د. أمين صالح العلياني

ثورة 14 من أكتوبر استلهام قيم الماضي وإرساء دعائم الحاضر واستشراف آفاق المستقبل

وكالة أنباء حضرموت

 المحور الأول:

يمكن استلهام من ماضي ثورة 14أكتوبر المجيدة القيم والنضال والكفاح والمقاومة والمبادئ والمواقف الثابتة.

إن الدعوة إلى استلهام قيم ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة 1963م من أجل إرساء دعائم الحاضر واستشراف آفاق المستقبل, حسبما جسدتها مجريات الماضي من منطلق الحرص على ترسيخ وتوثيق تاريخ الثورة المجيدة حتى نيل الاستقلال لهو حدث كبير وتاريخ ناصع البياض، ويعدّ هذا الاستلهام رمزية ذكروية عابقة بالمجد والخلود ومغازي رمزية تدعو إلى حتمية استلهام تلك المحطات النضالية والكفاحية معًا من أجل إرساء دعائم الحاضر، الذي تكلل في تحقيق استقلال ناجز وآفاق مستقبل تأسست على مداميكه دولة جمهورية الجنوب الديمقراطية الشعبية. وعلى وفق هذا صنعت ثورة14 أكتوبر المجيدة من الزمن حركية ثورية متجددة تستلهمها الأجيال في سهولة عشق الحرية، واختيار مسارات النضال، وتستمد منها فدائية الكفاح، واستمرار ثبات المقاومة.

وتعد قراءة صفحات ماضي ثورة أكتوبر المجيدة في الجنوب في تلك الفترة حتى اليوم والتمعن فيها عملًا مضيئًا تسترشد منه الأجيال الفوائد والعبر العظام، وتستمد منه النضال والكفاح والمقاومة، وارساء المبادئ والقيم والمواقف كي تشق من دربها المأمول نحو المستقبل المنشود في استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة في الوقت الراهن.

المحور الثاني:

انصهار ماضي أكتوبر وحاضره في ذاكرة جمعية تجعل قراءة افاق مستقبل الجنوب اليوم حتمية واقعية متجددة.

   ما الذي يجعل هناك ضرورة قصوى لتوثيق تاريخ النضال الثوري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي لشعب الجنوب بين أكتوبر الأمس واليوم؟ ولمَ يتوجب عليه أن يكتب حكايته؟.

ما الذي يفيد القارئ حين يسلط الضوء على ماضي أكتوبر وثورته المجيدة؟. وهل يضيء ماضي أكتوبر على حاضره اليوم؟، وهل يفيد في استشراف آفاق مستقبل جنوبنا المعاصر المأمول؟.

كيف يمكن أن يؤدي استلهام الذاكرة إلى تعزيز قيم التضامن والدفاع عن القضية الجنوبية العادلة وتحريرها من الرهانات المحدقة بها وحولها؛ بوصفها تحديات ماثلة يجب أن تتجاوزها بكل الطرق الممكنة بعد أن تحول الجنوب أنموذجاً لتواصل الأجيال في التعاون المشترك نضالًا وتضحية ومقاومة وفداء؟.

وكيف تمكنت ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م من أن تكون أنموذجاً لترسيخ وعي الدول والشعوب العربية في النضال والكفاح المشترك ضد الاستعمار؟. فهل باستطاعة الجنوب أن يستفيد من تلك الرؤى، ويخرج بمشروعه التحرري منتصرًا إلى حضن شعبه ومحيطه العربي والدولي.

  ومن هذا المنطلق لقد تجسد في الجنوب ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا ذاكرة أجيال وشعب فردية وجمعية، وليس هذا فحسب، بل وذاكرة تاريخية وحضارية وتواصلية زمنية، وذاكرة مشروعية نضال شعب؟ وذاكرة عدالة قضاياه المصيرية؟.

