التعهد الحوثي بوقف الهجمات في البحر الأحمر محل تشكيك

وكالة أنباء حضرموت

يظل التهديد العسكري الحوثي ضد الشحن الدولي مصدر قلق ملح على الرغم من إعلان الجماعة عن توقف الهجمات، إذ يرجّح محللون أن يستمر الحوثيون في استخدام البحر الأحمر وباب المندب كنقاط اختناق إستراتيجية لفرض القوة وممارسة النفوذ في الصراعات الإقليمية.

ويتوقع هؤلاء المحللون أيضا أن ينشئ الحوثيون مركزا لحركة المرور البحرية لمراقبة واستجواب جميع السفن المارة، على غرار المركز الذي يديره الحرس الثوري الإيراني في مضيق هرمز.

ولم يُظهِر الحوثيون سوى القليل من الاستعداد أو القدرة على التمييز بدقة بين السفن التي يستهدفونها، الأمر الذي لم يترك أيّ خيار سوى الشك في “وقف إطلاق النار” المفترض من جانب الجماعة.

ويقول الباحثان نعوم ريدان وفرزين نديمي في تقرير نشره معهد واشنطن إنه حتى لو أدى وقف إطلاق النار في غزة إلى انخفاض ملحوظ في هجمات البحر الأحمر، فلن يغير ذلك من الطبيعة الانتهازية للحوثيين.

وعلى الرغم من الضربات الجوية الأميركية والبريطانية العديدة ضد المواقع العسكرية للجماعة في اليمن، فإنهم لا يزالون يمتلكون ترسانة متطورة تشمل الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز وطائرات دون طيار هجومية بعيدة المدى في اتجاه واحد، والعديد منها تم تزويدها أو تطويرها من قبل إيران.

حتى لو أدى وقف إطلاق النار في غزة إلى انخفاض ملحوظ في هجمات البحر الأحمر، فلن يغير ذلك من الطبيعة الانتهازية للحوثيين

وعلاوة على ذلك، ونظرا إلى تاريخ الحوثيين في استخدام وقف إطلاق النار لإعادة التجمع وإعادة التسلح، فقد يعتزمون استغلال التوقف الحالي في الأعمال العدائية للتحضير لهجمات مستقبلية.

ومن المتوقع أن تساعدهم إيران في توسيع صناعاتهم العسكرية بشكل أكبر وإنتاج تصاميم أسلحة متقدمة على نطاق واسع بكفاءة واستقلالية أكبر.

وحتى الأسلحة الحالية التي تمتلكها الجماعة تشكل خطرا شديدا على السفن التجارية والعسكرية على مسافات كبيرة، مثل وسط البحر الأحمر وغرب بحر العرب.

وكانت قواربهم غير المأهولة المحملة بالمتفجرات ــ والتي غالبا ما يتم توجيهها بواسطة نظام تحديد المواقع العالمي أو التحكم فيها عن بعد ــ تشكل تحديا خاصا للكشف عنها واعتراضها، الأمر الذي يضيف درجة أخرى من التعقيد إلى عمليات الأمن البحري في المنطقة. وتشكل مثل هذه الأسلحة أيضا مخاطر على البنية الأساسية الحيوية في الدول الشريكة الإقليمية للولايات المتحدة.

ولتخفيف هذه التهديدات، يتعين على الولايات المتحدة وشركائها اتخاذ خطوات حازمة على عدة جبهات أهمها الحفاظ على وجود بحري منسق ومستمر يهدف إلى الحفاظ على حرية الملاحة في المنطقة والاستثمار في تقنيات الكشف المتقدمة وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتدابير المضادة، إلى جانب إنشاء تحالفات جديدة تضم دول البحر الأحمر مثل مصر وإريتريا والمملكة العربية السعودية والسودان لتنسيق التدابير الدفاعية والحفاظ على الممر الآمن.

وفي الثاني والعشرين من يناير، أطلق الحوثيون سراح طاقم السفينة جالكسي ليدر، وهي سفينة شحن استولوا عليها في البحر الأحمر في التاسع عشر من نوفمبر 2023، كجزء من حملتهم واسعة النطاق ضد الشحن البحري والتي استمرت شهورا.

نظرا إلى تاريخهم في إعادة التسلح، قد يعتزم الحوثيون استغلال التوقف الحالي في الأعمال العدائية للتحضير لهجمات مستقبلية

واستولت الجماعة اليمنية على السفينة بسبب ارتباطاتها بإسرائيل، لكن البحارة الخمسة والعشرين هم من مواطني بلغاريا والمكسيك والفلبين ورومانيا وأوكرانيا.

