د. عيدروس نصر النقيب

محاربة وتجويع الشعب الجنوبي.. حكمة أم حماقة

وكالة أنباء حضرموت

 

لم يعد خافياً على أحد أن ما يعيشه الشعب الجنوبي من حروب الخدمات وسياسات التجويع وحشد الحشود الخفية والمعلنة باتجاه إجبار الجنوبيين على العودة إلى “بيت طاعة” جماعات ٧/٧، و ٢١ سبتمبر، . . أقول لم يعد خافياً أن هذا يتم بفعل فاعل، ونتيجة سياسات ممنهجة تستهدف حصار الشعب الجنوبي ولي أذرع أهله وإخضاعه لنهج وسياسات تحالف النازحين والغاصبين معاً.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل هذه السياسات تنم عن حكمة ودهاء سياسيين؟ أم عن حماقة وغباء تنفيذيين؟ أم عن توجه آخر لا يعلم خفاياه إلا الله والراسخون في ثقافة الاستكبار والفساد والاستقواء؟
سيقول قائل (بل وقد قالها لي الكثيرون من الزملاء الحريصين على الوحدة اليمنية) إن محدودية الإمكانيات وشحة الموارد هي السبب في تدهور الخدمات وتراجع مستوى الحياة المعيشية في المناطق المحررة،(أي في محافظات الجنوب خصوصاً)، لكن الحقيقة أن البلد التي تمنح رئيسها راتباً شهرياً يقدر بما يقارب ثمانمائة الف دولار شهريا، ( المصدر في التعليق الأول) ويمنح نوابه أكثر من نصف هذا المخصص ووزراءه قريبا من ثلث هذا المخصص، لا يمكن أن يكون محدود الموارد ولا شحيح الإمكانيات.

في زمن الرئيس الشهيد سالم ربيع عليه(سالمين) عليه رحمة الله كان راتب الرئيس ٢٠٠٠ دينار، أي حوالي ٥٧٠٠ دولار، وحينما صدر قرار تخفيض الرواتب، الذي ظل المزايدون يتعاملون معه بسخرية، انخفض راتب الرئيس ه ورواتب زملائه ممن في مستواه أو أقل من الوزراء ومن في حكمهم إلى النصف، ولم يكن الشعب يعاني من المجاعة أو انهيار في الخدمات، لكن كان هناك نقصُ في بعض الاحتياجات غير الضرورية والكماليات، ولم يغب التململ أو الغضب الصامت، بيد أن ساعات الكهرباء لم تعرف انقطاعاً، فضلا عن الخدمات الطبية المجانية الشاملة ما بين المقابلة والفحص حتى العمليات الجراحية المعقدة،وكذا التعليم المجاني واخدمات مياره الشرب والبلدية التي لم تعرف تقصيرا قط.
أما اليوم فإن القادة يتقاضون مئات الآلاف من الدولارات، بينما تعيش غالبية الشعب حالة الفقر المدقع والمجاعة الحقيقية السافرة وليس المجازية.

وبالعودة إلى السؤال عنوان هذا المنشور فإن الرد قد ورد على لسان العديد من النافذين ومفاده إن توفير الحياة المستقرة في الجنوب سيدفع الجنوبيين إلى الانفصال، . . . .فبالله عليكم إيهاب القراء الكرام: هل هذا النوع من التفكير يعبر عن ذكاء وحكمة سياسية أم عن غباء وحماقة فكرية، أم عن حقد وكراهية وضغينة طبقية وعنصرية جهوية واستعلائية؟
إنه أمرٌ في غاية العجب والغرابة أن يقوم قومٌ متسلطون بممارسة التعذيب والقهر والإذلال بحق شعبٍ من الشعوب وينتظرون منه أن يهيم بهم حباً وعشقاً وإعجاباً!!!
يا هؤلاء!!
في كل شعوب الدنيا يحرص المتنافسون السياسيون على استرضاء الشعوب وتقديم المغريات ووسائل الجذب لأفرادها ومواطنيها حتى ترضى عنهم شعوبهم وتمنحهم أصواتها في الدورات الانتخابية إلا أنتم تقومون بتحقير الشعب وحرمانه من أبسط حقوقه وتعتقدون أنه بذلكم سيرضى عنكم ويلتف حولكم ويؤيد وحدتكم الميتة التي تحاولون بعث الحياة في عظامها الرميم.
وخلاصة القول!
إن ممارسات الحكام الوافدين مع الشعب الجنوبي من تعذيب وحرمان وتجويع ومحاولات القهر والإذلال وكسر الإرادات هي خليط من السياسات تتداخل فيها عناصر الهمجية والاستعلاء، والمكائد السياسية، ومحاولات الإخضاع والتركيع، فضلا عن محاولات تخليد النتائج الكارثية لحرب ١٩٩٤م، وتقاسمها مع غزاة ٢٠١٥م.
لكنني إجزم أن العنصر الأساسي في هذه السياسات هو الغباء السياسي، القائم على ازدراء أبناء الجنوب والنظر إليهم على أنهم مجرد باحثين عن لقمة عيش ومهزومين في الحروب، ينبغي أن يخضعوا لشروط المنتصرين، رغم أن هؤلاء المنتصرين قد هُزِموا وهربوا من ديارهم ولم يجدوا ملاذاً يأوون إليه سوى الجنوب وأرضه وأهله الذين يمارسون عليهم تلك السياسات الخرقاء.

مقالات الكاتب