ماذا فعلت يا قرداحي

لبنان لن يتخذ خطوات تنتظرها السعودية للاعتذار

بيروت

أشار رد وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي بعدم نيته الاستقالة من منصبه وردود فعل فاترة من قبل رجال دين ومسؤولين لبنانيين إلى أن الأزمة التي اندلعت بين السعودية ولبنان بسبب تصريحات قرداحي عن حرب اليمن أبعد ما تكون عن النهاية وأن اللبنانيين ليسوا بصدد اتخاذ خطوات تنتظرها الرياض ودول الخليج للاعتذار.

 

وقال قرداحي الأحد لقناة محلية إن استقالته “غير واردة” بعدما أثارت تصريحات له حول اليمن غضب السعودية التي استدعت مع دول خليجية أخرى سفراءها من بيروت.

 

ويلمح رد قرداحي إلى أن جزءا من الطبقة السياسية اللبنانية، وخصوصا الفئة المارونية الداعمة له، لا يرى أن الاعتذار من السعودية يمكن أن يكون مجديا، و”لن يقدم أو يؤخر” في الوضع اللبناني الاقتصادي المنهار، وأن السعودية قد “سحبت يدها من لبنان عمليا منذ سنوات” على حد وصف سياسي لبناني.

 

وجاءت تصريحات البطريرك الماروني اللبناني بشارة الراعي الهادئة واللقاء مع الوزير قرداحي الذي سبق التصريحات ليعطيا الانطباع بأن الحديث عن خطوات رسمية أو سياسية لبنانية تخفف من الغضب السعودي غير وارد.

 

ودعا الراعي الحكومة اللبنانية الأحد إلى اتخاذ “خطوة حاسمة لنزع فتيل تفجير العلاقات اللبنانية الخليجية”، دون إشارة صريحة إلى موقف واضح من تصريحات الوزير.

 

ولم يحدد الراعي، الذي وجه دعوته إلى الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي، في عظة الأحد أي خطوات محددة.

 

وكان الراعي قد التقى السبت بقرداحي ولم تصدر أيّ تعليقات من مكتب الكاردينال الماروني بعد اللقاء، واكتفى المكتب بتوزيع صور عن اللقاء.

 

وقال كبار المسؤولين اللبنانيين، بمن فيهم الرئيس عون، إنهم حريصون على العلاقة مع السعودية، لكنهم لم يتبنوا موقفا صريحا من تصريحات قرداحي.

 

وذهب داعمو قرداحي الحزبيون، وخصوصا رئيس تيار المردة سليمان فرنجية المتحالف مع حزب الله، إلى حد التلويح بسحب الوزراء من الحكومة إذا فُرضت على وزير الإعلام الاستقالة أو أقيل.

 

وكان حزب الله قد تبنى بالكامل موقف قرداحي وهاجم السعودية متهما إياها بأنها تتبنى فرض سياستها على لبنان.

 

وطردت السعودية السفير اللبناني وحظرت جميع الواردات اللبنانية الجمعة. وحذت البحرين والكويت حذوها، وأمهلت كل منهما كبار المبعوثين الدبلوماسيين اللبنانيين لديها 48 ساعة لمغادرة البلاد. وقالت الإمارات في وقت لاحق إنها ستسحب جميع دبلوماسييها ومنعت مواطنيها من السفر إلى لبنان.

 

وتأتي الأزمة الدبلوماسية فيما تعمل الحكومة اللبنانية على إعادة ترتيب علاقاتها السياسية مع دول الخليج، خصوصًا السعودية، وتعوّل على دعمها المالي في المرحلة المقبلة للمساهمة في إخراج البلاد من أسوأ أزماتها الاقتصادية.

 

لكن السعودية لم تبد اهتماما بالوضع الاقتصادي المنهار في لبنان الذي تعتبره بلدا تحت سيطرة مطلقة لحزب الله المدعوم من إيران.

 

وكان قرداحي -في مقابلة تلفزيونية تم بثّها الاثنين الماضي وأجريت قبل توليه حقيبة الإعلام في حكومة نجيب ميقاتي- قد وصف حرب اليمن بأنّها “عبثية”، وقال إنّ المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران “يدافعون عن أنفسهم” في وجه “اعتداء خارجي” من السعودية والإمارات. وأعربت الحكومة اللبنانية عن “رفضها” تصريحات قرداحي، مشيرة إلى أنه “لا يعبر عن موقف الحكومة إطلاقا”.

 

وشكلت السلطات اللبنانية خلية أزمة وزارية بهدف حل هذه الأزمة، وعقدت اجتماعا السبت بحضور القائم بأعمال السفارة الأميركية في بيروت ريتشارد مايكلز. وقال مسؤول سياسي لبناني إن “الأميركيين والفرنسيين ودولا عربية يشاركون في مساعي حل الأزمة”.

 

وذكر وزير الخارجية عبدالله بوحبيب السبت أن ميقاتي “قام باتصالات دولية (…) وكل من تم التواصل معهم طلبوا منه عدم التفكير بالاستقالة”، أي استقالة الحكومة التي يقع على عاتقها أساسا اتخاذ إجراءات هدفها إخراج البلاد من دوامة الانهيار الاقتصادي.

 

وتشهد العلاقة بين لبنان والسعودية فتورا منذ سنوات على خلفية تزايد دور حزب الله الذي تعتبره الرياض منظمة إرهابية تنفذ سياسة إيران -خصمها الإقليمي الأبرز- وتؤاخذ المسؤولين اللبنانيين على عدم تصديهم للحزب. وكانت السعودية قبل تراجع دورها من أبرز داعمي لبنان سياسيّا وماليّا.

 

وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان السبت، لقناة “سي إن بي سي”، “وصلنا إلى خلاصة أن التعامل مع لبنان وحكومته الحالية ليس مثمرا.. مع هيمنة حزب الله المستمرة على المشهد السياسي”، مضيفا “تصريحات الوزير هي دليل على الواقع، واقع أن المشهد السياسي في لبنان لا يزال يهيمن عليه حزب الله… الموضوع بالنسبة إلينا أوسع من مجرد تعليقات وزير”.

 

وهذه المرة الثانية التي تثير فيها تصريحات وزير لبناني غضبا خليجيا، وتحديدا غضبا سعوديا. وكان وزير الخارجية السابق شربل وهبة تقدم باستقالته من حكومة تصريف الأعمال في التاسع عشر من مايو على خلفية تصريحات صحافية اعتبرتها الرياض “مشينة”.