الأمني، حالة انشغال الدولة بملفات ومواضيع مهمة تتعلق بالجوانب الأمنية؛ مواجهة القاعدة، مواجهة داعش، أدى إلى إهمال هذا القطاع الزراعي الكبير، وشجع أيضا ضعاف النفوس على تجريف غابات نخيلية أخرى في الكثير من المحافظات.”

وأوضح الخزاعي أن جهودا كبيرة تُبذل لزراعة أعداد كبيرة من أشجار النخيل، بما في ذلك الأصناف العراقية التقليدية والأصناف المستوردة مثل المجهول (المجدول) ودقلة نور. وقال “زراعة أعداد كبيرة جدا من النخيل ومن أصناف ممتازة، البعض منها استورد من خارج العراق، على سبيل المثال صنف المجهول الذي هو في الأساس صنف مغربي، وصنف الإخلاص السعودي، وصنف دقلة نور التونسي. فضلا عن ذلك الأصناف العراقية الفاخرة مثل القرنفلي، البرحي، المكتوم والخستاوي.”

وأشار إلى أن الكثير من الشركات والمشروعات تستثمر بكثافة في هذا القطاع، قائلا “أيضا دخول الاستثمار لمؤسسات وشركات كبيرة، كشركة المهندس في محافظة المثنى التي قامت باستزراع أكثر من مليون نخلة وطموح لزراعة أكثر من مليوني نخلة. فضلا عن ذلك المشاريع الاستثمارية للعتبات المقدسة في محافظة كربلاء وفي محافظة النجف الأشرف.”

وعلى سبيل المثال، تعمل مزرعة فدك للنخيل كبنك لحفظ أنواع مختلفة من النخيل والتوسّع في زراعتها بشكل كبير. وقال محمد علاء، المسؤول في المزرعة، “طبعا تُعتبر مزرعة فدك للنخيل بنكا وراثيا لجمع الأصناف الجيدة العراقية والعربية، تم جمع كميات كبيرة من الأصناف النادرة من المحافظات العراقية لجعلها بنكا وراثيا في مزرعة فدك.” وأضاف “المساحة الكلية للمزرعة تبلغ ألفي دونم عراقي (حوالي خمسة ملايين متر مربع)، طبعا هذه المساحة تستوعب 54 ألف نخلة، حاليا نحن وصلنا إلى أكثر من 30 * ألف نخلة.”

ويعكس النمو الملحوظ في إجمالي *دد أشجار النخيل بالعراق تركيز الحكومة على تعزيز الإنتاجية الزراعية والتنمية الاقتصادية. وقال الخزاعي “اليوم نشاهد أن الفلاح والمزارع في تسابق لزراعة أكبر كمية معينة من أشجار النخيل ومن الأصناف الممتازة حتى يستطيعا أن يستغلاها ماديا وربحيا لتعزيز نشاطهما الاقتصادي.” وأضاف “بالتالي اليوم صرنا نتحدث عن أعداد نخيلية تجاوزت حاجز الاثنين وعشرين مليون نخلة، بعد أن كان الرقم، أو تناقص إلى حدود الثمانية أو العشرة ملايين نخلة. وبالتالي هذا يعود إلى اهتمام الحكومة واهتمام وزارة الزراعة.”

كما كشف الخزاعي عن قفزة نوعية في زراعة النخيل في العراق، حيث تتم لأول مرة زراعة أنواع فاخرة من التمور باستخدام تقنية الزراعة النسيجية المتطورة. وقال إن الوزارة تستهدف زيادة أعداد النخيل إلى 30 مليون نخلة في السنوات المقبلة، بعد أن تجاوز العدد الحالي 22 مليون نخلة، وهو رقم كبير مقارنة بالفترة بين عامي 2008 و2010 التي لم تتجاوز فيها 10 ملايين نخلة نتيجة للحروب وحملات التجريف القاسية التي حصلت لغابات النخيل في بغداد وعدة محافظات.

وأشار الخزاعي إلى أن هذه الزيادة تحققت بفضل المشاريع الاستثمارية الزراعية الكبرى التي تبنتها الوزارة، والتي تعتمد على الزراعة النسيجية لإنتاج أنواع فاخرة من التمور. وأكد الخزاعي أن هذه الخطوة ستعيد للعراق مكانته المرموقة في سوق التمور العالمية، حيث تشهد الصادرات العراقية نموا مطردا، إذ تجاوزت 730 ألف طن عام 2024، بزيادة قدرها 80 ألف طن عن العام السابق، متوقعا زيادة أخرى في الصادرات خلال الموسم الحالي، نظرا لزيادة أعداد النخيل المثمرة.

