المدنيون العزّل الحلقة الأضعف في العمليات الانتقامية لداعش.

هجوم المقدادية يؤجج غضب العراقيين على القوى السياسية

بغداد

تعرضت محافظة ديالى شرقي العراق مجددا إلى خرق أمني خطير، حيث هاجم عناصر من تنظيم داعش الثلاثاء تجمعا لسكان من قرية الرشاد في قضاء المقدادية ما أدى إلى وقوع 15 قتيلا وجرح 13 آخرين من ضمنهم مدنيون.

ويأتي الهجوم في وقت ينشغل فيه المسؤولون في العراق بالأزمة السياسية التي تبعت إعلان النتائج الأولية للانتخابات التشريعية التي جرت في العاشر من الشهر الجاري، حيث ترفض العديد من القوى لاسيما تلك الموالية لإيران النتائج وتدعي حصول عمليات تزوير واسعة.

وأثار الهجوم حالة من الاحتقان والفوضى انتهت بإقدام مسلحين من قرية الرشاد على استهداف قرية الإمام المجاورة ما أسفر عن سقوط 8 قتلى، وفق معطيات أولية.

وقال مصدر أمني إن “مسلحين من قبيلة بني تميم (شيعة) هاجموا الأربعاء قرية الإمام التي تسكنها قبائل سُنية ما أوقع 8 قتلى، إلى جانب إضرام النيران في عدد من المنازل والبساتين”.

وخلال الشهور الأخيرة زادت وتيرة هجمات تنظيم داعش لاسيما في المنطقة الرابطة بين محافظات كركوك وصلاح الدين (شمال) وديالى (شرق) المعروفة باسم “مثلث الموت”.

ويعتقد محللون أن هجوم المقدادية ذو بعد انتقامي، خصوصا بعد إلقاء القبض على سامي جاسم الجبوري معاون الزعيم السابق للتنظيم الجهادي أبوبكر البغدادي واقتياده من تركيا، وإلقاء القبض على مدبر مجزرة الكرادة الملقب بـ”أبوعبيدة بغداد” في إحدى الدول بعملية استخبارية معقدة.

ويلفت المحللون إلى أن تنظيم داعش استغل الأزمة السياسية التي تعصف هذه الأيام بالعراق ولا تعرف بعد مآلاتها للقيام بهذه العملية الانتقامية، محذرين من أن ما حدث من شأنه أن يعمق نقمة الشارع العراقي على القوى والأحزاب الحاكمة.

ولاقى مشهد أحد وجهاء قبيلة بني تميم (التي كانت ضحية الهجوم الأخير لداعش) وهو يخاطب رئيس منظمة بدر هادي العامري في مواجهة جريئة صدى واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويظهر مقطع فيديو الشيخ مصطاف التميمي وهو يوجه أصابع الاتهام للعامري الذي كان قدم إلى قرية الرشاد لتقديم العزاء وللوقوف على تفاصيل الهجوم.

وقال الشيخ التميمي لرئيس منظمة بدر في اجتماع حضره المئات من المواطنين “نحملكم أنتم مسؤولية ما حدث، لأن كل وعودكم في حماية المدن لم تتحقق، وكل ما حصل لنا بسبب إهمالكم، أنتم الأحزاب الحاكمة من أتيتم لنا بهذا البلاء”.

وتعكس عبارات الشيخ التميمي التي لاقت إشادات العراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي حجم الغضب والاحتقان الشعبي من الأحزاب والقوى المسيطرة على المشهد، في ظل عجزها المسترسل عن الإيفاء بتعهداتها لجهة فرض الأمن وانشغالها في معارك تقاسم غنائم السلطة.

ويقول نشطاء إن العراقيين يئسوا من الخطابات التي يلقيها المسؤولون وزعماء الأحزاب عند كل هجوم، دون أن يكون هناك أي تقدم حقيقي في منع هجمات خلايا داعش التي ما تزال تحصد أرواح الكثيرين رغم مرور نحو 4 سنوات على إعلان بغداد القضاء على التنظيم.

