اختلط حابل الإعلام بنابل السياسة

إغلاق وسائل إعلام في تونس.. تطبيق للقانون على قنوات "مارقة" أم تصفية لحسابات سياسية

تونس

تتواصل تداعيات قرار الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) وهي الهيئة المسؤولة عن تنظيم القطاع السمعي البصري في تونس بإغلاق قناة “نسمة” و”إذاعة القرآن الكريم” وسط تساؤلات عما إذا كانت اللائحة ستشمل مؤسسات إعلامية أخرى.

 

وأثارت القرارات الكثير من الجدل والمخاوف على حرية الصحافة والتعبير في تونس. وبدأ الكثيرون يطرحون السؤال عمّا إذا كان الهدف من تلك الإجراءات بالفعل تصحيح خلل قائم في الساحة الإعلامية بتونس، أم السعي نحو الحد من حرية التعبير وقمع المؤسسات الصحافية.

 

وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري الأربعاء عن اتخاذها قرار إغلاق قناة “نسمة” التلفزيونية التي يملكها المرشح السابق للانتخابات الرئاسية نبيل القروي والذي تم توقيفه في الجزائر منذ شهرين.

 

وحسب بيان للهيئة فقد تم “حجز تجهيزات البث الضرورية للقناة المذكورة وقطع البث عنها نظرا لممارستها نشاطات بث دون إجازة”، وذلك بعدما “ماطلت القناة في تسوية وضعيتها القانونية منذ سنة 2014 رغم مساعي الهيئة في هذا الإطار من خلال المراسلات والاجتماعات المتعددة”، فضلا عن “تضمن ملف القناة شبهات فساد مالي وإداري إضافة إلى عدم استقلاليتها باعتبار أن المشرف عليها قيادي في حزب سياسي، وهو ما انعكس على مضامينها الإعلامية التي أخلّت في جزء منها بمبادئ حرية الاتصال السمعي البصري وضوابطها، خاصة خلال الانتخابات وهو ما ضمنته الهيئة في تقارير سابقة لها وجهتها إلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات”.

 

وبررت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري قرارها بإيقاف بث “إذاعة القرآن الكريم” بما اعتبرته “توظيف الإذاعة للترويج لخطابات الكراهية للتحريض على العنف”. وتتبع الإذاعة مؤسس حزب الرحمة الإسلامي سعيد الجزيري.

 

وسبق أن أكدت الهيئة في بيان أن قرار إغلاق محطة تلفزيون “الزيتونة” المقربة من حزب النهضة الإسلامي اتخذ بسبب عدم تمكن القناة من الحصول على رخصة بث، علما أن القناة تعمل منذ سنوات في البلاد.

 

وبناء على ما تقدم، فإن قرار الهيئة استند إلى المرسوم 116 في آخر المطاف، بعد استنفاد كل الإمكانيات المتاحة كي تستجيب القناتان والإذاعة إلى المقتضيات القانونية في المجال.

 

أكد رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري النوري اللجمي أن تلك القنوات بقيت تبث بطريقة غير قانونية منذ سنوات، ولم تحصل على رخصة البث نظرا للعديد من الأسباب “من بينها عدم احترامها للمقتضيات القانونية وضلوعها في إشكاليات سياسية وارتباطها بأحزاب سياسية”.

 

وأكد اللجمي إمكانية إعادة النظر في الملفات الخاصة بتلك القنوات ولكن بناء على أرضية أخرى تتضمن الاستجابة لجملة من الشروط، من بينها ألا يوجد في مجلس إدارة أي قناة أشخاص مسؤولون في أحزاب سياسية.

 

وأضاف اللجمي أن واقع الحال بالنسبة إلى القنوات التي استهدفها القرار مختلف “ففي قناة ‘نسمة’ نجد نبيل القروي الذي أسس حزبا، و’قناة الزيتونة’ المدعومة من حزب النهضة ومؤسس ‘إذاعة القرآن الكريم’ مقرب من زعيم حزب الرحمة، وبالنسبة إلينا الدمج بين السياسة والإعلام هو مزج خطير”.

