محمد عبدالله الموس
ثروتنا البحرية تتلوث
اتذكر اننا كنا ذات مقيل في منزل السفير احمد الحداد، وكان عضوا ضمن البعثة الدبلوماسية لمندوبيتنا في الامم المتحدة في نيويورك، كان ذلك قبل سنوات لا اتذكرها بالتحديد، لكن حضورها لا زالوا أحياء وسيقراون ذلك.
أخذنا الحديث في دهاليز متنوعة، لكن كان هناك حيز في الحديث حول الثروة السمكية نظرا لأن احد الحضور كان احد المستثمرين في احدى شركات الصيد البحري.
قال لنا سعادة السفير انه رأى اعلانا في احد مطاعم مدينة نيويورك يقول ان المطعم (سيقدم أسماك من انتاج خليج عدن)، ودفعه الفضول لمعرفة السر خلف هذا الاعلان وماذا يميز أسماك خليج عدن، وبعد السؤال قيل له ان خليج عدن يمتاز بأنه خال من الملوثات التي تتسبب بها عسكرة البحار.
اتذكر آنذاك ان المنتجات السمكية من خليج عدن كان يتم تصديرها الى كثير من دول شرق آسيا واوروبا وحتى بعض الدول العربية، وهي المتتجات التي لا تستهلك محليا مثل الحبار والشروخ والجمبري وحتى ريش زعانف بعض الحيتان، وكان الاصطياد حينها يخضع لرقابة شديدة، وكانت هناك مختبرات ممولة من الدول المستورده، وتخضع اسماك التصدير للفحص في هذه المختبرات لضمان جودتها وخلوها من الملوثات.
لا ندري عن الحال اليوم، لكن الضرر الذي لحق بكل مؤسسات الجنوب حتما وصل هذا الضرر الى القطاع السمكي، واخطر هذا الضرر يتمثل في ضرب التراكم المعرفي في اصطياد وفحص وتحضير الاسماك وحماية الثروة السمكية، هذا التراكم في المعرفة وتبادلها الذي انقطع بفعل تدمير المؤسسات التي تحتضن الكادر المتخصص الذي تبخر كما تبخرت كثير من صور التراكم المعرفي في الجنوب والمتمثل في الانسان، وسيحتاج الامر الى اجيال اخرى لإعادة هذا التراكم، ان لم تتم الاستفادة مما تبقى منه.
على ان اخطر ما سيصيب البحار هو حالة عسكرة البحر الاحمر وخليج عدن بفعل ما تخلفه البواخر العسكرية من نفايات ضارة نتيجة تواجدها المستمر بالاضافة الى الاضرار التي تسببها السفن التي تصيبها الصواريخ وتغرق بعضها، دفاعا عن غزة كما يدعي أصحابها.
لم يتغير شيء في همجية الحرب الصهيونية على غزة، وكل ما لمسناه هو ارتفاع الاسعار نظرا لارتفاع كلفة النقل ورسوم التأمين على السفن وحمولاتها، وسيذوق المواطن مزيدا من مرارة الفقر والجوع المزمن الذي تورثه الانظمة الانقلابية المتعاقبة.
ستضع حرب غزة اوزارها كيفما اتفق، وسيعاد تعمير غزة، لكن الاضرار البيئية التي تتعرض لها بحارنا ستبقى آثارها طويلا، وسيتضرر الصياد والمستهلك من آثارها الكارثية، وسيفقد خليج عدن ميزته كبحر خال من التلوث، تتفاخر مطاعم واسواق العالم ببيع منتجاته، وهي نتيجة طبيعية لعقول لا تحسب الثمن الباهض لخطايا أفعالها.
عدن
٦ مارس ٢٠٢٤م