مكاسب محتملة لسوريا من اتفاق أمني مع إسرائيل لكن المخاطر كبيرة

وكالة أنباء حضرموت

في 21 سبتمبر 2025، أعلن مسؤول أميركي رفيع أن الاتفاق الأمني بين إسرائيل وسوريا، الهادف إلى إنهاء أشهر من المواجهات العسكرية، أصبح “جاهزًا بنسبة 99 في المئة” وسيُعلن خلال أسبوعين. لكن مضى الأسبوعان، وما يزال الواقع الميداني بعيدا عن أي سلام.

وبعد أيام فقط من هذا التصريح، وبينما كانت المفاوضات جارية، شنّت إسرائيل سلسلة ضربات جديدة ضد أهداف داخل سوريا.

ووفقا لمصادر قريبة من المفاوضات، فإن سبب التأخير في توقيع الاتفاق يعود إلى مطلب إسرائيلي مفاجئ في اللحظة الأخيرة، يتمثل في إنشاء «ممر إنساني» يربط الجولان المحتل بمدينة السويداء جنوب سوريا، بحجة حماية الأقليات الدينية هناك.

إبرام اتفاق مع جار أقوى عسكريًا قد يعرّض وحدة سوريا الوطنية للخطر ويكرّس انتهاك سيادتها

وتقول ميرييل ربيز – أستاذة ورئيسة قسم دراسات الشرق الأوسط في كلية ديكنسون – في تقرير نشره موقع ذو كونفرسيشن إن هذا الشرط يعكس هشاشة الموقف السوري في المفاوضات، رغم رغبة القيادة الجديدة في دمشق في إنهاء العنف الداخلي وتأمين الحدود والعودة إلى اتفاق الهدنة الذي رعته الأمم المتحدة مع إسرائيل قبل عقود. غير أن إبرام اتفاق مع جار أقوى عسكريًا قد يعرّض وحدة سوريا الوطنية للخطر ويكرّس انتهاك سيادتها.

وتعتقد ربيز أن هذا التوتر في اللحظات الأخيرة يوضح أن إسرائيل ترى نفسها في موقع قوة، بينما تحاول سوريا تحقيق الاستقرار بعد حرب مدمّرة دون أن تبدو وكأنها تقرّ ضمنيًا بتوسّع إسرائيل في أراضيها.

ومنذ تقسيم فلسطين عام 1947 وإعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948، دخلت سوريا الحرب إلى جانب الجيوش العربية وخسرتها، ووقّعت اتفاق هدنة في يوليو 1949. لكن الصراع لم يتوقف، إذ خاض البلدان عدة حروب، أبرزها حرب 1967 التي انتهت باحتلال إسرائيل لهضبة الجولان السورية.

وفي عام 1974، رعَت الأمم المتحدة اتفاق فصل القوات، الذي أرسى وقف إطلاق نار هشًا ورقابة أممية بين الجانبين. واستمر هذا الوضع خمسين عامًا دون سلام حقيقي، وسط محاولات فاشلة للتسوية واندلاع اشتباكات متقطعة.

وأدى سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024 إلى إدخال العلاقات السورية – الإسرائيلية في مرحلة جديدة من الغموض.

ومع سعي الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع إلى استعادة الأمن والاستقرار، صعّدت إسرائيل عملياتها العسكرية داخل سوريا، معلنة أن اتفاق 1974 «باطل حتى استعادة النظام.”

واحتلت إسرائيل المنطقة المنزوعة السلاح في الجولان ووسّعت سيطرتها داخل الأراضي السورية، وشنّت غارات على مواقع عسكرية قرب القصر الرئاسي في دمشق، مبرّرة ذلك بمنع تهريب السلاح الإيراني إلى سوريا وحماية أمنها.

وفي المقابل، ضغطت حكومة الشرع من أجل العودة إلى اتفاق 1974 ووقف الهجمات الإسرائيلية، معتبرة ذلك ضرورة وطنية.

ومع وساطة أميركية وضغوط من السعودية، حليف دمشق الجديد، رُفعت العقوبات الأميركية عن سوريا جزئيًا لإتاحة المجال أمام المفاوضات.
ورغم هشاشة الموقف السوري، قد يحمل الاتفاق الأمني بعض الفوائد للطرفين.

منذ تقسيم فلسطين عام 1947 وإعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948، دخلت سوريا الحرب إلى جانب الجيوش العربية وخسرتها، ووقّعت اتفاق هدنة في يوليو 1949. لكن الصراع لم يتوقف

ففي عهد الأسد، كانت سوريا حليفًا وثيقًا لإيران وحزب الله، وشكّلت جسرًا بريًا لنقل السلاح والمال والمخدرات من طهران إلى بيروت.

وأما اليوم، ومع تحالف حكومة الشرع مع دول الخليج المعادية لإيران، فإن دمشق لم تعد حلقة وصل بين طهران وحزب الله، ما يخفف الضغط الأمني على إسرائيل ويتيح لسوريا التخلص من النفوذ الإيراني في أراضيها.

لكن ثمن هذا التقارب الأمني مع إسرائيل قد يكون باهظًا. فالمقترحات الإسرائيلية حول «الممر الإنساني» أو تحويل السويداء إلى منطقة عازلة جديدة توحي برغبة في توسيع النفوذ الإسرائيلي داخل الأراضي السورية تحت غطاء حماية الأقليات.

وترى دمشق أن هذه الأفكار ليست سوى طرق ملتوية لتثبيت السيطرة الإسرائيلية على أراضٍ جديدة بعد سقوط الأسد، ما يعني تآكلًا جديدًا في سيادة سوريا ووحدتها.

وبعد أكثر من عقد من الحرب والانقسام، يتطلع السوريون إلى أي شكل من أشكال الهدوء، لكن ليس على حساب وحدة بلادهم.

وفي ظل استمرار المأساة الفلسطينية في غزة، التي وصفتها الأمم المتحدة مؤخرًا بأنها «إبادة جماعية»، فإن الشارع السوري ما زال يرى في أي اتفاق مع إسرائيل خطرًا على الهوية القومية والتضامن العربي.

ويواجه الرئيس أحمد الشرع معضلة صعبة: فهو بحاجة ماسة إلى الاستقرار والانفتاح على الغرب لإعادة الإعمار وعودة اللاجئين، لكنه يدرك أن أي تنازل مفرط لإسرائيل قد يهدد شرعيته داخليًا.

وبينما قد يوفر الاتفاق الأمني بعض الهدوء ويخفف التوتر الإقليمي، إلا أنه – بحسب ربيز – قد يكرّس تفوق إسرائيل شبه المطلق في الشرق الأوسط، ويحوّل سوريا من دولة مقاومة إلى جار ضعيف يعيش في ظل ميزان قوى مختلّ.