الهروب الكبير لمارساليك.. جاسوس بوجهين يثير «الرعب» في الغرب
في واحدة من أكثر القضايا إثارة في عالم الاستخبارات، تصدر اسم يان مارساليك - المدير التنفيذي السابق لشركة التكنولوجيا الألمانية وايركارد - واجهة الأخبار باعتباره «أخطر رجل مطلوب في العالم».
الرجل الذي كان ذات يوم رمزًا للصعود السريع في قطاع المال الأوروبي، تحوّل إلى نموذج حيّ لقدرة موسكو على اختراق الغرب عبر شبكات تجسس معقدة وعمليات سرية طويلة الأمد.
وبحسب صحيفة «ذا صن»، فإن البداية كانت في يونيو/حزيران 2020، عندما شهدت وايركارد أكبر انهيار مالي في تاريخ ألمانيا بعد اكتشاف اختفاء 1.6 مليار جنيه إسترليني من حساباتها.
وبينما كان المساهمون يترقبون الحصول على إجابات، كان مارساليك – بملامحه الأنيقة وكلماته الواثقة – يعلن أمام زملائه أنه سيسافر إلى الفلبين لإثبات براءته.
لكنّ الحقيقة كانت أكثر إثارة: فالرجل لم يكن يخطط لرحلة دفاع عن نفسه، بل لهروب منظم أشبه بمشهد مأخوذ من فيلم تجسس.
في ميونيخ، جلس مارساليك على طاولة بيتزا مع مارتن فايس، ضابط الاستخبارات النمساوي السابق. كانت تلك اللحظة بداية الهروب الكبير: رحلة إلى بيلاروسيا ومنها إلى روسيا، حيث سقط رجل الأعمال مباشرة في أحضان جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (إف إس بي).
وهناك، مُنح الجنسية والحماية، وتحول من «رجل مال» إلى «أصل استخباراتي»، ثم إلى عميل ميداني يشارك في مهام قتالية بأوكرانيا ويساهم في إمداد الجيش الروسي بطائرات مسيّرة، وفق تقارير غربية.
لكنّ حياة مارساليك المزدوجة لم تبدأ مع سقوط وايركارد، فقد كشفت التحقيقات أنه كان على مدار أكثر من عقد من الزمن عميلًا للكرملين، يقود شبكة تجسس في بريطانيا من منزل متواضع في غريت يارموث.
هناك، جُنّد عملاء – بينهم نساء أطلق عليهن لقب «مصيدة العسل» – لجمع أسرار حساسة والتخطيط لاختطاف المعارضين الروس.
المجموعة التي قادها أطلقت على نفسها لقب «المينيونز»، مقتبسة من فيلم كرتوني، لكنها في الواقع نفذت عمليات وصفت بأنها من أكبر وأعقد شبكات التجسس التي كُشفت على الأراضي البريطانية.
في المقابل، دفع شركاؤه الثمن، حيث يقضي ستة مواطنين بلغار – أورلين روسيف، وبيسير جامبازوف، وكاترين إيفانوفا، وتيهومير إيفانتشيف، وإيفان ستويانوف، وفانيا جابيروفا –اليوم أكثر من 50 عامًا خلف القضبان بعد إدانتهم بالتجسس لصالح روسيا.
أما «زعيمهم»، فقد اختفى كالشبح، ليتحول إلى أكثر المطلوبين إثارة للجدل في العالم.
وتظهر صور حديثة، التقطت سرًا، مارساليك يتجول في موسكو بملامح متغيرة بعد عملية زرع شعر، برفقة عشيقة جديدة، محاطًا بجواسيس ورجال مافيا.
كما أشارت تقارير أخرى إلى أنه يحمل ثمانية جوازات سفر بهويات مختلفة، بينها هوية قس أرثوذكسي، ليعزز قدرته على التنقل والتخفي.
ولا يزال مكتب التحقيقات الألماني يطارده، وهناك ملصقات تحمل صورته معلقة في مطارات مثل ميونيخ، لكن موسكو تنفي على الدوام وجوده على أراضيها.
ووصف الخبير الأمني كير جايلز القضية بأنها «رواية تجسس حقيقية»، مؤكداً أن قدرة مارساليك على الإفلات طوال هذه السنوات تجسد مدى عمق وفعالية حملات الاستخبارات الروسية ضد الغرب.
وأضاف: "كل ما فعله يكاد يكون غير قابل للتصديق لو ورد في كتاب، ومع ذلك فهو واقع نعيشه".
اليوم، وبينما يواصل مارساليك حياته في الظل بين القصور ومقرات الاستخبارات الروسية، يبقى مصيره معلقًا. فالغرب يطارده بتهم الاحتيال والتجسس، فيما يحتمي هو بنظام يراه "الوطن البديل".
وبين مطاردات الإنتربول ونفي موسكو المستمر، تظل قصة هروب مارساليك لا تقل إثارة عن سيناريوهات هوليوود: رجل واحد بوجهين وحياة مزدوجة، جمع بين عالمي الأعمال والجاسوسية، ليصبح رمزًا حيًا لأكثر ما يثير الرعب في لعبة التجسس الدولية.