هل من المسموح أن يصبح الدولار سلاحا بيد ترامب
دفع استخدام الدولار كـسلاح سياسي من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب في نزاعاته التجارية العالمية، العديد من الدول إلى تقليص حيازاتها من موجودات الدولار وكذلك من حصة الدولار كاحتياطي عالمي في أرصدتها الأجنبية التي تحتفظ بها في بنوكها المركزية.
ويرى بروفسور الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا باري ايشنغرين أن الدولار ربما سيفقد حصة كبيرة من نصيبه في تسوية التجارة العالمية وكعملة احتياط، إذا تواصلت سياسة ترامب التجارية التي تستخدم الدولار في حظر الدول.
وبرز الدولار الأميركي باعتباره العملة الأكثر أهمية في العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية لأنه الأكثر استخدامًا في التجارة العالمية وكان حاضرا في حوالي 88 في المئة من المعاملات خلال 2024.
دور الدولار في التمويل العالمي يشير إلى أن أي تآكل حقيقي لهيمنته من المرجح أن يستغرق عقودًا من الزمن
وأكدت تقارير صندوق النقد الدولي أن الدولار كان العملة الدولية الأساسية. وبحلول الثلاثي الثاني من عام 2024، احتفظت البنوك المركزية للدول بحوالي 58 في المئة من احتياطياتها المخصصة بالدولار، مع استثمار العديد من الاحتياطيات في السندات الأميركية.
ومع اقتراب نهاية الحرب العالمية الثانية اجتمعت 44 دولة متحالفة في بريتون وودز بالولايات المتحدة في يوليو 1944. وسعى المندوبون لتحديد عملة دولية جديدة تهدف إلى معالجة الخسائر الناجمة عن الحرب وتعلم الدروس لمواجهة تحديات المستقبل وإنشاء إطار مالي مستقر للتجارة العالمية.
واتفقت الدول على تسوية أرصدتها الدولية بالدولار. وربط الدولار بالذهب عند 35 دولارًا للأونصة. فلماذا الدولار؟ كانت الولايات المتحدة الدولة الكبرى الوحيدة التي لم تتضرر إلى حد كبير من الحرب، في حين تضررت الاقتصادات الأوروبية بشدة.
وعلاوة على ذلك احتفظت الولايات المتحدة بمعظم إمدادات الذهب في العالم، وكان الدولار المدعوم بالذهب هو الخيار الأكثر استقرارًا في ذلك الوقت. ونتيجة لذلك وافقت الدول على دعم الدولار الأميركي وأعلنته العملة الاحتياطية العالمية الرسمية.
واستمر نظام بريتون وودز حتى أغسطس 1971، عندما قرر الرئيس ريتشارد نيكسون تعليق قابلية تحويل الدولار إلى ذهب. وكان هذا القرار مدفوعا بعاملين رئيسيين: الإنفاق المفرط للدولار لتمويل حرب فيتنام (الأمر الذي أثار الشكوك حول استقراره)، وعدم وجود احتياطيات كافية من الذهب للمحافظة على قيمة هذه العملة. وعلى الرغم من التحديات العالمية المختلفة هيمن الدولار الأميركي على التجارة الدولية لعقود عديدة، واستفادت الولايات المتحدة نفسها أكثر من أي دولة أخرى.
ويتم تداول السلع الأساسية الرئيسية في العالم، مثل النفط والغاز والصلب، بالدولار الأميركي. وهناك أيضًا عوامل محلية تساهم في هيمنة الدولار، بما في ذلك قيمته المستقرة، وحجم الاقتصاد الأميركي العملاق الذي يتجاوز 27 تريليون دولار، والقوة العسكرية الهائلة، والنفوذ الجيوسياسي للولايات المتحدة.
ومنذ عصر الحرب الباردة كانت الولايات المتحدة تستخدم الدولار ونظام المدفوعات بالدولار كسلاح لفرض عقوبات اقتصادية على الدول غير الصديقة أو على تلك الدول التي لا تتوافق أفعالها مع المصالح الأميركية، بهدف السيطرة على سلوكياتها وأفعالها. وتستخدم الولايات المتحدة العقوبات منذ الخمسينات، حيث فرضتها في البداية على الاتحاد السوفييتي وكوريا الشمالية.
واستمرت إستراتيجية العقوبات وامتدت إلى إيران وكوبا وفنزويلا وأفغانستان وباكستان. وعلى الرغم من أن العقوبات كانت فعالة جزئيًا في حالة كوبا وكوريا الشمالية، إلا أنها في معظم الحالات، مثل إيران وروسيا، تظل غير فعالة إلى حد كبير. حتى أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على أعضاء المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم الحرب المحتملة التي ارتكبتها الولايات المتحدة في أفغانستان. وأدى الاستخدام المفرط للعقوبات من قبل الولايات المتحدة إلى تقليل فاعليتها بمرور الوقت.
وفي أعقاب الصراع بأوكرانيا في فبراير 2022 منعت الولايات المتحدة روسيا من الوصول إلى 300 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي السائلة في الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي. وعلى الرغم من أن بعض حلفاء الولايات المتحدة أيدوا هذه الخطوة، إلا أنها أثارت مخاوف لدى دول أخرى. وأدركت الدول الأوروبية أن الولايات المتحدة قد تستخدم الدولار كسلاح حتى ضد حلفائها إذا وجدت أن سياسات دولة ما لا تصب في صالح الولايات المتحدة.
