تثمين العمل المنزلي ينصف المرأة المغربية بإشراكها في الثروة المكتسبة بعد الزواج
يعد تثمين العمل المنزلي للمرأة مسألة عدالة اجتماعية وإظهار إنصاف للنساء اللواتي يتولينه، وفق دراسة لمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد. ودعا المركز إلى قياس هذا العمل “غير المرئي” وتقييمه واحتسابه ضمن الناتج الداخلي الخام للبلد، موردا أن “المرأة مسؤولة عن معظم الأنشطة، بأجر ضئيل أو معدوم واعتراف اجتماعي ضئيل ولا بد من ضرورة إمكانيات إشراكها في الثروة المكتسبة داخل الأسرة”.
وأوضحت الدراسة التي نشرها المركز بعنوان “العمل غير المرئي للمرأة” أن التوزيع الجنساني للأنشطة الاقتصادية والاجتماعية يكشف عن عدم تناسق أساسي، موردة أن المرأة مسؤولة عن معظم الأنشطة، بأجر ضئيل أو معدوم واعتراف اجتماعي ضئيل، مسجلة أن مسألة الاعتراف بالعمل المنزلي وغير المدفوع الأجر هي، قبل كل شيء، مسألة عدالة اجتماعية، مشيرة إلى أنها تسمح بالاعتراف بهذه المساهمة، الاجتماعية والاقتصادية على حد سواء، للذين يقدمونها، ولها آثار كبيرة ليس فقط على المرأة أو الأسرة، بل أيضا على المجتمع بشكل عام.
وأكدت الدراسة أن الاعتراف بقيمة العمل المنزلي للمرأة من شأنه أن يعزز قيمة الأشخاص الذين يقومون به، مشيرة إلى أن “البيانات المستخرجة من الدراسات الاستقصائية الاجتماعية العامة ستمكن من تنفيذ السياسات الخاصة بهؤلاء الأشخاص، ومن ثم تيسير مهمتهم، ومن شأن هذه التدابير الاجتماعية والاقتصادية والضريبية أن تسهم في تحسين وضع المرأة، المسؤولة أساسا عن العمل غير المرئي (العمل المنزلي)، واستقلالها الاجتماعي والمالي، مبرزة أن تقييم العمل غير المرئي وإدراجه في الناتج المحلي الإجمالي من شأنه أن يجعل مساهمة المرأة في المجتمع مرئية”.
وهو ما ذهبت إليه دراسة حديثة للمندوبية السامية للتخطيط، حول مشاركة النساء في سوق الشغل المغربي، بالتأكيد أن النساء ربات البيوت يمثلن 74 في المئة من النساء غير النشيطات بالمغرب و54 في المئة منهن يصرحن بأن رعاية الأطفال والأعباء المنزلية تبقى الأسباب الرئيسة وراء عدم ولوجهن سوق الشغل.
كما لفت رئيس قسم تأثير السياسات الاجتماعية، بمديرية الدراسات الاقتصادية والتوقعات المالية، حسين إهناش، خلال مشاركته في فعاليات حوار إقليمي رفيع المستوى حول اقتصاد الرعاية، قبل أيام بالعاصمة الأردنية، إلى أن رعاية الأطفال الصغار شكلت أحد العوامل الكامنة وراء انخفاض عمالة النساء في المغرب، وحصول المرأة على الشغل، مشيرا في هذا الصدد إلى أن معدل نشاط النساء انخفض من 30.4 في المئة سنة 1999 إلى 19 في المئة سنة 2023، أي بتراجع بـلغ 11.4 نقطة خلال 25 سنة.
◙ المرأة مسؤولة عن معظم الأنشطة، بأجر ضئيل، ومسألة الاعتراف بالعمل المنزلي هي قبل كل شيء مسألة عدالة اجتماعية
ومن أجل حل إشكالية التنازع بين الزوجين في تدبير الأموال المكتسبة بينهما، عمل المشرع المغربي على تقنين عرف الكد والسعاية من خلال المادة 49 من مدونة الأسرة، التي حصرت حق الكد والسعاية في الزوجة فقط، كما وسع المشرع المغربي من النطاق الجغرافي أو المكاني لحق الكد والسعاية ليشمل المناطق الحضرية والقروية.
