تصاعد الضغوط الاقتصادية وعدم كفاية الدعم الدولي يغيران موقف مصر من اللاجئين
شهدت مصر، نظرا لقربها وروابطها التاريخية بالسودان، دخول ما يقدر بنحو 1.2 مليون لاجئ سوداني إلى البلاد منذ عام 2023. ومع دخول المئات يوميا اعتبارا من نوفمبر 2024 شددت القاهرة القيود المفروضة على دخول السودانيين وإقامتهم وتوظيفهم. وقد أجبرت هذه السياسات العديد من الفارين من الحرب على اللجوء إلى طرق الهجرة غير النظامية الخطيرة، فقط لمواجهة ظروف محفوفة بالمخاطر في مصر.
وجاء في تقرير نشره المعهد العربي واشنطن دي.سي أن السياسات الحكومية المتشددة والمشاعر المناهضة للاجئين المتصاعدة هناك تعزز بعضها البعض، مما يخلق بيئة معادية بشكل متزايد لأولئك الذين يفرون من عنف السودان. كما ترك الاقتصاد المتدهور في مصر العديد من الناس يكافحون هناك من أجل تلبية احتياجاتهم.
وبالنسبة للاجئين السودانيين الذين تمكنوا من دخول مصر، أصبح الوضع صعبا بشكل متزايد مع إدخال مصر لقوانين تقوض سبل عيش المهاجرين من خلال تقييد حرية التنقل وغيرها من الحقوق. وعلى الرغم من التزامها الأولي بالاتفاقيات الدولية لحماية اللاجئين، فقد تغير موقف الحكومة المصرية مع تصاعد الضغوط الاقتصادية وإثبات عدم كفاية الدعم الدولي.
وتقول مصر إنها تستضيف تسعة ملايين لاجئ، لكن 800 ألف فقط، معظمهم من السودانيين، مسجلون رسميًا كلاجئين وطالبي لجوء. ومع نمو التدفق، تبنت مصر تدابير أكثر صرامة، بما في ذلك تعليق اتفاقية الحريات الأربع لعام 2004 التي ضمنت للسودانيين حرية التنقل والإقامة والعمل وملكية العقارات في مصر. كما غيرت مصر بشكل جذري عملية دخول السودانيين.
◙ مصر تقول إنها تستضيف تسعة ملايين لاجئ، لكن 800 ألف فقط، معظمهم من السودانيين، مسجلون رسميا كلاجئين وطالبي لجوء
وفي الشهر الأول من الحرب، كان بإمكان النساء والفتيات السودانيات، والفتيان دون سن الـ16 عامًا، والرجال فوق سن الـ50 عامًا الدخول بدون تأشيرة، بينما حصل الآخرون على تأشيرات بسهولة نسبية. لكن القنصلية المصرية في وادي حلفا، بالقرب من الحدود السودانية – المصرية، أصبحت مثقلة، مما أدى إلى تأخيرات، وفي يونيو 2023، أعلنت مصر فجأة أن جميع السودانيين سيحتاجون إلى تأشيرات. وامتدت أوقات الانتظار إلى ثلاثة أشهر، مما أجبر الكثيرين على الاعتماد على السماسرة الذين يتقاضون رسومًا باهظة تتراوح بين 1500 و2500 دولار للشخص الواحد، وهي رسوم باهظة الثمن بالنسبة للعديد من السودانيين.
ومع تدهور الوضع في السودان وتشديد القيود في مصر، اضطر العديد من السودانيين إلى اللجوء إلى المهربين لعبور الحدود إلى جنوب مصر. ويواجه هؤلاء المهربون رحلات خطيرة، مع تقارير عن العنف والاستغلال في المناطق الحدودية.
أفادت منظمة العفو الدولية ومنصة اللاجئين في مصر بوجود اعتقالات تعسفية واسعة النطاق وترحيل غير قانوني للاجئين السودانيين. وتشمل هذه التدابير احتجاز الأشخاص المهربين عبر الحدود، في المقام الأول للحد من الهجرة إلى أوروبا، وإجراء حملات قمع عشوائية في الأحياء ذات الأغلبية السودانية. واللاجئون الذين ينتظرون مقابلات اللجوء معرضون للخطر بشكل خاص، حيث يفتقرون إلى الوثائق الرسمية بخلاف ورقة تؤكد موعدهم، والتي غالبًا ما لا تعترف بها الشرطة.
ويواجه أولئك الذين يسعون إلى تسوية وضعهم رسومًا قدرها 1000 دولار تم فرضها بموجب قرار رئيس الوزراء رقم 3326 الصادر في أغسطس 2023، والذي يستهدف اللاجئين الذين انتهت صلاحية تصاريح إقامتهم أو أولئك الذين ليست لديهم وثائق مناسبة.
وعلى الرغم من أن مصر مددت المواعيد النهائية مرارا وتكرارا، إلا أن القرار ترك العديد منهم في حالة من الغموض وكان بمثابة مبرر لحملات قمع دورية. وضاعفت مصر رسوم الإقامة للمواطنين الأجانب من حوالي 50 دولارا إلى 150 دولارا، على الرغم من أن هذه الزيادات لا تنطبق على اللاجئين وطالبي اللجوء.