وجاء إطلاق سراحهم بعد ثلاثة أيام من الإعلان عن وقف إطلاق النار في حرب حماس وإسرائيل في غزة، وهو التطور الذي دفع الحوثيين إلى التعهد بأنهم سيحدون على الفور من أيّ هجمات أخرى على السفن التي تحمل أعلام إسرائيلية أو “مملوكة بالكامل لأفراد أو كيانات إسرائيلية.” كما زعمت الجماعة أنها ستنهي “العقوبات” (التهديدات) ضد السفن الإسرائيلية “عند التنفيذ الكامل لجميع المراحل” في اتفاق غزة المكون من ثلاث مراحل.

ورغم أن إطلاق سراح طاقم السفينة جالكسي ليدر متعدد الجنسيات أمر مرحب به للغاية بعد سنوات من الدعوات المستمرة للإفراج عنهم، فإن وعد الحوثيين بوقف الهجمات ضد السفن غير الإسرائيلية قوبل بالشك، ولا تزال العديد من شركات الشحن وشركات التأمين حذرة.

وقد أوضح الحوثيون أنهم مستعدون لاستئناف أنشطتهم العسكرية إذا تعثرت الهدنة الهشة في غزة، أو إذا ضربت الجيوش الأميركية والبريطانية أهدافا إضافية في الأجزاء التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن.

وحذر زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي في خطاب متلفز في 20 يناير قائلا “إننا نضع إصبعنا على الزناد.” وعلاوة على ذلك، فقد استخدموا مرارا وتكرارا معلومات غير دقيقة أو قديمة لتحديد واستهداف السفن التجارية على مدار العام الماضي، وسيضمن هذا السجل الحافل أن يظل البحر الأحمر طريقا شديد التقلب طالما تسيطر الجماعة فيه على حركة المرور عبر مضيق باب المندب.

وبعد اندلاع الحرب بين حماس وإسرائيل، تعهد الحوثيون بالتضامن مع غزة واستخدموا مزيجا من الأسلحة لمهاجمة السفن التجارية عالميا وتهديد حياة البحارة. وشملت هذه الحملة استخدام الصواريخ الباليستية المضادة للسفن لأول مرة.

وأغرق الحوثيون سفينتين العام الماضي، وتطلبت سفينتان أخريان عمليات إنقاذ عاجلة لتجنب الكوارث البيئية. كما أسفرت الهجمات عن مقتل بحار واحد على الأقل وإصابة العديد من الآخرين.

وما يزيد الطين بلة هو أنه من غير الواضح ما هي قاعدة بيانات الشحن التي استخدمها الحوثيون لاستخراج معلومات الملكية وتحديد قائمة أهدافهم.

ويُظهر الفحص الدقيق للهجمات منذ ديسمبر 2023 أنه على الرغم من مهاجمة بعض السفن ذات الروابط المباشرة وغير المباشرة مع إسرائيل (ومع الشركاء الإسرائيليين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة)، فقد استخدم الحوثيون أيضا معلومات غير دقيقة لضرب العديد من السفن ذات الانتماءات الأخرى العديدة.

وفي فبراير2024، على سبيل المثال، أطلقوا صاروخا باليستيا مضادا للسفن على سفينة الشحن العامة روبيمار التي ترفع علم بليز، واصفين إياها بأنها سفينة “بريطانية”. ومع ذلك، فإن السفينة – التي غرقت في أوائل مارس بحمولتها من الأسمدة – كانت مملوكة لشركة مقرها لبنان ولم تكن لها أيّ روابط بالمملكة المتحدة.

ويتفاقم خطر مثل هذه الأخطاء (عمدا أو بغير قصد) بسبب حقيقة أن السفن غالبا ما تغير مالكيها أو مشغليها، ولا تنعكس هذه التغييرات دائما على الفور في قواعد البيانات عبر الإنترنت.

وعند فحص أكثر من 100 هجوم على السفن من قبل الحوثيين بين نوفمبر 2023 وديسمبر 2024، يمكن رؤية أن مجموعة فرعية ضيقة فقط من السفن سُمح لها بالمرور عبر خليج عدن وجنوب البحر الأحمر، إذ أن السفن المرتبطة بالصين وروسيا على وجه الخصوص هي مستخدمة رئيسية لهذا الطريق.

ومع ذلك، فهي ليست آمنة تماما، فقد هاجم الحوثيون عددا قليلا من السفن المرتبطة بتجارة النفط الروسية، مرة أخرى بناء على بيانات غير دقيقة. كما أن ناقلتي بضائع سائبة متجهتين إلى إيران تعرضتا للهجوم في البحر الأحمر في فبراير ومايو 2024، بما في ذلك الناقلة لاكس.