خطاب للعاهل المغربي بحوارية حاسمة ترد على الجزائر وتجادلها
أقام العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاب المسيرة الخضراء، مساء الأربعاء، حوارية للرد على أفكار متجمدة للجزائر من دون أن يذكرها بالاسم، وتناول تلك الأفكار نقطة نقطة لإثبات صواب المقاربة المغربية وعدم منطقية ما تدعو إليه الجزائر، متوجها في الوقت نفسه إلى الأمم المتحدة التي طالبها بتحمّل مسؤولياتها.
وألقى الملك محمد السادس خطابا بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء أكد فيه على “الاعتراف الدولي المتزايد بمغربية الصحراء، والدعم الواسع لمبادرة الحكم الذاتي، وبموازاة مع هذا الوضع الشرعي والطبيعي، هناك مع الأسف، عالم آخر، منفصل عن الحقيقة، ما زال يعيش على أوهام الماضي، ويتشبث بأطروحات تجاوزها الزمن”.
ويشير الخطاب الملكي إلى النجاحات التي حققتها مقاربة الحكم الذاتي المغربية لحل مشكلة الصحراء، التي لاقت اعترافا دوليا واسعا كان آخره إعلان فرنسا اعترافها بهذه المقاربة كأساس وحيد لحل دائم ودعمها لها واستعدادها للدفاع عنها في المحافل الدولية. في المقابل تراجعت الجزائر وفشلت في التسويق لما تطالب به لأنها تدافع عن أفكار قديمة تجاوزتها الأمم المتحدة والدول المؤثرة في مجلس الأمن.
وكانت الولايات المتحدة ودول كثيرة أوروبية وأفريقية وعربية قد دعمت مبادرة المغرب وهمشت ما تطرحه الجزائر التي بدت عاجزة أمام نجاحات الرباط، ما دفعها إلى مهاجمة تصريحات الرئيس الفرنسي.
وفي إشارة إلى بوليساريو والجزائر أوضح العاهل المغربي أن هناك من يطالب بالاستفتاء، رغم تخلي الأمم المتحدة عنه واستحالة تطبيقه، وفي الوقت نفسه يرفض السماح بإحصاء المحتجزين في مخيمات تندوف، ويأخذهم كرهائن في ظروف يرثى لها من الذل والإهانة والحرمان من أبسط الحقوق.
وتضع المقارنة التي اعتمدها العاهل المغربي الجزائر في موقف ضعيف؛ فالاستفتاء من ناحية تم تجاوزه من الأمم المتحدة نظرا إلى استحالة تطبيقه وما يحمله من تناقض. لكن كيف يدافع الجزائريون عن استفتاء وهم يرفضون مجرد إحصاء المحاصرين والمعزولين في مخيمات تندوف؟ وأي استفتاء هذا الذي سيجعل أبناء الصحراء يعيشون وضعا مأساويا؟ ومن سيقبل به؟ وكيف يمكن إقناع أي دولة بهذا؟ على عكس مقاربة المغرب التي تحوز دعما دوليا واسعا، فضلا عن تحمس سكان الأقاليم الصحراوية لأن يكون جزء من بلادهم من خلال مشاريع التنمية وليس بالشعارات.
وتواجه الجزائر، باعتبارها حاضنة للجبهة الانفصالية ومطالبها، عزلة بادية للعيان بات تأثيرها واضحا على مصالحها وعلاقاتها الخارجية، إضافة إلى تحملها أعباء مالية وسياسية ضخمة في محاولاتها لإبقاء النزاع متقدا ومنع التوصل إلى حل عملي يلاقي دعما دوليا.
وأشار الملك محمد السادس في خطابه إلى أن هناك من يستغل قضية الصحراء ليغطي على مشاكله الداخلية الكثيرة، وهناك كذلك من يريد الانحراف بالجوانب القانونية لخدمة أهداف سياسية ضيقة. واسترسل العاهل المغربي “لهؤلاء أيضا نقول إن الشراكات والالتزامات القانونية للمغرب، لن تكون أبدا على حساب وحدته الترابية، وسيادته الوطنية. كما أن هناك من يستغل قضية الصحراء للحصول على منفذ على المحيط الأطلسي”.
وأكد الملك محمد السادس “لهؤلاء نقول: نحن لا نرفض ذلك؛ والمغرب كما يعرف الجميع، اقترح مبادرة دولية، لتسهيل ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي، في إطار الشراكة والتعاون، وتحقيق التقدم المشترك، لكل شعوب المنطقة”.
ويحاجج العاهل المغربي الجزائر بسؤال إنكاري: ما الذي يمنعكم من الوصول إلى الأطلسي والانضمام إلى المبادرة المغربية والاستفادة منها لتكون الجزائر شريكا إقليميا وليس دولة معزولة وتتسم علاقاتها الإقليمية بالتوتر وردات الفعل بدلا من بناء مقاربة دائمة تجعل الجزائر جزءا من تطور إقليمي بعيدا عن الصراعات وتجاوز سياسة الأحلاف التي تجاوزها الزمن.
