د عيدروس نصر النقيب

ماذا يراد من القوات المسلحة الجنوبية؟

وكالة أنباء حضرموت

منذ توقيع اتفاق الرياض في 5 نوفمبر 2019م، ظل حديث الإعلام (المحسوب على الشرعية ومنه المتهجم عليها) لا يرى في اتفاق الرياض إلا دمج القوات الجنوبية تحت وزارة الدفاع ووزيرها المقدشي، ولا يتحدث عن أي شيء آخر، لا عن تحسين الخدمات، وبالأصح توفيرها بعد أن صارت في حكم المنعدمة، ولا عن منح مرتبات الناس المتوقفة منذ أشهر وسنوات، ولا عن تفعيل أجهزة الدولة المغيبة عمداً، ولا عن دحر القوات الحوثية وهزيمتها واستعادة  العاصمة صنعاء، ولا حتى عن عودة رئيس الجمهورية (حينها) إلى العاصمة عدن.
كانت المديريات والمحافظات الشمالية تتساقط بأيدي الحوثيين واحدةً تلو الإخرى، وهذا الإعلام لم يندد بما يجري وحتى لم يتساءل عن أسباب هذه الفضائح العسكرية المتتالية، بل ظل يندد بعدم انصياع عيدروس الزبيدي بالموفقة على  ضم القوات الجنوبية تحت قيادة المقدشي الذي كانت قواته تسلم المديريات والمحافظات والمعسكرات ومحازن الأسلحة للحوثيين، حتى وصلوا إلى مديريات بيحان الثلاث في محافظة شبوة الجنوبية، واستلموها نهارا جهارا دون إطلاق رصاصة واحدة من قبل “الجيش الوطني الهمام”.

منذ أيام قليلة زار وزير الدفاع جبهة باب المندب وقبلها زار الضالع ولحج وأبين، ومناطق جنوبية أخرى من تلك التي لم تساهم قواته بطلقة رصاص واحدة في تحريرها، وفي باب المندب تحدث المقدشي أمام أفراد وقادة القوات المرابطة في هذه الجبهة “معبراً عن التقدير والاعتزاز بتضحياتهم الغالية في خدمة الوطن والذود عن دولته واستقراره وسلامته”، كما أوردت المواقع الصحفية والإعلامية الناطقة باسم “الشرعية” والقريبة منها.
حديث المقدشي ذكرني بنفس الكلام الذي كان قد قاله لأفراد وقادة “الجيش الوطني” الشرعي في مأرب وجبهات نهم والجوف عند زيارته لهم، ولم تمض أسابيع على هذه الزيارة وقول المقدشي ما قاله حتى سقطت تلك المناطق بيد القوات الحوثية بـ”سلام وأمن واستقرار”.


لا أخفي أن قشعريرةً انتابتني وأنا أستمع إلى كلام المقدشي وولدت لدي خوفاً من أن يتكرر  في باب المندب وبقية المناطق المحررة ما جرى في نهم والجوف ومأرب بعيد خطابات المقدشي هناك.

ونأتي للسؤال: ما سر هذه الإلحاح على دمج القوات الجنوبية لتعمل تحت قيادات من أشباه المقدشي وعلي محسن؟
أحد الطيبين قال معلقا على هذا السؤال: إنهم يريدون من القوات المسلحة الجنوبية أن تحرر لهم صنعاء كما حررت الجنوب وكما حررت لهم مديريات الساحل الغربي بالاشتراك مع قوات المقاومة التهامية،  وملثما حررت مديريات بيحان وحريب.


هذا الرأي على ما فيه من سطحية وتبسيط يمكن أن يكون صالحاً لو أن تعداد “الجيش الوطني” أقل من تعداد القوات الجنوبية، أو لو أن سكان الشمال أقل من سكان الجنوب، أو لو أن الجيش الوطني لم يسلم المحافظات الشمالية طوعياً للجماعة الحوثية، أو لنقل لو أن القيادة العسكرية “لوزارة الدفاع”  صادقة في محاربة الحوثيين، لكنه لا يصلح ولا ينطبق طالما ظل القادة “الشرعيون” أكثر وداً مع الحوثيين وأكثر حرصاً على بقاء هذه الجماعة مهيمنةً على مساحة الجمهورية العربية اليمنية (السابقة) وأكثر تودداً إليها لإشراكها إياهم  في إدارة البلد بأي نسبة وبأي ثمن.


ما يراد للقوات الجنوبية هو الذوبان داخل قوائم الأسماء الوهمية وتفتيتها وتشتيتها وتدمير ما يمكن تدميره من وحداتها، والتصفيات الجسدية لما أمكن من قادتها، وإرسال من يمكن إرساله من الوحدات والأفراد إلى محرقة المهزلة التي يسمونها “الحرب على الحوثيين”،  وللقارئ الكريم أن يتخيل كيف ستمضي الأمور في مواجهة الجماعات الإرهابية الداعشية والقاعدية والحوثية عندما يكون من يصدر لها الأوامر والتوجيهات هم قادة من أمثال المقدشي ومن على شاكلته من تلاميذ مدرسة علي عبد الله صالح وعلي محسن الأحمر.
القوات الجنوبية أمنية كانت أم دفاعية يجب أن تظل جنوبية وعلى أرض الجنوب وتحت قيادة جنوبية مخلصة، وأن لا تخضع لقيادة صناع الهزائم ومحترفي الفشل، ولتبق القوات الشمالية تحت أي قيادة تريدها القيادات الشمالية، مع واجب توجيه كل جندي وضابط شمالي لمواجهة الحوثيين وتحرير الشمال واستعادة الدولة وعاصمتها وهي أهم المهمات أمام كل من يريدون استعادة دولتهم، وليست حماية أبار النفط الجنوبية ومصالح الناهبين وترك الأرض الشمالية للحوثيين.
وإذا كان على القوات الجنوبية من مساندة ودعم للأشقاء في الشمال في دحر الجماعة الحوثية فلن تكون القوات الجنوبية وحدها هي من يحرر الشمال من جزءٍ من أهله، فأهل الأرض أولى بتحرير أرضهم وما لم يحرر الشماليون أرضهم فلن يحررها لهم غيرهم.


أما إذا ما كانت أغلبية الشعب الشمالي لا تكترث لهزيمة “الشرعيين” أو انتصارهم أو إنها قابلة للعيش تحت سلطة الحوثيين، بينما تتخلى القيادات الشمالية “الشرعية” عن الشمال وتتركه للحوثيين وتطلب من الجنوبيين أن يحرروه لها وتتفرغ هي لتحكم الجنوب، فإن هذا لا يمثل إلا استهزاءً بعقول الناس وقدراتهم الذهنية، فضلاً عما يمثله من عبثٍ بمصير الشعب الشمالي الشقيق وخيانةٍ لدما وأرواح شهدائه منذ زيد الموشكي والثلايا مروراً بعلي عبد المغني والزبيري وعبد الرقيب عبد الوهاب، حتى نايف الجماعي وعبدالرب الشدادي وعدنان الحمادي وربيش وهبان وسواهم عليهم رحمة الله جميعاً

مقالات الكاتب