معاناة مضاعفة
ومع ذلك، فإن العديد من الأجانب الذين قدموا إلى مصر هربًا من الصراع أو الاضطرابات لا يحملون وضع لاجئ رسمي. وبدلا من ذلك، يعتمدون على إقامات قصيرة الأجل تتطلب تجديدا متكررا، مما يجعلهم متأثرين بشدة بزيادات الرسوم. ويُعفى المواطنون السودانيون من هذه الزيادة في الرسوم، لكنهم لا يزالون مطالبين بدفع حوالي 25 دولارا لتجديد وثائقهم، وهو مبلغ باهظ الثمن بالنسبة للكثيرين.
وتزداد العملية تعقيدًا بسبب متطلبات تأمين الدولار أو ما يعادله من العملات الأجنبية، والتي يجب تحويلها إلى جنيهات مصرية في البنوك المعتمدة أو شركات الصرف الأجنبي من أجل دفع الغرامات والرسوم. ولمصر تاريخ طويل في استضافة اللاجئين، مسترشدة بالاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية اللاجئين لعام 1951 واتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية لعام 1969.
ومنذ مذكرة التفاهم التي أبرمتها مصر مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في عام 1954، كانت المسؤوليات مثل التسجيل والتوثيق وتحديد وضع اللاجئ تُدار إلى حد كبير من قبل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ومع ذلك، سارع البرلمان المصري في ديسمبر الماضي إلى تمرير قانون لجوء مثير للجدل يمنح الحكومة، وليس مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، سلطة تحديد وضع اللاجئ، وهو ما يزعم المنتقدون أنه قد يقوض حقوق اللاجئين بشدة.
◙ مصر ضاعفت رسوم الإقامة للمواطنين الأجانب من حوالي 50 دولارا إلى 150 دولارا على الرغم من أن هذه الزيادات لا تنطبق على اللاجئين وطالبي اللجوء
ويمثل القانون خطوة أولى نحو “إضفاء الطابع المؤسسي” على التزامات مصر الدولية في ملف اللجوء – منح اللاجئين بعض الحقوق الأساسية لأول مرة، مثل القدرة على التقدم بطلب للحصول على الجنسية المصرية. ولكنه يفرض أيضًا معايير أكثر صرامة للحصول على وضع اللاجئ في المقام الأول ويضع قيودًا جديدة على طالبي اللجوء.
ويسمح القانون بالاحتجاز التعسفي لطالبي اللجوء، ويفرض مهلة 45 يومًا لتقديم طلبات اللجوء، ويسمح بالإعادة القسرية دون ضمانات إجرائية. كما يقيد وصول اللاجئين إلى الخدمات الأساسية. وعلى سبيل المثال، يجرم القانون تقديم المساعدة مثل المأوى أو العمل لطالبي اللجوء دون إخطار مسبق من السلطات. ويتضمن معايير غامضة، مثل “الأفعال التي تتداخل مع الأمن القومي أو النظام العام”، والتي يمكن استخدامها لإلغاء وضع اللاجئ.
وتلعب وسائل الإعلام المصرية دورا محوريا في تشكيل المواقف العامة تجاه اللاجئين. وشددت وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة قبضة الحكومة على الخطاب العام بينما سمحت للروايات غير المقيدة والخاطئة في الكثير من الأحيان بتضخيم الخطاب المناهض للاجئين.
وادعت شخصيات إعلامية أن اللاجئين يرهقون ميزانية مصر. وفي برنامجها التلفزيوني، انتقدت المذيعة عزة مصطفى مؤخرا العدد المتزايد من المهاجرين، واتهمتهم برفع الإيجارات والترويج لتشويه الأعضاء التناسلية للإناث، وهي تصريحات تعكس موقف الحكومة المتشدد بشكل متزايد تجاه اللاجئين وسط أزمة اقتصادية تفاقمت بسبب الأزمة في السودان وكذلك الصراعات المستمرة في غزة وليبيا وسوريا.
وكما أصبحت الحال في الغرب، فإن المعلومات المضللة المنتشرة على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي تغذي أيضا المعارضة للاجئين. وعلى سبيل المثال، تعمل هاشتاغات مثل #ترحيل_اللاجئين_مطلب_عام على نشر ادعاءات مبالغ فيها حول التأثير السلبي للاجئين على الموارد والأمن وفرص العمل للمصريين. وقد أدت هذه الادعاءات إلى تأجيج الدعوات إلى مقاطعة الشركات المملوكة للاجئين وتعميق انعدام الثقة بين اللاجئين الوافدين حديثا.
ويتطلب الحل الدائم للنازحين السودانيين عملا إقليميا ودوليا منسقا. ويتعين على المجتمع الدولي أن يلتزم باستجابة شاملة تضمن حصول اللاجئين السودانيين في مصر والدول المجاورة على المساعدات الإنسانية والحماية التي يحتاجون إليها بشكل عاجل. ويشمل هذا إعادة توجيه الموارد نحو المبادرات الشعبية في مصر التي تعالج بفعالية التحديات الفورية التي يواجهها اللاجئون.