د. فائز سعيد المنصوري

حضرموت ليست حقل تجارب؛ ارتجال المجلس الانتقالي وعبثية الغباء السياسي

وكالة أنباء حضرموت

رغم التضحيات الجسيمة التي قدّمها أبناء الجنوب وحضرموت منذ اجتياح الحوثيين وأذنابهم في عام 2015م، لا يزال المجلس الانتقالي الجنوبي أسيرًا للماضي، عاجزًا عن مجاراة التحولات الراهنة. فبدلًا من تقديم مشروع سياسي يحتضن كل أبناء الجنوب وحضرموت، يواصل قادته استدعاء تجربة "دولة الجنوب السابقة"، بل يهدد رئيس المجلس أبناء حضرموت في حال استمرار حلف قبائل حضرموت برفع شعار الحكم الذاتي، ملوّحًا باستخدام قواعده وأنصاره في حضرموت لمواجهة الحلف، مستلهمًا في ذلك سياسة الجبهة القومية مع خصومها السياسيين. وقد استغل رئيس المجلس الانتقالي في وادي حضرموت، محمد الزُبيدي، هذا التصريح كحافز لإرسال تهديد باستخدام قوة قوامها ثلاثمئة ألف مقاتل، إذا لم ينصع رئيس حلف قبائل حضرموت لتوجيهات الرئيس عيدروس، بدلًا من تبني نهج تشاركي مع المكونات الحضرمية والانفتاح على مطالبها، وكأن حضرموت مجرد حقيبة سفر يحملها معه متى شاء وإلى حيث شاء، متناسيًا أن حضرموت هوية وتاريخ، وإن ضعفت في حقبة ما، فإنها لم تفقد الأمل في العودة إلى مكانتها.

إن استدعاء "الدولة الجنوبية السابقة" في خطاب قادة المجلس وإعلامهم، وكأنها النموذج الأمثل للحكم الذي ينبغي استعادته، يُعد تجاهلًا صارخًا لما شاب تلك الحقبة من صراعات سياسية دامية، واختناقات أمنية واقتصادية عانى منها أبناء الجنوب عامة، وحضرموت خاصة، وراح ضحيتها الآلاف. ومن يتأمل تلك الحقبة التي يُمجّدها المجلس الانتقالي، يدرك أنها كانت مليئة بالأزمات الحادة في مختلف مناحي الحياة، حتى باتت الطوابير سمة يومية للحصول على أبسط الاحتياجات، بما في ذلك بطاريات الكشاف. ورغم هذا الواقع القاتم، يروّج المجلس الانتقالي اليوم في الشارع الجنوبي لنفس الرموز القديمة، ويعمل على إعادة تدويرها، متناسيًا إخفاقاتهم وسجالاتهم الدموية. لقد تحوّل المجلس، باختصار، إلى بوابة تمهيدية لعودة "حزب الرفاق"، الحزب الذي أثبت فشله الذريع في إدارة الجنوب سياسيًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا، وثقافيًا.

آن لحضرموت أن تتحدث بصوتها، وتتحرر من أسر المشاريع المفروضة عليها، فلا تُبنى الدول بالشعارات، ولا تُدار الأوطان بمنطق الغلبة. إننا بحاجة اليوم إلى مشروع وطني حضرمي جامع، يُعيد لأهلها الثقة، ويمنحهم القدرة على صياغة مستقبلهم بعيدًا عن الوصاية والارتجال السياسي.

وهنا ملاحظة لا بد منها: إن توصيف الأحداث السياسية لا يعني تأييدًا أو معارضةً مطلقةً لأي مكون سياسي أو مشروع، بل يُقيَّم وفق مدى وضوح رؤيته، وقدرته على تحقيق تطلعات أبناء حضرموت على وجه الخصوص، بعيدًا عن الفوضى والتبعية.

حفظ الله اليمن، جنوبًا وشمالًا، وحضرموت من عبث المراهقات السياسية، وضيق أفق القيادات.

مقالات الكاتب