    وعلى وفق ذلك نستنتج أن الذاكرة التي امتلكها هذا الشعب في الجنوب هي ذاكرة رصيد متراكم من النضال والكفاح والمقاومة في الماضي والحاضر والمستقبل مما جعل حركية التواصل بين الأجيال ضمانة ولبنة أساسية في دعم العمل السلمي والثوري والنضالي والكفاحي الذي يسهم في صناعة ثورة تواصلية وفضاءات مفتوحة في مدّ الجسور بين الأجيال. 

وعلى نسقية هذا تستحضر الأجيال الجنوبية اليوم الذاكرة الثورية والكفاحية وجسور المقاومة معًا بوصفها ضرورات حتمية تجعل الحاضر يستدعي الماضي، خاصة إذا كان الحاضر يشهد تمزقًا وتشظيًا بفعل التدخلات الخارجية من جهة وتناوب الاحتلال اليمني الغاشم على مشروع دولة مستقلة دخلت معه في وحدة غدر بها في مهدها الأول وصارت اليوم قضيته ومطلبه المتمثل في استعادة دولة الجنوب كاملة السيادة. 

   ومن المهم المعرفة التفصيلية للأحداث المفصلية في تاريخ الجنوب، كما شهدها وشهد عليها من عاشوها، نساء ورجالًا ورؤساء وزعماء ودول.

وحين نروي ما حدث لجنوبنا الحبيب نفهم ذاتنا الجمعية أكثر؛ إذ نحن نتذكر بالحاضر، فالحاضر والماضي متلازمان، وهذا يساعد الأجيال على فهم المستقبل.، ومعرفة الأحداث المفصلية تفضي إلى سؤال منطقي لاحق: كيف حدث التشظي للجنوب بعد الاحتلال اليمني الهمجي الغاشم والمتعاقب منذ غُدر بالوحدة حتى اليوم؟.

وعبر السرد الذي يتحول إلى حكاية، يعرف المثقف ذاته، ويفهمها أكثر، كما يساعده السرد على معرفة الآخر؛ لأن الذاكرة الجمعية ليست حنينًا جمعيًا إلى الماضي، بل هي منهجية تساعد القارئ الجنوبي على إدراك متى وكيف تُسهم الذاكرة نفسها في صياغة الحاضر والمستقبل معًا.

   وما أحوج جنوبنا الحبيب اليوم إلى الاهتمام بدراسات الذاكرة الجمعية لتاريخه، التي تجمع بين تخصصات علمية سوسيوثقافية؛ (تاريخية وسوسيولوجية وأدبية ونفسية وفلسفية) تساهم في الإطلالة العلمية على الماضي بتقنيات الحاضر، وتستجيب لتحديات العصر، وتمثلات المستقبل. 

يبقى سؤال مهم ورئيس وحيوي: هل يمكن أن تكون الذاكرة (المادية واللامادية) وسيلة تواصل بين أجيال أكتوبر الأمس وأكتوبر اليوم؟ وكيف يمكن لجيل اليوم، الذي يتواصل عبر فضاءات إعلامية، أن يدعم العمل الجنوبي نحو وحدة الصف الجنوبي عبر حوار جنوبي جنوبي شامل وفاعل ينتصر لعدالة قضيته ومشروعية استعادة دولته؟.

أعتقد أن أهم ما يمكن أن يضمن التواصل بين الأجيال ارتفاع سقف الحريات في جنوبنا الحبيب، والعمل الديمقراطي، الضامن لوحدة الصف والعمل المشترك الجاد لمصلحة عدالة القضية الجنوبية بوصفها قضية هوية ووطن لا تقبل المساومة ولا التنازل، ويكون الشباب شركاء في مواقع صنع القرار كافة، بالإضافة إلى أهمية فتح المجال أمامهم للعمل ذكورًا وإناثًا، وهناك أهمية كبرى لتوظيف الذاكرة والهوية الجنوبية في الفنون كافة، ما يضمن التواصل بين الأجيال، فليس أسرع ولا أعمق من الموسيقى، والأدب، والفن التشكيلي، والمعارض الفنية، والمسرح، والسينما، وعروض الحكي، من الدخول إلى عقول وقلوب الشباب، والتأثير فيها.