واعتبر الخزاعي أن خطة الإنتاج والزراعة الخاصة بالتمور هي “خطة ثورية”، حيث تعتمد على أحدث التقنيات الزراعية، بالاستفادة من تجارب دول متقدمة مثل فرنسا وبريطانيا، بالإضافة إلى اتفاقيات مع مراكز بحثية عالمية لتزويد العراق بالآلاف من الشتلات النسيجية.

وتشير أرقام حكومية سابقة إلى أن أعداد أشجار النخيل في العراق بداية الثمانينات بلغت ما يقارب 30 مليون نخلة، كانت تنتج سنويا أكثر من 500 ألف طن من التمور. لكن حربي الخليج الأولى والثانية، ثم الحصار الاقتصادي والصراعات المسلحة التي تلت غزو العراق والتجريف الواسع، أسهمت في تراجع هذه الزراعة بشكل واضح، حتى انخفضت أعداد النخيل إلى النصف تقريبا.

ثم انتعشت هذه الزراعة مجددا بعد محاولات أهلية في السنوات الأخيرة، حيث قدّرت مديرية الإحصاء الزراعي الحكومية إنتاج التمور لعام 2020 بأكثر من 735 ألف طن، بارتفاع نسبته 15 في المئة عن العام الذي سبقه. وفي البصرة، أحد أقدم مواطن النخيل في العالم، عمل مستثمرون على إنشاء مزارع خاصة بإنتاج التمور، خصوصا في مناطق جنوب المحافظة مثل سفوان والفاو وغيرهما، بعدما تحوّلت معظم المساحات المزروعة القديمة إلى قطع أراض سكنية.

ويقضي قانون صدر عام 1979 بأن من يزرع 50 نخلة أو شجرة في الدونم الواحد فإن الأرض تصبح ملكا له إذا أثمرت هذه الزروع، لكنه معطّل اليوم رغم الحاجة إلى تطبيقه. ويرى نوار السعدي، أستاذ الاقتصاد الدولي، أن إنتاج التمور في العراق هو الثروة الزراعية التي كانت يوما من أهم مقومات الاقتصاد العراقي ومن العلامات المميزة للهوية الوطنية.

ويقول نوار السعدي “يعد نخيل العراق رمزا تاريخيا واقتصاديا، حيث كان العراق في الماضي من أكبر المنتجين للتمور في العالم، فكان يساهم بأكثر من 75 في المئة من الإنتاج العالمي، ويضم الملايين من أشجار النخيل الممتدة على طول البلاد لكن للأسف الشديد، تعرض هذا القطاع لانخفاض حاد خلال العقود الماضية، بسبب الحروب، والتصحر، ونقص الاستثمارات، والإهمال الزراعي.”

ونوه بأن “في ظل عودة هذه الثروة الزراعية إلى واجهة الاقتصاد العراقي، هناك عدة أمور مهمة، أولا؛ تساهم في خلق فرص عمل لمئات الآلاف من العراقيين، سواء من خلال زراعة النخيل أو في صناعات التحويل والتغليف والتسويق والتصدير. ثانيا؛ يمثل محصول التمر مصدر دخل قومي مهم يساهم في تنويع مصادر الاقتصاد العراقي وتقليل الاعتماد على النفط.

ثالثا؛ يمتلك التمر قيمة غذائية عالية تجعله مطلوبا في الأسواق العالمية، خاصة في الدول التي تستهلك التمور بشكل واسع، مما يزيد من فرص التصدير والنفوذ الاقتصادي.” وأضاف أن “العودة إلى الاهتمام بنخيل العراق تأتي مع تزايد برامج زراعة أشجار جديدة وإعادة تأهيل بساتين النخيل القديمة، والاستثمار في التكنولوجيا الحديثة التي تعزز من جودة وكفاءة الإنتاج. كما تشمل الجهود تدريب الفلاحين والمزارعين على أفضل الممارسات الزراعية والتقنيات المستدامة، وتوفير الدعم المالي والبنية التحتية اللازمة.”