أدهـم عبدالهادي السعدي

الجنوب على اعتاب مرحلة جديدة .. قراءة في التحركات المفصلية وتحديات بناء الدولة

وكالة أنباء حضرموت

تمثل التحركات الاخيرة التي قام بها المجلس الانتقالي الجنوبي، وما رافقها من سيطرة القوات الجنوبية على وادي حضرموت والمهرة، لحظة مفصلية في تاريخ الجنوب المعاصر. هذه التطورات لم تعد مجرد إجراءات امنية او اعادة انتشار عسكري، بل غدت حدثاً سياسياً بأمتياز اعاد رسم المشهد على كامل الجغرافيا الجنوبية، مؤكداً ان الجنوب اصبح اليوم في قبضة ابنائه وتحت قيادة موحدة يمثلها 
الرئيس/ عيدروس بن قاسم الزبيدي.

لقد شكل انتشار القوات المسلحة الجنوبية في أخر مناطق الوادي والصحراء والمهرة نهاية لحقبة طويلة من التجاذبات و الازدواجية، وبداية لواقع جديد تتضح فيه ملامح مشروع دولة الجنوب العربي بشكل اكبر من اي وقت مضى. هذه الخطوة لا يمكن فصلها عن مسار نضالي طويل، ولا عن تطلعات شعب صبر عقوداً ليصل الى لحظة يشعر فيها بأن الارض التي يدافع عنها تعود اليه فعلا وادارة وقرارا.

ومع ذلك، فإن هذه التحولات الكبيرة لا تعني ان الطريق اصبح ممهدا بالكامل او خاليا من التحديات. فالجنوب يقف اليوم امام استحقاقات تتطلب جهدا مضاعفا، اهمها تثبيت الامن في المناطق المحررة، واعادة ضبط المؤسسات، وبناء منظومة خدمات مستقرة، الى جانب التحديات الاقتصادية التي تتطلب رؤية واقعية وادارة مسؤولة للموارد. كما ان المرحلة القادمة ستشهد ضغوطا سياسية اقليمية ودولية تستوجب تعاملا هادئا وذكيا يحافظ على المكاسب المحققة ويجنب الجنوب اي هزات غير ضرورية.

وفي مقابل هذه التحديات، تبرز الحاجة الى توافق جنوبي اوسع من اي وقت مضى. فقد اصبحت اللحظة تستدعي طي صفحات الخلافات القديمة وازالة ما بقي من جدران التباعد بين القوى الجنوبية. الجنوب اليوم بحاجة الى كل ابنائه دون استثناء، والى خلق بيئة سياسية منفتحة تستوعب الجميع وتحتوي الجميع، بعيدا عن منطق الاقصاء والحسابات الضيقة. فالمصلحة العليا للجنوب يجب ان تعلو فوق كل المصالح الشخصية والحزبية والمناطقية، لأن المشروع الوطني الكبير لا يمكن ان يكتمل الا بتكاتف وتلاحم ابنائه.

ان ما تحقق من انتصارات في حضرموت والمهرة يعيد توحيد الجغرافيا الجنوبية نحو هدف مشترك . لكنه في الوقت نفسه يضع الجميع امام مسؤولية تاريخية. فا للحظة الراهنة بحاجة الى وعي سياسي ونضج وطني، والى خطاب ايجابي يعزز الثقة ويطلق روح الشراكة الوطنية، حتى يصبح الجنوب قادرا على التقدم بخطوات ثابتة نحو اعلان دولته المنشودة على ارض صلبة ووحدة داخلية متماسكة.

وفي خضم هذه المرحلة، فإن المطلوب هو ان يرتفع الجميع الى مستوى الحدث، وان ينظروا الى المستقبل بعيون تتجاوز الانقسامات، ليكون الجنوب وطنا يتسع لكل ابنائه، ودولة قادمة تستحق التضحيات التي قدمت من اجلها.