 

وأعلن اللجمي عن وجود “ملف آخر يهم القناة التي طُلب منها التوقف عن البث وهي قناة ‘حنبعل’، وإذا لم تستجب لطلب الهيئة بتوقيف البث بطريقة تلقائية سيتم اللجوء إلى الحجز، نحن نعامل كل القنوات على نفس المسافة، وبعد استنفاد كل الإجراءات نضطر إلى اتخاذ قرارات بشأنها”. وتوقفت قناة “حنبعل” عن البث الجمعة تنفيذا لقرار الهايكا.

 

غير أن المعارضين لقرارات الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري اعتبروا الأمر تصفية حسابات سياسية وربطوا بين قرار إغلاق قناة “نسمة” وبين التوجه السياسي لمالكها نبيل القروي باعتباره حليف حزب النهضة والخصم السياسي الأول للرئيس قيس سعيد.

 

وقال المدير العام لقناة “نسمة” زياد الريبة إن “نسمة” لم تكن يوما قناة خارجة عن القانون بما أنها أبرمت عقدا مع الدولة التونسية ما قبل الثورة. وأوضح أن القناة سعت في أكثر من مرة لتسوية وضعيتها مع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري إلا أنها وجدت مماطلة منها.

 

وأكد الممثل القانوني للقناة المحامي نزيه الصويعي أن المسار القانوني للقناة حاليا بيد الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، وذلك إما بتأييد حجز المعدات أو عدمه.


وأكد الصويعي أن هناك مسارا قضائيا يتعلق بالمحكمة الإدارية إلى جانب المسار القانوني.

 

وقال زياد الريبة إن رجل الأعمال نبيل القروي يساهم بـ17 في المئة فقط في القناة. وطرح الريبة التساؤل حول توقيت قرار الهيئة، وأشار إلى أن الإشكال المرتبط بتسوية الملف مطروح منذ عام 2018 فلماذا يتم اتخاذ هذا الإجراء في عام 2021؟

 

وردّ اللجمي بأن مطلب تسوية الوضعية ليس حديثا وبالتالي لا يمكن القول إنه مرتبط بظرفية سياسية، ثم بكون قرارات من هذا النوع صدرت من قبل ولكن صعُب تنفيذها لكون تلك القنوات كانت تتوفر على سند سياسي قوي حال دون تنفيذ القرارات تمثل “في كسر غير قانوني للأختام، وقمنا باتخاذ قرار الحجز من جديد وهذا ما قمنا به مع قناة الزيتونة التي عاودت الكرة من جديد وتبث حاليا من مكان آخر”.

 

ونبه العديد من المراقبين والإعلاميين إلى وجود تجاوزات عدّة يمارسها الإعلام التونسي منذ عام 2011، وأكدوا اختراق المال السياسي للتحول الديمقراطي، حيث وجّه الإعلام والرأي العام وشكّلهما لصالح وجوه سياسية محددة.

 

وانطلقت الكثير من القنوات والإذاعات والصحف التي كان وراءها رجال أعمال وكل منهم كان يسير على منهجه وعلى الخط السياسي الذي يروق له، مما خلف الكثير من المشكلات السياسية.

 

وأكد مدير قناة “نسمة” أن القناة هي أولا مؤسسة تجارية وأن لديها شركاء أجانب ومن الضروري مراعاة رأيهم ومصلحتهم قبل تغيير طبيعة الشركة كما طلبت الهيئة، كما أكد أن قرار إغلاق القناة سينعكس على العاملين فيها من صحافيين وموظفين والبالغ عددهم 200 شخص على الأقل.

 

ويعول الكثيرون على ما سيعلن عنه الرئيس التونسي قيس سعيد قريبا بخصوص خارطة طريق في تونس كي تتضح الرؤية.