طول نفس الحزب الديمقراطي الكردستاني يفتح باب التوافقات مع الاتحاد الوطني
دفعت سياسة المثابرة وطول النفس التي اعتمدها الحزب الديمقراطي الكردستاني وقادت إلى التفكيك التدريجي للأزمات والمصاعب التي واجهها إقليم كردستان العراق على مدى السنتين الماضيتين وخصوصا ما تعلّق منها بالجوانب الاقتصادية والمالية وما استتبعها من انعكاسات على الأوضاع الاجتماعية للسكان، وأفضت إلى حلحلة بعض الخلافات مع السلطة الاتحادية العراقية، الاتحادَ الوطني الكردستاني الحزبَ الثاني في الإقليم والمنافس الأكبر للحزب الديمقراطي إلى الواقعية والتخفيف من حدّة خطابه السياسي مفسحا المجال لحلحلة الخلافات والقضايا من شريكه الكبير بالحوار والتفاهم.
وبدأت شعارات من قبيل “تغيير مسار الحكم” تغيب تدريجيا عن خطاب الاتحاد الوطني الذي أصبح يتميّز باللين والمرونة، لاسيما إزاء عملية تشكيل حكومة جديدة لكردستان العراق كان تعذّر تشكيلها منذ إجراء الانتخابات البرلمانية للإقليم في شهر أكتوبر الماضي وذلك بسبب تشدّد الاتحاد في المطالبة بمناصب قيادية في السلطة بما يتجاوز وزنه الانتخابي وحجم تمثيله في البرلمان، رافعا الشعار المذكور كغطاء لمطالباته.
ووسّعت قيادات في الاتحاد الوطني مؤخّرا من مساحة التفاؤل بفك الاختناقات السياسية وحلحلة القضايا المستعصية، ولم تستثن من ذلك إمكانية حسم ملف توحيد قوات البيشمركة الصعب والمعقّد والمتلكئ منذ سنوات طويلة بسبب صعوبة توافق الحزبين بشأنه.
ولم ييأس الحزب الديمقراطي القائد الرئيسي لسلطات إقليم كردستان العراق على مدى الأشهر الماضية وفي خضمّ الخلافات السياسية مع الاتحاد الوطني وأطراف متنفذة في السلطة الاتحادية العراقية، وكذلك في ذروة المصاعب المالية التي واجهها الإقليم، من التواصل والتحاور والتفاوض مع مختلف الأطراف مستخدما حنكة قياداته وعلى رأسها زعيمه التاريخي مسعود بارزاني.
سعدي بيره: بعد مايو القادم لن تكون هناك بيشمركة سبعون وأخرى ثمانون
وحقّق الحزب مؤخّرا خطوة كبيرة باتجاه حلحلة الأزمة المالية بتوصّله إلى اتفاق مع حكومة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني بشأن استئناف تصدير نفط إقليم كردستان المتوقّف منذ نحو سنتين بسبب خلافات بين بغداد وأربيل حول الأحقية بامتياز تصديره وعوائده، وأيضا خلافات بين العراق وتركيا التي تمثّل منفذ تصدير ذلك النفط عبر خط أنابيب كركوك – جيهان.
وأرفق الحزب تحركاته الكثيفة داخل العراق وسلسلة اتصالاته الماراثونية مع حكومة السوداني والقوى السياسية الداعمة لها والمشاركة في تشكيلها، بنشاط دبلوماسي خارجي كثيف أتاح لقيادات الحزب إجراء اتصالات ومشاورات مع قادة وكبار مسؤولين في دول مؤثرة داخل المنطقة وخارجها عكست اتساع شبكة علاقات تلك القيادات وقدرتها على نسج علاقات دولية وإقليمية مفيدة لإقليم كردستان وللعراق على وجه العموم.
وعلى الطرف المقابل بدا الاتحاد الوطني أسير الشقّ السلبي من المعادلة بعد أن جعلته علاقاته القوية مع قوى شيعية وفصائل مسلّحة محسوبا ضمن معسكر حلفاء إيران في المنطقة والذي تلقى ضربات قاصمة في لبنان بهزيمة حزب الله اللبناني في مواجهته ضد إسرائيل وفي سوريا بسقوط نظام آل الأسد.
كذلك تحوّلت علاقة الاتحاد بحزب العمال الكردستاني إلى عبء عليه بسبب إصرار تركيا على حسم الصراع المسلح ضدّ الحزب داخل الأراضي العراقية، في وقت تحوّل فيه الملف ذاته إلى ورقة قوة في يد قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بعد أن أصبح رئيس الحزب مسعود بارزاني قائدا لجهود إنهاء الصراع الطويل بين أنقرة والمسلحين الأكراد.
ولم تكن هذه المعطيات المستجدّة داخل إقليم كردستان العراق ومن حوله من دون تأثير على موقف الاتحاد الوطني وتعديلها باتجاه الواقعية والتهدئة مع الشريك الكبير الحزب الديمقراطي.