وأعلنت بغداد أواخر عام 2017 الانتصار على داعش باستعادة الأراضي التي اجتاحها التنظيم صيف 2014 وتُقدر بثلث مساحة البلاد، لكن التنظيم ما زال يحتفظ بخلايا في مناطق واسعة من العراق.

وتوعد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الأربعاء بالقصاص من منفذي “مجزرة” ديالى. وقال الكاظمي في تغريدة “جرّب الإرهابيون فعلنا، نفي بما أقسمنا، سنطاردهم أينما فرّوا، داخل العراق وخارجه، وجريمة المقدادية بحق شعبنا لن تمر من دون قصاص، واللهم فاشهد”. وتابع “كلما أوغلوا في دماء الأبرياء نزداد إصراراً بأن ننهي أي أثر لهم في أرض الرافدين”.

وأدان رئيس الجمهورية برهم صالح الهجوم على المقدادية، مؤكداً أن “الحادث تذكير بضرورة توحيد الصف ودعم الأجهزة الأمنية وغلق الثغرات”.

من ناحيته طالب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي حصد تحالفه السياسي أكبر عدد من مقاعد البرلمان خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، بالحذر من “الإرهاب”. وقال في بيان “على الأحزاب السياسية الحذر من الإرهاب وترك الصراع على المقاعد البرلمانية”.

ويرى مراقبون أن تصريحات المسؤولين وقادة الأحزاب هي محاولة فقط لتهدئة غضب العراقيين، حيث لا أجهزة الدولة تملك القدرة عمليا على القضاء على خلايا داعش، ولا السلطة السياسية لديها الإرادة لتحقيق ذلك، بل العكس تماما فتصرفاتها وسلوكياتها كلها عوامل مؤججة للتطرف.

ووفق بيانات الأجهزة الاستخبارية فإن عناصر داعش المتواجدين حاليا في العراق محليون وليسوا أجانب، وهؤلاء لديهم حواضن شعبية.

وتشكل الطبيعة الجغرافية التي تمتد على مساحات شاسعة من صحراء الأنبار وصلاح الدين والموصل حتى ديالى عاملا مساعدا لهذه العناصر، حيث يصعب رصدهم ومواجهتهم من قبل القوات العراقية.

وتتبع هذه العناصر أسلوب المباغتة مثلما حصل في هجوم المقدادية الأخير، حيث أقدم مسلحو التنظيم قبل أيام على اختطاف عدد من أبناء قرية الرشاد وطالبوا بفدية، وأثناء ذهاب ذوي المخطوفين لتسلم أبنائهم مقابل الفدية، فتح عناصر التنظيم النار ما تسبب في هلع للأهالي الذين هبوا إلى مكان الحادث، فكان أن سقطوا في كمين النيران الكثيفة لعناصر التنظيم.

وسبق أن صرح المحلل السياسي جبار المشهداني لـ”العرب” بأن “القضاء على خلايا داعش التي تعتمد على حرب العصابات لا يمكن أن يتحقق بالاتكال على الحرب النظامية وأن الحل الأمثل يكمن في عقد مصالحة مجتمعية، وطمأنة المجتمعات التي تتواجد فيها مجاميع التنظيم وجعل أهل الأرض يمسكون الأرض”.

وقال “بغير ذلك لو تأتي بأكبر من الجيش العراقي فلن تنجح، العيب ليس في الجيش العراقي، ولكن هذا النوع من الحروب يحتاج إلى معلومة استخبارية، وبيئة محلية متفقة مع السلطات في الهدف، ولكن أن تشكك بولائهم وتشكك بانتمائهم وتعاملهم كمواطنين من درجة خامسة، فهذا لا يمكن فيه الحصول على تعاونهم أو تعاطفهم”.