ويذكّر العاهل المغربي بمبادرة الأطلسي التي أعلن عنها في خطابه بمناسبة الذكرى الـ48 للمسيرة الخضراء في نوفمبر 2023، والتي أصبحت مرتكزا لسياسة المغرب الخارجية تجاه أفريقيا؛ وذلك بالدعوة إلى إنشاء منطقة تنمية لجميع البلدان الواقعة على الساحل الأطلسي للقارة الأفريقية، وتسهيل وصول البلدان غير الساحلية إلى المحيط، والتي استجابت لها دول الساحل والصحراء.
وأشارت مباركة بوعيدة، رئيسة مجلس جهة كلميم واد نون، في تصريح لـ”العرب” إلى أن “الخطاب الملكي دعا إلى تجاوز الأطروحات المغلوطة التي تروج لها الجزائر، وقد فتح مرة أخرى باب التعاون في إطار المبادرة الملكية للمحيط الأطلسي، وهو شيء مهم لمن يريد الوضوح، ومن يريد المرور إلى المحيط الأطلسي”.
كما توجه العاهل المغربي في خطابه إلى الأمم المتحدة قائلا “لقد حان الوقت لتتحمل الأمم المتحدة مسؤوليتها، وتوضح الفرق الكبير بين العالم الحقيقي والشرعي، الذي يمثله المغرب في صحرائه، وبين عالم متجمد، بعيد عن الواقع وتطوراته”، في انتقاد لبطء الأمم المتحدة في حسم النزاع رغم التطورات الكبيرة التي حصلت خلال السنوات الأخيرة بعد الانتصارات الدبلوماسية للمغرب.
◙ الخطاب الملكي يشير إلى النجاحات التي حققتها مقاربة الحكم الذاتي المغربية لحل مشكلة الصحراء في المقابل فشل الجزائر في الدفاع عن أفكار قديمة تجاوزتها الأمم المتحدة
وأكد محمد بودن، الخبير المغربي في الشؤون الدولية المعاصرة، أن الملك محمد السادس قدم فرزا موضوعيا لعالمين؛ الأول ديناميكي فعّال وواسع النطاق ويدعم سيادة المغرب الكاملة على صحرائه، والثاني معزول عن هذه التطورات وغير قادر على التوصل إلى نتيجة مفادها أن ظروفا عديدة تغيرت وبالتالي يحتاج هذا العالم المتقوقع إلى منطق جديد يقوم على الفهم والانفتاح وترجيح الواقعية.
وشدد بودن على أن الخطاب الملكي ترجم تصميم المغرب على السير بخطى ثابتة ومدروسة لتحقيق مكاسب غير مسبوقة لمصلحة الوحدة الترابية للمغرب، كما ترجم قوة إرادة الملك محمد السادس لتعزيز المكاسب كي تشمل ثمار التقدم كل المواطنين في جغرافيا المغرب المتنوعة والفسيحة.
ودعا الملك محمد السادس إلى المزيد من التعبئة واليقظة من أجل ترسيخ مغربية الصحراء، ومواصلة النهضة التنموية بها، مشددا على ضرورة أن تشمل ثمار التقدم والتنمية كل المواطنين في جميع الجهات، من الريف إلى الصحراء، ومن الشرق إلى المحيط، مرورا بمناطق الجبال والسهول والواحات.
كما وجه العاهل المغربي بإحداث هيئة جديدة تسمى “المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج”، والتي ستختص في شؤون المغتربين البالغ عددهم 5 ملايين في العالم.
وأشار إلى أن المؤسسة الجديدة ستقوم بـ”فتح المجال أمام الكفاءات والخبرات المغربية بالخارج، ومواكبة أصحاب المبادرات والمشاريع”، مشددا على الحرص “على فتح آفاق جديدة أمام استثمارات أبناء الجالية داخل وطنهم، فمن غير المعقول أن تظل مساهمتهم في حجم الاستثمارات الوطنية الخاصة في حدود 10 في المئة”. ودعا إلى أن “تضطلع هذه المؤسسة بتبسيط ورقمنة المساطر الإدارية والقضائية، التي تهم المغتربين”.
وقال محمد الغالي، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية في جامعة القاضي عياض بمراكش، في تصريح لوكالة المغرب العربي إن مهمة هذه المؤسسة تكمن في تجميع الصلاحيات المتفرقة حاليا بين فاعلين كثيرين، وتحضير وتأمين تنسيق وتنفيذ “الإستراتيجية الوطنية للمغاربة المقيمين بالخارج”.