وبعد ملاحظة مثل هذه القرارات أحادية الجانب من قبل الولايات المتحدة، أدركت الدول الأوروبية أهمية إنشاء نظام قائم على الاتحاد الأوروبي ويجب أن يكون مستقلاً عن نظام سويفت ونظام الدفع الأميركي ولا يتضمن الدفع بالدولار. وفي عام 2023 حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لفت الانتباه إلى حقيقة مفادها أن أوروبا بحاجة إلى تقليل اعتمادها على الدولار لحماية نفسها من “التابعين لأميركا”.
ويقول علي حمزة، خريج حديث في بكالوريوس العلاقات الدولية من جامعة السند بجامشورو، في تقرير نشره موقع “مودرن بوليسي”، إن الاستخدام الواسع للدولار في فرض العقوبات دفع الدول الأخرى إلى البحث عن عملات بديلة للتجارة الثنائية.
وعلى سبيل المثال، وفقًا لتقرير “غلوبال تايمز”، أجرت الصين وروسيا تجارة ثنائية تزيد عن 240 مليار دولار، 90 في المئة من هذه التجارة باليوان الصيني. ورغم العقوبات الصارمة المفروضة على روسيا، فإن دولاً مثل الهند والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وتركيا تواصل التعامل التجاري مع روسيا باستخدام عملات أخرى غير الدولار.
وأسست مجموعة بريكس، وهي كتلة اقتصادية سريعة النمو بقيادة الصين وروسيا، في عام 2009 بهدف مواجهة هيمنة الغرب على المؤسسات الدولية.
ومنذ عام 2022 تولت روسيا زمام المبادرة في الترويج لفكرة العملة الدولية لبريكس ودعمها. كما تمت مناقشة خطة عملة بريكس في قمة بريكس خلال أغسطس 2023 تحت الاسم المقترح “أر5”. وإلى حد الآن تضم مجموعة بريكس أربعة عشر عضوًا يمثلون ربع الاقتصاد العالمي ونصف سكان العالم تقريبًا.
ويشير منظور “جي بي مورغان” بشأن إزالة الدولرة إلى أن التنويع بعيدًا عن الدولار يمثل اتجاه متناميا. لكن محلليه يشددون على أن العوامل التي تدعم هيمنة الدولار تظل راسخة وبنيوية بطبيعتها.
مجموعة بريكس كتلة اقتصادية سريعة النمو بقيادة الصين وروسيا، أسست بهدف مواجهة هيمنة الغرب على المؤسسات الدولية
ويشير دور الدولار في التمويل العالمي، ونظامه الاقتصادي والمالي للسيولة بالدولار، والشفافية المؤسساتية، إلى أن أي تآكل حقيقي لهيمنة الدولار من المرجح أن يستغرق عقودًا من الزمن.
ويقول الزميل البارز في مركز هاتشينز للسياسة المالية والنقدية التابع لمعهد بروكينغز، جيان ماريا ميليسي فيريتي، إن أعضاء بريكس يمكن أن يحرزوا تقدما في خفض حصة الدولار في تجارتهم الثنائية، لكن سيصعب عليهم الابتعاد عنه بصفته عملة احتياطية لسهولة شرائه وبيعه. وتواجه باكستان في هذا السياق تحديات وفرصًا لإلغاء الدولرة. وهنا ينشأ سؤال أساسي: هل إلغاء الدولرة إستراتيجية قابلة للتطبيق بالنسبة إلى باكستان؟
إن جزءًا كبيرًا من احتياطيات النقد الأجنبي الباكستانية بالدولار الأميركي، والذي يستخدم لإدارة ميزان المدفوعات. وبالإضافة إلى ذلك، فإن 86 في المئة من تجارة باكستان مقومة بالدولار الأميركي، وتشكل التجارة المقومة باليورو أقل من 10 في المئة.
وتسبب اعتماد باكستان الشديد على الدولار الأميركي في بروز تحديات اقتصادية خطيرة حيث فقدت البلاد ما يقرب من 150 في المئة من قيمة عملتها منذ عام 2018، ما دفع البلاد إلى ما يقرب من التضخم المفرط وتقلصت قدرتها على الاستيراد مرة أخرى في أزمة 2022 – 2023.
وبالنسبة إلى باكستان، قد تكون الإستراتيجية الممكنة هي الحد من الاعتماد المفرط على الدولار الأميركي وتنويع خيارات العملة في آليات التجارة. وعلى سبيل المثال قد يؤدي استخدام اليوان الصيني والروبل الروسي إلى الحد من اعتماد باكستان المفرط على الدولار الأميركي.
وفي يونيو 2023 اشترت باكستان النفط الروسي باليوان، وهو ما يمثل تغيرا كبيرا عن ممارستها التقليدية المتمثلة في شراء النفط بالدولار الأميركي. وعلى الرغم من أن باكستان لديها الإمكانات والقدرة على الاستفادة من الديناميكيات العالمية المتطورة، بسبب تحالفها الإستراتيجي مع الصين، إلا أنه لا ينبغي لها تنفير شريكها الاقتصادي الرئيسي، الولايات المتحدة.