المحور الثالث:

استلهام ماضي أكتوبر 1963م، بمناسبة الذكرى ال60 على مرورها والشعب الجنوبي متشبع بمضامين وحمول تاريخية قوية وراسخة وعلى وفق مبادئ ثابتة 

يمكن أن نوجز أهم محطاتها في الآتي:

– صارت ثورة الرابع عشر من أكتوبر بين الأمس واليوم محافظة على النسق التاريخي والنضالي والكفاحي لمصير شعب قاوم بكل صنوف المقاومة والنضال والكفاح والتضحية ضد مستعمر اجنبي، ومحتل يمني همجي عبثي.

– صارت ثورة 14 من أكتوبر محطة تاريخية تزود الأجيال بما يمكن أن يستلهموا من ذكراها وذاكرتها ومغزاها عِبر الماضي، وتفعيل دعائم الحاضر، واستشراف آفاق المستقبل.

– صارت ثورة 14 من أكتوبر الأمس المجيدة ملهمة في حل كثير القضايا الداخلية التي حدثت وعانى منها الجنوب، بهدف أن يتفرغ اليوم لحل آثارها، ولم شتاتها، والاستفادة من أخطاء ماضيها، وانصهارها في بوتقة عمل مشترك احتضنها المجلس الانتقالي الجنوبي عبر حوار جنوبي جنوبي شامل ومستمر لا يستثني أحدًا بوصفه الكيان السياسي المفوض شعبيًا والمظلة الجامعة، والممثل الوحيد في الحديث عن القضايا السياسية والخارجية المهمة لشعب الجنوب.

– صارت ثورة 14 من أكتوبر الأمس محطة نضال وكفاح تكللت باستقلال ناجز وتمثٌل في ملامح أكتوبر اليوم جوابًا كافيًا على الذين يشككون في عدم قدرة قيادتنا السياسية في استعادة دولة الجنوب الى حضن شعبها، ومحيطها العربي والدولي سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا بعد أن قد قطعت شوطًا كبيرًا في المسارات السياسية والتفاوضية، وطهرت غالبية أراضي الجنوب من المحتل اليمني الشمالي الهمجي العابث. 

– صارت ثورة 14 من أكتوبر الأمس خطابًا ثوريًّا وسياسيًّا على مستوى القضايا الداخلية التي كانت تتطلب إجراءات منتظرة وحاسمة حتى جاءت أكتوبر اليوم على وفق تدبير الإصلاحات الداخلية نفسها بحيث جاءت بوادر عملية الهيكلة من المركز الى الفرع والتدوير الوظيفي ضرورة حتمية، ومسارا إيجابيًّا وضمانًا لاستمرار التحديث في هياكل المجلس ودوائره المؤسسية بعيدًا عن الازدواجية في المهامات والاختصاصات التي رافقت بعض الهياكل التنفيذية ويجب إصلاحها حسب ما تقتضيه المصلحة العامة والعليا.

– لقد صارت ثورة 14 من أكتوبر في الأمس ما يمكن عدها ثورة ناجزة حققت أهدافها، وصارت ذكرى تاريخية مناسبة لاحتفالات الشعب الجنوبي؛ لكن أكتوبر اليوم في عمقها السياسي والتاريخي والنضالي، بوصفها محطة متجددة تمنح الوعي الحاسم لدى الشباب الجنوبي ببطولات الآباء والأجداد الذين أسهموا في حرية واستقلال الجنوب من مستعمر أجنبي ومحتل يمني همجي عابث مماثل وزيادة.

– إن ثورة 14 من أكتوبر الأمس بحمولتها ولغتها ومفرداتها، هي نفسها في أكتوبر اليوم ولكن بوتيرة عالية وعزيمة قوية من حيث النضال والكفاح والعمل الجاد؛ بالرغم من التحديات الداخلية والخارجية.

د.أمين صالح أحمد غالب العلياني

أستاذ الأدب الحديث والنقد المشارك

كلية صبر للعلوم والتربية-جامعة لحج