وفي أبرز إشارة إلى رغبة قيادة الاتحاد الوطني في التقارب مع قيادات الديمقراطي الكردستاني أعلن رئيس الاتحاد بافل طالباني عن مساعي حزبه لـ”تشكل جبهة كردستانية موحدة للمشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة في العراق“.
وقال خلال مشاركته في مؤتمر بغداد للحوار “إن الانتخابات الأخيرة في إقليم كردستان جرت ويجب علينا تشكيل حكومة فاعلة وقوية، ولدينا حوارات مستمرة لتشكيل الحكومة“.
ولم يأت طالباني على ذكر شعار تغيير مسار الحكم الذي ظل على مدى الأشهر الماضية لصيقا بخطاب حزبه بشأن تشكيل الحكومة، واكتفى بالقول “نريد مشاركة حقيقية وفاعلة في الحكومة المقبلة، ويجب أن نعمل على تطوير الأوضاع المعيشية لشعبنا وتقوية علاقاتنا مع بغداد والمجتمع الدولي وهذا هدفنا الرئيسي. وبالعمل المشترك نستطيع معالجة أغلب المشاكل التي كنا نواجهها في الماضي“.
وفي المقابل ركّز رئيس الاتحاد على وحدة الصف في الإقليم قائلا إنّ “موقع الأكراد سيكون أفضل بالوحدة والتعاون المشترك حتى في بغداد،” ومضيفا قوله “نحن نؤكد أهمية وحدة الصف الكردي تجاه جميع الملفات ونؤكد ضرورة إجراء الانتخابات المقبلة في العراق، ونريد تشكيل كتلة كردستانية موحدة للمشاركة في تلك الانتخابات والعمل بشكل موحد لضمان حقوق الأكراد.”
ويبدو أن ترويج خطاب إيجابي تصالحي وواقعي أصبح بمثابة خط سياسي جديد يتعين على قيادات ومسؤولي الاتحاد الوطني الالتزام به وهو ما تعكسه تصريحات تلك القيادات وهؤلاء المسؤولين بشأن قضية تشكيل حكومة جديدة لإقليم كردستان.
وقال القيادي في الاتحاد غياث السورجي إن اجتماع الحزبين السبت الماضي قد حقق تقدما كبيرا في ما يخص تشكيل الحكومة.
غياث السورجي: اجتماع الحزبين السبت الماضي قد حقق تقدما كبيرا في ما يخص تشكيل الحكومة
وحصر في تصريحات لوسائل إعلام محلية ما تبقى من خطوات على طريق تشكيل تلك الحكومة بـ”تفاصيل يمكن التوافق عليها بسهولة حيث يتعلق الأمر ببعض النقاط الإدارية.” وقدّر نسبة ما تمّ إنجازه من عملية التشكيل بتسعين في المئة مرجّحا “الإعلان عن الحكومة الجديدة وعرضها للتصويت في برلمان الإقليم في وقت قريب جدا“.
وهوّن سورجي من شأن النقاط التي لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأنها قائلا إنّها “لا تتعلق بتوزيع المناصب بل تقتصر على بعض القضايا الإدارية والسياسية مثل توسيع صلاحيات المحافظين والتوصل إلى تفاهم حول توزيع واردات الإقليم من النفط والموارد غير النفطية بشكل عادل بين محافظاته، فضلا عن الاتفاق على إستراتيجية موحدة لسياسة الإقليم تجاه السلطة الاتّحادية والدول المجاورة.”
ووصف القيادي في الاتحاد تصريح رئيس الحزب بافل طالباني في مؤتمر حوار بغداد الدولي بأن الأحزاب الكردية ستخوض الانتخابات الاتحادية بكتلة موحدة بأنّه “إشارة قوية إلى أن الاتفاق على تشكيل حكومة الإقليم قد تم حسمه.”
من جهته برّر سعدي بيره عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني تفاؤله بقرب تشكيل حكومة للإقليم بأن “اللجنة الخاصة بتعريف الشراكة وتوصيف المسؤوليات وتوضيح سلطات الوزارات التابعة للجنة العليا للمفاوضات اقتربت من إنجاز عملها،” معتبرا ذلك “بادرة خير بعد أن كانت هناك خلافات بين الاتحاد والديمقراطي حول صلاحيات الوزارات وبعض التوصيفات.”
وقال في تصريحات لموقع رووداو الإخباري “اليوم نستطيع القول إن هناك توافقا على غالبية النقاط وبعض الأمور ليست من صلاحية اللجنة المصغرة بل من صلاحيات كل من هوشيار زيباري عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني وقوباد طالباني عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني، وإذا لم يتم الاتفاق على بعض النقاط الخلافية ترحّل إلى القيادة العليا للحزبين“.
لكن بيره دفع بتفاؤله بشأن توافق الحزبين بعيدا، وذلك بحديثه عن قرب التوصل إلى اتفاق توحيد قوات البيشمركة الموزعة إلى حد الآن بين الحزبين قائلا “سنوحد قوات البيشمركة في مايو القادم ولن تكون هناك بيشمركة 80 (تابعة للديمقراطي) أو 70 (تابعة للاتحاد الوطني) بل ستكون هناك بيشمركة 150.”