الهجوم الإسرائيلي الكاسح على غزة عنوان لإستراتيجية ترامب في ممارسة الضغوط القصوى على إيران وحلفائها
جاء الهجوم الإسرائيلي الشديد والمفاجئ على قطاع غزة مباشرة بعد ضربات أميركية شديدة استهدفت مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن، ما يظهر أن الهجومين ينطلقان من الأرضية نفسها ويتضمنان الرسائل ذاتها، وهو ما ربطه مراقبون بإستراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترامب القائمة على ممارسة ضغوط قصوى على إيران وحلفائها في المنطقة.
ولَئن طالت الضربات النوعية إلى حد الآن حركة حماس في قطاع غزة وجماعة الحوثي في اليمن، فإن التوقعات تتجه إلى إيران والميليشيات العراقية الموالية لها، والتي شاركت في "إسناد غزة" عبر إطلاق مجموعة من الصواريخ المتفرقة، كما استهدفت قواعد أميركية في العراق وسوريا.
وأكدت إسرائيل الثلاثاء أن الضربات التي شنّتها فجر الثلاثاء في قطاع غزة تمّت بـ"تنسيق كامل" مع حليفتها الولايات المتحدة. وسبق أن هدد ترامب حركة حماس في أكثر من مرة بفتح "أبواب الجحيم" عليها في حال لم تطلق الرهائن الذين تحتجزهم دفعة واحدة.
الهجوم الشامل على غزة بمثابة إعلان عن وقف مسار التفاوض مع حماس وتجاوزا للوسطاء المصريين والقطريين
وفي تصريحات أخرى قبل أيام قال ترامب مخاطبا حماس "نرسل إلى إسرائيل كل ما تحتاجه لإنهاء المهمة (معدات وآليات وذخائر) ولن يكون هناك أي عضو في حماس آمنا إذا لم تنفذ (الحركة) ما أقول."
ويجد الإسرائيليون في دعم إدارة ترامب دافعا قويا إلى استئنافهم الحرب، ليس فقط من خلال الحصول على الدعم العسكري، وإنما أيضا من خلال المساعدة على توحيد الجبهة الإسرائيلية الداخلية التي تشقها الخلافات بشأن الموقف من اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس.
وأكد المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية ديفيد مينسر أن "العودة إلى القتال الكثيف في غزة كانت بتنسيق كامل مع واشنطن. إسرائيل شكرت الرئيس (ترامب) وإدارته على دعمهما الثابت لإسرائيل."
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي في بيان "كان في إمكان حماس إطلاق الرهائن لتمديد وقف إطلاق النار، لكنها عوضا عن ذلك اختارت الرفض والحرب."
ويعتبر الهجوم الشامل على غزة بمثابة إعلان عن وقف مسار التفاوض مع حماس وتجاوزا للوسطاء المصريين والقطريين وإلغاء كل الخطوات التي يجري الإعداد لها لاستئناف المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق.
ويُتوقع أن يكون الهدف من الحوار الإسرائيلي، المدعوم أميركيا، مع حماس عبر القصف وضرب المزيد من الأهداف المدنية هو إثارة غضب الفلسطينيين على الحركة، التي بالغت في وضع الشروط والعراقيل أمام عملية إطلاق سراح الرهائن دون التحسب لردّ الفعل الإسرائيلي معتقدة أن الحرب يصعب استئنافها، وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في موقف ضعيف خاصة في ظل ضغوط أهالي الرهائن والمزاج الإسرائيلي الداعم لإنهاء معاناتهم.
ولم تكن حماس تنظر إلى الجانب الآخر من المعادلة، وهو قرار إسرائيل استئناف الحرب وتنفيذ ترامب تهديداته، ما جعلها تضع بيضها في سلة التفاوض.
ومع استئناف الحرب لا تجد حماس أي أوراق للرد، وهي إلى حد الآن لم تطلق صواريخ. كما أن فرص الاشتباك المباشر لا تبدو واردة حاليا، حيث يكتفي الإسرائيليون بالقصف الجوي دون قوات على الأرض ولا تتبّع للمقاتلين عبر الأنفاق أو بين الأنقاض ما قد يتيح لحماس أن ترد الاعتبار بنشر فيديوهات عن اشتباكات.
وبوجود ترامب لا يقدر داعمو حماس، من الوسطاء وغيرهم، على إقناع البيت الأبيض بالضغط على إسرائيل تحت عنوان تسهيل مهمة الوسطاء وإضفاء مناخ من الثقة على المفاوضات. كما أن الشارع العربي استنفد شعاراته وتحركاته في الأيام الأولى من حرب أكتوبر 2023، ولا يبدو مهتما بحماس أو بغزة ولا بممارسة ضغط على الأنظمة لتعلن عن معارضتها لهجوم إسرائيل، كما كان يحصل خلال حكم إدارة جو بايدن.
الإسرائيليون يجدون في دعم إدارة ترامب دافعا قويا إلى استئنافهم الحرب، ليس فقط من خلال الحصول على الدعم العسكري، وإنما أيضا من خلال المساعدة على توحيد الجبهة الداخلية
ولا شك أن عجز حماس عن الرد في مواجهة هجوم قاس وواسع، واستمرار إسرائيل في التهديد بضربات إضافية وتفاخرها بدعم إدارة ترامب، كل هذا يوجه رسالة قوية إلى إيران وبقية حلفائها، وأساسا في العراق، الذين باتوا في الواجهة بعد هزيمة حزب الله والضربات التي تستهدف حماس والحوثيين.
ويقول مراقبون إن الوضع مختلف كليا هذه المرة بالنسبة إلى إيران، فوجود ترامب يجعل كل شيء ممكنا، كما أن إسرائيل ستتحرر من ضغوط بايدن وحرصه على أن تكون الضربات محدودة، وألا تطال قطاعات حساسة مثل المنشآت النووية أو منشآت النفط.
ويبدو الآن كل شيء متاحا أمام إسرائيل، وهو ما يضع الإيرانيين تحت ضغط جدي، خاصة أن قدراتهم محدودة في الدفاع بعد أن نجح هجوم إسرائيلي محدود في إصابة أهدافه ودون أن تقدر الدفاعات الإيرانية على اكتشافه وصده.
وصعّد ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير سياسة "أقصى الضغوط" على إيران بفرض العقوبات عليها. وخلال ولايته الرئاسية السابقة سحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم في عام 2015 بين إيران وست قوى كبرى، والذي كان يقيد أنشطتها النووية الحساسة مقابل تخفيف العقوبات.
وفي العراق تشعر الميليشيات الحليفة لإيران هذه المرة بالخطر بصفة جدية، وهو ما يفسر حالة الارتباك التي تسودها مثل ما تعبر عنه التصريحات. وإذا كان الحوثيون يحتمون بالتضاريس، فإن ميليشيات إيران في العراق مكشوفة للأميركيين والإسرائيليين، ومن شأن أي قصف شامل أن يطال كوادرها وقادتها.