حول العمل مع ورثة الرئيس السابق

1

ما سأتناوله هنا هو مجموعة من الآراء الشخصية التي لا تعبر بالضرورة عن أي جهة سياسية أو حزبية أو مهنية أنتمي إليها أو قد يحسبني البعض عليها، فما أنا محسوبٌ إلا على نفسي فقط، أما ما عدا ذلك فهو مساهمات طوعية في مواقف ارتأيت أنها تتفق مع رؤيتي لصيرورة الأحداث ومع القيم التي أؤمن بها.

2

الدعوات والتحركات والأخبار عن تقارب بين المجلس الانتقالي الجنوبي، وورثة الرئيس علي عبد الله صالح، لم تعد سراً وهي من المفترض أنها تسير في اتجاه توسيع قاعدة الرافضين للمشروع الإيراني في اليمن، وهكذا ينبغي (أو كان ينبغي) أن تسلك كل المكونات السياسية المدنية والمسلحة منذ يوم الانقلاب في العام 2014م وعلى قاعدة المقاومة بكل الوسائل للمشروع الحوثي-الإيراني.

 3

ومع ذلك ولتجنب المطبات التي قد تنشأ في سياق بناء أي تحالفات لا بد من المصارحة بخصوص قضايا كثيرة، أهمها، فيما يتعلق بالجنوب والمجلس الانتقالي (كما أرى)، أن يعرف من يود التحالف معهم أن هناك قضايا لا يمكن القفز عليها أو نسيانها أو شطبها من ذاكرة التاريخ، ولو حاول كائن من كان ذلك، فإن ذاكرة الشعوب هي على الدوام أصدق وأدق من كتابات المؤرخين وأقوى من أسلحة المسلحين.

4

لن أتحدث عن جرائم حرب 1994م ولا عن سياسات الإبعاد والإقصاء والتهميش والقتل المباشر والبطيئ التي تعرض لها أبناء الجنوب على مدى أكثر من ربع قرن من العذابات المخططة والممنهجة.

كما لن أتحدث عن جرائم القتل المتعمد الذي ارتكبته قوات الفرقة الأولى المدرعة، والحرس الجمهوري والأمن القومي والأمن المركزي، وهي الأجهزة التي كان يتحكم فيها ورثة الرئيس السابق، والتي بلغ ضحاياها عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعوقين، فضلا عن مئات المعتقلين وما تعرضوا له من إهانات وتلفيقات ومحاولات انتزاع اعترافات بالقوة بجرائم لم يرتكبوها، وما تلا ذلك من أحكام جائرة صدرت بحق البعض بلغت الإعدام في حالات كثيرة.

لن أتحدث الآن (بالذات) عن هذه القضايا، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال إسقاطها أو شطبها من ملفات القضية الجنوبية، لكن معالجتها لا بد أن تكون بخطوات عملية وليس بمقالات أو منشورات أو تغريدات أو حتى اعتذارات مكتوبة، وفي رأيي الشخصي أنه يجب أن تطرح على طاولة النقاش مع من يرغب في التحالف أو الاتفاق مع المجلس الانتقالي الجنوبي، حتى وإن لم تتخذ بشأنها قرارات عملية في هذه اللحظة.     

5

ما ينبغي التعرض له بوضوح هو القضية المحورية لكل أبناء الجنوب، من شرقه إلى غربه، ومن بحره وجزره إلى صحرائه وجباله، وهي القضية التي في سبيل علو رايتها دفع آلاف الشباب الجنوبيين أرواحهم راضيين مرضيين، ومن أجلها يتجرع اليوم ملايين الجنوبيين مرارات التجويع والحصار والحرمان من أبسط متطلبات الحياة التي عرفها أجدادهم قبل قرن ويزيد حينما كانت كل شعوب الجزيرة العربية ومنها الشعب الشمالي الشقيق تنظر إلى عدن ومدن الجنوب على إنها قبلة الحضارة والتطور والمدنية والرقي.

ما أعنيه هنا هو ما صار معروفًا لكل ذي عينين، وهو حق الجنوبيين في استعادة دولتهم كاملة السيادة على كل أرض الجنوب بحدود 21 مايو 1990م.

أن شرط الإقرار بهذا الحق للجنوبيين الأصليين يجب أن يكون محل اتفاق وغير قابل للتسويف أو المماطلة، وبدونه فإن أي اتفاق لم يكون بالنسبة لغالبية الجنوبيين سوى فخ أو خديعة لا تختلف عن اتفاقية 30 نوفمبر 1989م التي جلبت كل هذه الويلات للجنوب والجنوبيين ولا عن وثيقة العهد والاتفاق التي وقعت لتوأد أو اتفاق الرياض وغيره من المخرجات التي مزقت قبل جفاف الحبر الذي كتبت به.

 

من أراد أن يتحالف مع الجنوب والجنوبيين على هذا الأساس مع عدم إسقاط استحقاقات ضحايا القمع والتهميش والاضطهاد والقتل، فإهلا به ومن أراد أن "يشعل سراجه لجل يطفي سراجي" كما قال الفنان العظيم المرحوم محمد مرشد ناجي، فليبحث عن سبيل آخر

مقالات الكاتب