صــلاح مبارك
بارشيد الذي قال لا !
يقول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه «إن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، وإن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل» ... هكذا هي أحوال الحياة اليوم نُولد وغداً نرحل.. وعلى الرغم من مرارة الفقد الأبدي إلا أن البشر يرحلون بأجسادهم ولكن تبقى أعمالهم و تأثيرهم ومحبتهم ومكانتهم باقية في القلوب بفضل أخلاقهم الطيبة وشخصياتهم المتميزة وحبهم لعملهم وإتقانهم وإخلاصهم له وعطائهم لمجتمعهم، وتظل ذكراهم عالقة في وجدان الناس يتداولونها ويتعظون بومضات سيرتهم العطرة .
وهذا اليوم فجعنا بنبأ رحيل الشيخ الفاضل علي عبدالله بامحروس بارشيد، واحد من الصالحين في هذه البلاد ولاؤه خالصًا لحضرموت الأرض والإنسان ، ومن منا في المكلا لا يعرف هذا الشيخ الفاضل بطيبته وسجاياه الحميدة ومواقفه مع الناس.. وعلى المستوى الشخصي عرفته قبل سنوات عديدة ، ربما الصدفة لعبت دورها وجدته في صباحات أيام شهر رمضان أمام بوابة ديوان محافظة حضرموت القديم ينادي عليٰا يا صحفي يا صحفي دون أن ينادي عليٓا باسمي .. ولما اجبته قال لي بكل تواضع أريدك تمر عليٓ معاي تمر «رمضان» أريدك توزعه على أسر محتاجة في المكلا والمساجد.. واستمريت على ذلك سنوات حتى انتقل سكني خارج المكلا القديمة.. وتبدلت الأحوال..
ربما المداومون في مكتب ديوان محافظة حضرموت ومكاتب الوزارات والمؤسسات الحكومية اكثر معرفة بالشيخ علي بارشيد من كثر تردده عليهم لا لطلب شخصي أو منفعة ذاتية بل كان - رحمه الله - يحمل هم منطقته وقضايا الناس ليضعها أمام هذه الجهات ..
و قد انطبع في أذهان العامة حضوره اللقاءات التي تعقدها قيادات الدولة والحكومة والسلطة في مدينة المكلا بما فيها لقاءات الرئيس الراحل علي عبدالله صالح ونائبه، الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي، حيث كان الشيخ علي بارشيد - رحمه الله - يتسيد هذه اللقاءات من خلال وقوفه متحدثا بصوته الجهوري ولكنته البدوية عن المظالم وخاصة حاجة منطقته النائية «لبنة بارشيد» وغيرها من المناطق لمشاريع مياه الشرب والطرق والاتصالات، ولاشك أن المديرين العامين لمكاتب المصالح الخدمية يعرفونه من ملاصقته بهم وتردده على مكاتبهم لمتابعة وإنجاز هذه المشروعات؛ ولوجه الله.
وروى لي مسؤولًا كبيرًا في سلطة حضرموت بأن الشيخ علي بارشيد اتيحت له ذات مرة فرصة لمقابلة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح خلال إحدى زيارته لحضرموت، وجاء الشيخ علي متأبطا بأوراق وملفات مشاريع خدمية عامة منها طريق لبنة بارشيد، وأطال في الحديث عن حاجة منطقته والمناطق النائية لهذه المشروعات دون أن يستوعب - على ما يبدو - الرئيس صالح ذلك ، فما كان منه إلا أن يعجل في إنهاء المقابلة بتوجيه أمر بصرف مائتي ألف ريال كمثل الاكراميات التي ينثرها على المسؤولين والقيادات .. لكن الشيخ علي رمى بتلك الورقة أرضًا واشتطاط غضبًا بعفويته المعروفة، مما أحرج الرئيس، فسأله : هل انته موظفًا.. فقال له : لا أنا جئت من أجل خدمة الناس.. فاعجب الرئيس بشجاعته وصلابته، وأمر دولة رئيس وزرائه - حينها - عبدالقادر باجمال أن يعين الشيخ علي بارشيد مستشارًا لمحافظة حضرموت بدرجة وظيفة .. وبذلك يكاد الشيخ علي المستشار الوحيد في حضرموت بين قافلة المستشارين ممن يشغل هذه الوظيفة..
رحم الله الشيخ علي بارشيد وأسكنه جنات النعيم..