اليمين الفرنسي يتحسب أرض التحالفات الهشة

وكالة أنباء حضرموت

يعيش اليمين الفرنسي لحظة حاسمة في علاقته مع الحكومة المقبلة، ويبحث عن ضمانات مكتوبة.

واعتبر خبراء سياسيون فرنسيون أن ملامح الحكومة المقبلة ستتوقف على قدرة حكومة سيباستيان لوكورنو على بناء توازن دقيق بين التيارات المتنافرة داخل المشهد السياسي الفرنسي.

وأصرّ زعيم حزب "الجمهوريون" برونو ريتايو على ربط مشاركة حزبه في حكومة سيباستيان لوكورنو المنتظرة بتعهدات مكتوبة تتعلق بالسياسات الاقتصادية والهجرة.

ويأتي هذا الموقف الحذر وسط توتر داخل الحزب بشأن مستقبل التحالفات، والخشية من تنازلات مبالغٍ فيها لليسار في ملفات الضرائب والإصلاحات الاجتماعية.

ورأى الباحث السياسي برونو كوترييه من مركز الدراسات السياسية بباريس أن موقف ريتايو "يعكس محاولة من اليمين لإعادة تعريف موقعه في المشهد السياسي الفرنسي بعد سنوات من التراجع".

وأشار في تصريحات لـ"العين الإخبارية" إلى أن "الرهان على شروط المشاركة يمنح الجمهوريين فرصة للظهور كقوة تفاوضية حقيقية، لكنها أيضًا مخاطرة إذا ما فشل الحوار مع لوكورنو".

وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية إن حزب "الجمهوريون" لا يزال مترددًا في تحديد موقفه من المشاركة في الحكومة الجديدة التي يسعى سيباستيان لوكورنو إلى تشكيلها.

وأوضحت أنه "في حين كان الحزب يأمل في الحصول على رسالة التزام واضحة من رئيس الوزراء يوم الجمعة 3 أكتوبر/تشرين الأول، فوجئ قادته بإعلان لوكورنو تخليه عن استخدام المادة 49.3 من الدستور الفرنسي، وهي المادة التي تسمح بتمرير ميزانية عام 2026 دون تصويت برلماني".

وأشارت "لوموند" إلى أنه رغم تفسير القرار كإشارة إلى احترام العمل البرلماني، فإن اليمين لم يرَ فيه تغييرًا جوهريًا في التوجهات السياسية.

وحسب مقربين من رئيس كتلة الحزب في البرلمان، لوران فوكييه، فإن اليمين يريد معرفة البرنامج التشريعي الكامل قبل أن يقرر الانخراط رسميًا في الحكومة.

واعتبر أن التراجع عن استخدام المادة 49.3 "لا يعني بالضرورة وجود رؤية واضحة حول الإصلاحات المقبلة".

من جانبه، أوضح برونو ريتايو خلال اجتماع داخلي عبر الفيديو مساء الخميس أن أي انفتاح نحو الحكومة يجب أن يُبنى على "ضمانات مكتوبة وواضحة"، محذرًا من أن تقديم تنازلات لليسار بشأن الضرائب أو تأجيل إصلاح نظام التقاعد سيكون "كارثيًا على فرنسا". وأضاف: "علينا أن نخوض مواجهة سياسية حقيقية بدلًا من التسرع في التحالف دون شروط".

ويعتقد الباحث السياسي كوترييه أن "اليمين الجمهوري يمتلك فرصة حقيقية لتولي مواقع مؤثرة في الحكومة الجديدة، إذا ما التزم لوكورنو بوعوده حول الملفات الاقتصادية والهجرة والأمن"، موضحًا أن "رغبة الرئيس في تحقيق استقرار سياسي تجعله أكثر ميلًا إلى تمثيل اليمين المعتدل بدل الدخول في مواجهة جديدة مع البرلمان".

وفي المقابل، يستبعد كوترييه أن يبادر اليسار الفرنسي إلى حل البرلمان في المدى القريب، معتبرًا أن "الكتلة اليسارية، رغم قوتها البرلمانية المتزايدة، تدرك أن أي حل جديد قد يؤدي إلى خسارة مكاسبها الحالية في ظل الانقسام داخل معسكرها".

وأضاف أن "الأولوية بالنسبة إلى اليسار الآن هي فرض أجندته الاجتماعية داخل الحكومة أو عبر الضغط التشريعي، وليس المغامرة بانتخابات مبكرة قد تعيد تعزيز نفوذ اليمين".

ووفقًا للصحيفة الفرنسية، فإن عددًا من نواب الحزب يخشون تكرار تجربة فرانسوا بايرو، الذي انضمّ بسرعة إلى حكومة سابقة حفاظًا على موقعه الوزاري، مشيرةً إلى أن ريتايو يسعى إلى تفادي هذا السيناريو من خلال فرض شروط صارمة تتعلق بالسياسات الاقتصادية والأمنية.

وبحسب مصادر داخل الحزب، فإن الشروط تشمل تولي "الجمهوريين" ملفات حساسة مثل سياسة منح التأشيرات، وإصلاح نظام المساعدات الطبية للمهاجرين، وإعادة تجريم الإقامة غير القانونية. كما طالب الحزب بنسبة تمثيل وزاري لا تقل عن ثلث الحقائب في حال المشاركة في الحكومة.

في المقابل، يحاول لوكورنو الموازنة بين مطالب اليمين وضغوط اليسار، خاصةً فيما يتعلق بملف الهجرة الذي يثير حساسية سياسية كبيرة داخل التحالف الرئاسي.

وذكرت مصادر حكومية أن رئيس الوزراء يفضل التركيز على "الأمن اليومي" بدلًا من جعل قضية الهجرة "رمزًا أيديولوجيًا" لحكومته المقبلة.

من جانبها، رأت كلير ديميسو، الباحثة في مركز الدراسات الدولية ببرلين، في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن الأزمة تتجاوز مجرد توزيع الحقائب الوزارية، مؤكدة أن "اليمين الفرنسي يعيش صراع هوية بين إرثه الديغولي المحافظ ورغبته في التأثير داخل حكومة تميل إلى الوسط".

وأضافت أن "ريتايو يدرك أن أي تنازل غير محسوب سيكلف الحزب جزءًا من قاعدته الانتخابية لصالح اليمين المتشدد بزعامة مارين لوبان".

وفي انتظار رد رسمي من رئاسة الحكومة، يواصل حزب "الجمهوريون" مشاوراته الداخلية لرسم موقفه النهائي. وبين الحذر من الانزلاق في صفقة سياسية غير مضمونة، والميل إلى المشاركة لحماية نفوذه داخل مؤسسات الدولة، يجد اليمين الفرنسي نفسه أمام اختبار جديد قد يحدد شكل التوازنات السياسية في المرحلة المقبلة.