وقال ياسين بنقدرو، باحث في الشؤون القانونية، لـ”العرب”، إن المادة 49 من مدونة الأسرة تعتبر بمثابة النص التشريعي الذي ينظم حق الكد والسعاية وسندنا، في ذلك أن الغاية من إقرار المادة 49 من مدونة الأسرة كانت معالجة إشكالية التنازع بين الزوجين بخصوص الأموال المكتسبة بينهما، وإعطاء كل منهما الحق في المطالبة بنصيبه مما ساهم به في تنمية تلك الممتلكات حتى ولو انعدم اتفاق كتابي بشأن ذلك، وهو الأمر الذي يسمح بتطبيق مقتضيات المادة 49 من مدونة الأسرة على نظام الكد والسعاية.
وأُحيلت دراسة مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، على مكتب العمل الدولي الذي أكد أنه إذا كان هذا العمل غير المرئي غير المدفوع الأجر الذي تقوم به النساء، تم دمجه في إحصاءات العمل، عندئذ سيكون معدل مشاركة المرأة مساويا لمعدل مشاركة الرجل، أو حتى أعلى منه، وفي المقابل، لفتت الدراسة ذاتها إلى أن حساب العمل غير المرئي (العمل المنزلي) غير المدفوع الأجر هو إظهار الإنصاف للنساء اللواتي يتولين هذا العمل في الغالب والتعرف على أهمية ما يأتينه من مهام للأسرة والمجتمع وجعل العمل غير مدفوع الأجر مرئيا من خلال إدماجه في الناتج المحلي الإجمالي.
وطالبت بعض الجمعيات النسائية والحقوقية بالمغرب، بإعادة النظر في الأساس الذي بنيت عليه المادة 49، وهو مبدأ استقلال الذمة المالية للزوجين، ودعت إلى تثمين العمل المنزلي، لتصبح الزوجة شريكة في مال الزوج، حتى لو كانت غير موظفة وليس لها دخل مادي، وقد ألح اتحاد العمل النسائي، على اعتماد إلزامية عقد تدبير ممتلكات الأسرة واشتراطه ضمن الوثائق اللازمة لملف الزواج، والنص صراحة على اعتبار دور العمل المنزلي وتربية الأطفال في تقييم مساهمة النساء.
وبشأن تدبير الأموال المكتسبة ذكرت مذكرة “التوحيد والإصلاح” ذات التوجه المحافظ، أن التوجهات الجديدة المعلن عنها أطرت بشكل جديد تدبير الأموال المكتسبة أثناء العلاقة الزوجية، مع تثْمين عمل الزوجة داخل المنزل، واعتباره مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال قيام العلاقة الزوجية، ومع ذكرها أنها تؤكد على حقوق طرفي الزواج في ما اكتسباه من أموال مكتسبة خلال فترة الزواج، وهو ما أطرته المادة 49 من مدونة الأسرة الحالية بوضوح كاف، وتؤكده نصوص الشرع من كتاب وسنة، ومن هذا المنطلق عبرت حركة التوحيد والإصلاح، عن رفضها لهذا المقتضى منبهة إلى خطورة هذه التوجهات المطلقة ومآلاتها غير الواضحة على بناء الأسرة واستقرارها، مسجلة أن “اعتماد تثمين العمل المنزلي من شأنه أن يجعل من الأسرة بمثابة ‘شركة تعاقدية’، تسودها قيم المكايدة والمشاحنة بدل قيم الفضل والعدل والرحمة والمكرمة”.
ومن وجهة نظر خبراء مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، فإنه من شأن تثمين العمل المنزلي أن “يحد من فقر المرأة من خلال ضمان الأمن المالي لأولئك الذين يؤدون أعمالا غير مرئية بدوام كامل، وإضافة إلى ذلك، دعوا إلى قياس وتقييم واحتساب عوائد العمل المنزلي في الناتج الداخلي الخام، كما التزم المغرب بالقيام به في إطار المؤتمرات الدولية المعنية بالمرأة”، مسجلين أن “الهدف من هذا الإجراء هو قياس العمل غير مدفوع الأجر باستخدام البيانات التي تم الحصول عليها من الدراسات الاستقصائية الاجتماعية العامة بشأن استخدام الوقت”.
ويمكن للإحصائيات الاستقصائية، لاسيما إذا أجريت على فترات منتظمة، أن تمكن من وضع أساس إحصائي يمكن من رصد التغيرات في السلوك النوعي وهيكل استخدام الوقت وهو أيضا وسيلة لإعطاء صورة أكثر اكتمالا للإنتاج المحلي وإدراج العمل غير المأجور في الناتج المحلي الإجمالي، حسب دراسة مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد.