لا مؤشرات في الأفق على عودة الهدوء لشوارع السودان
قلق يخيم على السودان عشية مظاهرة مليونية تنديدا بالانقلاب
ستكون شوارع السودان غدا السبت على موعد مع مظاهرة يعتقد أنها ستكون الأكبر على الإطلاق تنديدا بانقلاب العسكر على شركائهم المدنيين في الحكم وللمطالبة بعودة الحكم المدني، وسط مخاوف من موجة عنف غير مسبوقة ولجوء الجيش للرصاص الحي على غرار ما حدث سابقا، بينما يواجه قائده عبدالفتاح البرهان ضغوطا دولية ومحلية شديدة.
ورغم تصاعد العنف في الخرطوم حيث سقط ثمانية قتلى و170 جريحا منذ الاثنين، يحشد أنصار الحكم المدني لتعبئة عامة ومسيرات يريدونها "مليونية" السبت في السودان ضد انقلاب العسكر الذي أطاح بالمدنيين من السلطة.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الخميس الجيش السوداني إلى "ضبط النفس" السبت في التعامل مع المتظاهرين.
وحضت الولايات المتحدة كذلك الجيش السوداني الجمعة على عدم قمع التظاهرات المرتقبة السبت احتجاجا على الانقلاب العسكري الأخير.
وقال مسؤول أميركي كبير في وزارة الخارجية لصحافيين "نحن قلقون فعلا حيال ما سيحصل غدا"، مضيفا "سيكون الأمر اختبارا فعليا لنوايا العسكريين".
وتابع "السودانيون يستعدون للخروج إلى الشوارع غدا للاحتجاج على استيلاء الجيش على السلطة وندعو القوات الأمنية إلى الامتناع عن كل أعمال العنف ضد المتظاهرين والاحترام الكامل لحق مواطنيها في التظاهر السلمي".
ولفت إلى أن "20 إلى 30 شخصا" قتلوا بسبب قمع الجيش منذ الانقلاب الذي أطاح الاثنين الحكومة التي يقودها المدنيون.
وتساءل المسؤول الأميركي "ماذا سيفعل الجيش ردا على ذلك، هل سيحاول منع التظاهرة وقمعها حتى قبل أن تحدث؟ هل سيغلق الطرق والجسور وما إلى ذلك؟ وقبل كل شيء، هل سيمنع الجيش التظاهرات السلمية؟".
ودعا مجددا الفريق أول عبدالفتاح البرهان إلى "إعادة تشكيل الحكومة المخلوعة" و"إطلاق سراح جميع المدنيين المحتجزين".
وردا على سؤال حول دور مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، أكد الدبلوماسي أن هذه الدول الثلاث "قلقة جدا إزاء استقرار السودان"، مضيفا "ببساطة لا نعتقد أن استمرارا للسلطة العسكرية التي أسسها البرهان سيضمن استقرار السودان".
وقال إن بعض هذه الدول خصوصا الإمارات "أدّت دورا" في عودة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك إلى منزله، لكنه دعاها إلى ممارسة مزيد من الضغط على العسكريين السودانيين، مشيرا إلى أن "ذلك لا يكفي" إذ أن حمدوك "قيد الإقامة الجبرية وليس حرا في استئناف نشاطاته".
وقال أيضا "نواصل الحوار معها (الدول المذكورة) حول حقيقة أن هذا لا يكفي. نعتقد أن تكثيف الضغوط الدولية والمسائل المالية ورد الفعل السوداني، كلها عوامل ستساهم في إقناع هذه الدول التي ذكرتها وغيرها بأننا لا نستطيع فعلا أن ندع هذا الوضع يستمر إلى الأبد".
وأطلقت قوات الأمن مساء الجمعة قنابل الغاز المسيل للدموع على متظاهرين ينددون بالانقلاب العسكري في السودان، وفق ما أفاد شهود، في وقت طالبت أصوات دولية الجيش بضبط النفس عشية تعبئة حاشدة.
وقال ناشط يدعى هيثم محمد الجمعة "حصد أرواح المتظاهرين بالرصاص غير مقبول ولن يجعلنا نتراجع". وانهمر أثناء الليل وابل من الرصاص والرصاص المطاطي والغازات المسيلة للدموع على المتظاهرين في اثنين على الأقل من أحياء الخرطوم، هما حي بري بشرق العاصمة وبحري في شمالها، لكن محمد قال "إن هذا لن يزيدنا إلا تصميما".
ومنذ الاثنين، تغير المشهد تماما في السودان بعد سنتين من حكم انتقالي هش، ففي العام 2019، اتفق العسكريون الذين تولوا السلطة بعد الإطاحة بالبشير إثر حركة احتجاجات شعبية عارمة غير مسبوقة، والمدينون الذين قادوا تلك الاحتجاجات، على تقاسم السلطة لمرحلة انتقالية يتم في نهايتها تسليم الحكم إلى حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا.
لكن البرهان أعلن الاثنين حل مؤسسات الحكم الانتقالي، مطيحا بشركائه المدنيين من السلطة، وأيضا بآمال التحوّل الديمقراطي.
وفجر الاثنين، اعتقل جنود رئيس الوزراء عبدالله حمدوك والعديد من أعضاء حكومته والأعضاء المدنيين في مجلس السيادة المسؤول عن قيادة المرحلة الانتقالية.
وأعيد حمدوك بعد أيام إلى منزله، لكنه "لا يتمتع بحرية الحركة"، بحسب مسؤولين دوليين تمكنوا من الحديث معه عبر الهاتف، لكن لم يتمكن أحد من مقابلته.
وأصبح وزراء حكومة حمدوك الذين لم يعتقلوا، الناطقين باسم المطالبين بعودة "السلطات الشرعية"، ووضع حد لحكم العسكر الذي تواصل بشكل شبه مستمر في السودان منذ استقلاله قبل 65 عاما.
وقال هيثم محمد "الجيش مثل النظام السابق تماما"، في إشارة إلى عمر البشير الذي وصل إلى السلطة عام 1989 بانقلاب أطاح آنذاك بحكومة الصادق المهدي المنتخبة ديمقراطيا، واستمر ثلاثين عاما.
ويواجه الفريق أول البرهان مقاومة على الأرض، فرغم قطع الإنترنت في البلاد، ينظّم المتظاهرون أنفسهم للنزول إلى الشوارع في الخرطوم ومدن أخرى. ورغم إعلانه حل النقابات المهنية، إلا أن هذه المؤسسات التي دعت إلى "عصيان مدني" وما زالت تحشد أعضاءها وقادرة على تنظيم "إضراب عام" حوّل العاصمة السودانية إلى مدينة أشباح منذ الاثنين.
ويحاول العسكريون إسكات المعارضة عبر اعتقال شخصيات سياسية وناشطين وأشخاص بشكل عشوائي وكذلك بالسيطرة على وسائل الإعلام.
واقتحم جنود مقرّ التلفزيون الرسمي الذي أقيل رئيسه الخميس وقد كان مدافعا شرسا عن الحكم المدني. كما اقتحموا مقرّ وكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا). وتتعرّض وسائل الإعلام الخاصة كذلك إلى الترهيب.
وقد استهدفت الجمعة صحيفة "الديمقراطي"، عندما جاء جنود وأرغموا حارس المبنى على الرحيل وقالوا له "لا تعد"، وفق ما روى أحد الصحافيين في الوسيلة الإعلامية.
والخميس، تمّ وقف جميع المحطات الإذاعية التي تبث على موجة "أف أم" ومن بينها راديو "هلا".
ونقل التلفزيون الرسمي خطبة الجمعة التي دعت إلى دعم العسكريين. وقال الخطيب الذي جلس قبالته العديد من الجنود بزيهم العسكري "لا بدّ أن يكون لنا ولاء وحبّ للقوات النظامية وألا نسيء إليها"، مضيفا "إن أسأت لقواتك النظامية، فكأنك أسأت إلى وطنك".
ويؤكد البرهان أن قراراته "ليست انقلابا"، إنما هي إجراءات "لتصحيح مسار الثورة".
وفي هذا الوقت، يصعّد المجتمع الدولي الضغوط على العسكريين. وطالب مجلس الأمن الدولي في بيان صدر بإجماع أعضائه الخميس العسكريين في السودان "بعودة حكومة انتقالية يديرها مدنيون"، مبديا "قلقه البالغ حيال الاستيلاء العسكري على السلطة".
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن "رسالتنا معا إلى السلطات العسكرية في السودان واضحة، ينبغي السماح للشعب السوداني بالتظاهر سلميا، وإعادة السلطة إلى الحكومة الانتقالية التي يقودها مدنيون"، مؤكدا أن "الولايات المتحدة ستواصل الوقوف إلى جانب الشعب السوداني ونضاله اللاعنفي للمضي قدما نحو أهداف الثورة السودانية".