«الحرب الكبرى» وخطط سلاح الجو الأمريكي.. تحديات تكشف «الثغرات»
بينما ترفع واشنطن رهاناتها في سباق التفوق الجوي، يسعى سلاح الجو الأمريكي على زيادة أعداد المقاتلات المأهولة
بدلًا من إعادة ابتكار مفهوم القوة الجوية ذاتها.
تشخيص لمعركة المستقبل اعتبره محللون «خطأ»، مؤكدين أنه بدلا من أن يقرأ المتغيرات في ضوء الحروب الحديثة من أوكرانيا إلى غزة، يبدو أنه يعيد إنتاج عقلية «اليوم الأول من الحرب»، حيث يُفترض أن التفوق التقني وحده يحسم الصراع.
فهل ينجح؟
يقول موقع «ذا ناشيونال إنترست» الأمريكي، إنه رغم استحالة تبديلها سريعا في حرب كبرى، لا يزال سلاح الجو الأمريكي يعتمد بشكل شبه حصري على الطائرات المقاتلة.
ففي خطة جريئة تمثل إعلانا عن نية أمريكا الحفاظ على هيمنتها الجوية حتى العقد المقبل، كشف سلاح الجو الأمريكي عن خطته الجديدة لشراء مئات الطائرات المقاتلة الإضافية؛ لكن الحقيقة المقلقة هي أن «هذه الخطة لا تتماشى مع الطابع المتغير للحرب، وحدود القاعدة الصناعية الأمريكية والواقع المالي، والاضطرابات القيادية داخل سلاح الجو نفسه».
واعتبر الموقع الأمريكي، أن الرحيل المبكر لرئيس أركان سلاح الجو، الجنرال ديفيد ألفين، كان يجب أن ينظر إليه كجرس إنذار لإعادة النظر في الوضع الراهن ومع ذلك، يبدو أن سلاح الجو يُضاعف جهوده.
وبدلاً من اعتبار هذا التغيير في مستوى القيادة فرصة لمواءمة أولويات وزارة الدفاع (البنتاغون) يمضي سلاح الجو قدما في خطة شراء المزيد من المقاتلات وكأن حروب المستقبل سيحسمها عدد الطيارين.
ووفقا لـ"ناشيونال إنترست" فإن هذه الخطة ليست للنصر، بل لنفاد الطائرات والخيارات في اليوم الثاني من حرب كبرى لأن سلاح الجو يبني قوة لا يمكن تجديدها بمجرد تلقيها ضربات حيث تصبح كل طائرة مفقودة فجوة في القدرات قد يكون من المستحيل سدها خلال الحرب.
ويسعى سلاح الجو الأمريكي إلى زيادة مخزون المقاتلات المرمزة قتاليًا من حوالي 1271 طائرة حاليا إلى أكثر من 1550 طائرة خلال العقد الحالي، من خلال زيادة مشتريات طائرات "إف-35إيه" و"إف-15إيي إكس" و"إف-47".
ويصور تقرير سلاح الجو هذه الطائرات على أنها العمود الفقري للقوة الجوية الأمريكية مع الإشارة إلى "الطائرات القتالية التعاونية"، أو المسيرات على أنها مفيدة، لكنها ليست محورية.
المعضلة الأمريكية
وهنا تكمن المعضلة؛ فسلاح الجو لا يزال ينظر إلى الأنظمة غير المأهولة على أنها ملحقات لأسطوله المأهول، وليست الجهد الرئيسي وهو «تفكير مضلل بعدما أظهرت الحروب الأخيرة في أوكرانيا وغزة كيف يمكن لأسراب المسيرات منخفضة التكلفة أن تغرق الأنظمة باهظة الثمن، وتغرق الدفاعات، وتحقق الدقة على نطاق واسع»، بحسب الموقع الأمريكي.
وفي حين يعزز خصوم الولايات المتحدة مثل الصين وإيران قوتهما الهائلة ومرونتهما من خلال أنظمة رخيصة ومترابطة وذاتية التشغيل، فإن سلاح الجو الأمريكي يسعى إلى تحقيق العكس تماما من خلال منصات متطورة يصعب إنتاجها أو تبديلها بسرعة.
وعلى مدار عقود، ركز سلاح الجو الأمريكي على "اليوم الأول من الحرب" والقتال لتعمية العدو، وتحقيق التفوق الجوي، وفتح ساحة المعركة في الساعات الأولى من الصراع.
هذه الاستراتيجية تحقق نجاحا باهرا ضد عدو أضعف، لكن في حرب قوى عظمى ضد خصم كالصين، لن يكون اليوم الأول كافيا وسيأتي الاختبار الحقيقي في اليوم الثاني بعد خسارة الطائرات بسبب الصواريخ بعيدة المدى والمسيرات والهجمات الإلكترونية.
وفي هذا السيناريو سيكون السؤال: ما مدى سرعة التعافي، وتعويض الخسائر، والحفاظ على القوة القتالية؟ وفي ضوء المؤشرات الحالية فالجواب هو: ليس بالسرعة الكافية.
إشارات ضائعة
وحاليا ينتج خط إنتاج طائرات "إف-15إيي إكس" ما لا يزيد عن 36 طائرة سنويًا أما برنامج "إف-35" الذي يخدم العديد من القوات والحلفاء فيبني حوالي 150 طائرة سنويًا، أقل من نصفها مخصص لسلاح الجو الأمريكي أي أنه حتى في ظروف مثالية تمامًا، سيستغرق تعويض الخسائر من الأسبوع الأول من القتال سنوات.
كان ينبغي أن يكون خروج ألفين المفاجئ والمبكر من البنتاغون إشارة للتوقف وإعادة التقييم ومع ذلك، لم يتغير أي شئ.
وفي حين شدد وزير الدفاع بيت هيغسيث على مرونة الاستنزاف، وحرب المسيرات والمرونة الصناعية، لا تزال أولويات سلاح الجو غير متناغمة مع قيادته، حيث تركز بدلًا من ذلك على توسيع الأسطول المأهول.
هذه الحالة من عدم التناغم ينتج عنها قوة مصممة للقتال الخاطئ؛ لذا قد تحتاج الإدارة إلى بذل جهد أكبر لإعادة تنظيم سلاح الجو.
وحتى لو بدت خطة القوات الجوية منطقية من الناحية الاستراتيجية، فإنها ستظل غير عملية لأن القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية لا تستطيع زيادة إنتاج المقاتلات بالسرعة الكافية لمواجهة الاستنزاف الحربي أو حتى تحقيق أهداف الجيش.
وبالفعل، تعاني سلاسل توريد المحركات وإلكترونيات الطيران والمواد المتقدمة من ضغوط كما يقر سلاح الجو بعجز سنوي قدره 400 مليون دولار في تمويل الاستدامة، ومع ذلك يطلب إضافة مئات الطائرات التي ستتطلب طيارين وقطع غيار وساعات صيانة لا يستطيع النظام توفيرها حاليًا.
ووفقا لـ"ناشيونال إنترست" فإن هذه الخطة ستؤدي إلى "أسطول فارغ.. ضخم العدد، لكنه يفتقر إلى الجاهزية" وهو ما حدث خلال أواخر سبعينيات القرن الماضي عندما أخفت القوة العسكرية الهائلة نظريا قوة غير مستعدة للقتال المستمر.
واعتبر الموقع أن كل دولار يتم إنفاقه على مقاتلة مأهولة أخرى هو دولار لا يتم إنفاقه على ما هو مهم حقًا مثل الأسلحة غير المأهولة، والذخائر بعيدة المدى، والمرونة السيبرانية، والقدرة على البقاء اللوجستي.