احتياطي لبنان من الذهب..هل ينقذ الـ35 مليار دولار الاقتصاد المنهار؟

وكالة أنباء حضرموت

يقف لبنان عند مفترق طرق تاريخي، حيث يمتلك أحد أكبر احتياطيات الذهب عالميا، لكنه يواجه تحديا حول كيفية تحويل احتياطي لبنان من أصل جامد لا يُمس إلى محفز فعال وحيوي للاقتصاد.

يعود احتياطي الذهب لدى مصرف لبنان إلى واجهة النقاش الاقتصادي، متأثرا بالارتفاع القياسي في ارتفاع سعر الذهب عالميا الذي رفع قيمته بصورة غير مسبوقة، فلبنان، الذي يمر بأزمة مالية عميقة، يحتفظ بكمية ضخمة من المعدن الأصفر، أي ما يعادل ملايين الأونصات، مما يضعه ضمن أكبر الدول الحائزة للذهب عالميا.

ومع أن هذا المخزون محفوظ في خزائن المصرف المركزي ويعتبر ضمانة للسيادة الوطنية بموجب قانون خاص، إلا أن قيمته الدولارية بلغت نحو عشرات المليارات من الدولارات مسجلاً بذلك زيادة هائلة خلال سنوات قليلة، مما جعله يحتل المرتبة الأولى عالميا في معدل احتياطي الذهب نسبة إلى حجم الناتج المحلي الإجمالي.

هذه الثروة الوطنية الكبيرة تفتح الباب أمام تساؤلات جدية حول الخيارات المتاحة لتوظيفها في دعم الاقتصاد المنهار.

سبائك ذهبية
ما هو إحتياطي لبنان من الذهب؟
يحتفظ لبنان من احتياطي الذهب بحوالي 286.8 طن أي ما يعادل 9.22 مليون أونصة، مما يضعه ضمن أكبر 20 دولة حائزة للذهب عالميا.

ومع أن هذا المخزون محفوظ في خزائن المصرف المركزي ويعتبر ضمانة للسيادة الوطنية بموجب قانون خاص، إلا أن قيمته الدولارية بلغت نحو 35 مليارًا و200 مليون دولار في نهاية سبتمبر/ أيلول 2025، مقارنة بـ 13 مليارًا و900 مليون دولار في نهاية عام 2019، مسجلاً بذلك زيادة قدرها 21 مليارًا و300 مليون دولار، وفق ما نقلت وسائل إعلام محلية عن الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور نسيب غبريل.

هذا النمو الذي وصل إلى 153% خلال ست سنوات لا يعود إلى شراء كميات جديدة، إذ لم يقم مصرف لبنان بشراء أي أونصات إضافية خلال تلك الفترة، بل إلى الارتفاع الحاد في الأسعار العالمية.

ترتيب احتياطي الذهب في لبنان عالميا وعربيا 2025
يحتل احتياطي لبنان من الذهب، البالغ حوالي 286.8 طن، موقعا متقدما ومميزا على الساحة العالمية والعربية، فوفقاً لبيانات مجلس الذهب العالمي، يوضع لبنان بشكل عام ضمن أكبر 20 دولة عالميا من حيث حجم احتياطي المعدن الأصفر.

والأكثر لفتًا هو تصنيفه المرتبة الأولى عالميا عند قياس قيمة هذا الاحتياطي كنسبة مئوية من حجم الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، متفوقا بذلك على دول تملك احتياطيات أكبر حجما مثل الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، مما يبرز أهميته الاستراتيجية الهائلة بالنسبة للاقتصاد اللبناني، كما يحتل لبنان المرتبة الثانية عربيا مباشرة بعد المملكة العربية السعودية.

سيناريوهات توظيف الذهب في لبنان
أحد السيناريوهات الاستراتيجية يقترح نهجا جريئا وعمليا حيث يمكن للبنان التفاوض مع الدائنين لتسوية ديونه السيادية، التي تُقدر بنحو 80 مليار دولار، مقابل مبلغ إجمالي مخفض قدره 25 مليار دولار.

ونظرًا لتعثر لبنان عن السداد منذ عام 2020، وانخفاض احتمالية استرداد كامل الدين، قد يكون هذا العرض جذابًا للدائنين الراغبين في إنهاء الملف.

وبعد تسوية الدين، يمكن للبنان استثمار ما تبقى من عائدات بيع الذهب، أي حوالي 13 إلى 15 مليار دولار، في قطاعات إنتاجية تخلق فرص عمل وتدرّ دخلًا مستدامًا.

يشمل ذلك إعادة بناء البنية التحتية الحيوية، والاستثمار في الطاقة المتجددة، وتنشيط السياحة والزراعة والصناعة، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة،هذه الاستثمارات لن تحفّز النمو الاقتصادي فحسب، بل ستعيد أيضًا الثقة العامة وتماسك المجتمع.

بالنسبة للشعب اللبناني، فإن الأثر قد يكون تحويليا، عملة جديدة قوية، واستعادة الخدمات العامة، وخلق فرص العمل، كلها عوامل من شأنها أن تمنح الأمل.

علاوة على ذلك، فإن ربط هذه الاستراتيجية بإطار حوكمة شفاف وإشراف دولي ربما بالشراكة مع صندوق النقد الدولي أو آلية ثروة سيادية سيساعد على ضمان استخدام العائدات بحكمة وعدالة.

الذهب يتفوق على اليورو كأصل احتياطي عالمي في عام 2024
سبائك ذهبية

طريقة الاستفادة من احتياطي الذهب في لبنان دون تسييله
من وجهة نظر، الدكتور نسيب غبريل حسب وسائل إعلام محلية يُصنّف احتياطي لبنان من الذهب ضمن فئة الأصول غير المُنتجة، والتي لا تدر عائدا بل تُشكل عبئا ماليا نتيجة الرسوم المستحقة على تخزين جزء منه خارجيا، لاسيما في الولايات المتحدة، وبدلاً من الدعوة إلى تسييل هذا المخزون، يقترح غبريل نموذجا بديلا يرتكز إلى توظيف الفارق في قيمة الذهب بين عامي 2019 و2025، مستندا إلى أدوات مالية متطورة تحقق الاستفادة دون التخلي عن حيازة الذهب نفسه.

ويعلق غبريل على التبرير التقليدي القائل إن "الذهب ثروة للأجيال المقبلة" بالقول إن هذا المنطق يتكرر عبر الأجيال دون أن يتحول إلى واقع عملي، مما يحول الذهب إلى مجرد تحفة فنية معروضة خلف زجاج المتحف، يُشاهد دون أن يُستفاد منه، رغم ارتفاع قيمته السوقية باستمرار.

ويوضح أن هناك آليات متبعة في المؤسسات المالية العالمية تتيح استثمار هذه القيمة المُضافة، سواء عبر أدوات مالية مُصممة خصيصا، أو باستخدام الذهب كضمان للحصول على تمويل من مصارف استثمارية أو دول شريكة.

ويؤكد تفضيله لهذا المسار، شريطة أن تُوجّه العوائد الناتجة عنه بشكل تدريجي إلى تعويض المودعين، مما يسهم في معالجة أحد أبرز تجليات الأزمة المصرفية.