قامة تربوية من يافع: الأستاذ صالح شيخ سالم.. فكر مستنير ومسيرة استثنائية في خدمة التعليم

في تاريخ التربية والتعليم تبرز أسماء خالدة تركت بصماتها العميقة في عقول الأجيال وسجلات الوطن، ومن بين هذه القامات الشامخة يسطع اسم الأستاذ القدير صالح شيخ سالم شيخ الذي كرّس حياته منذ نعومة أظافره لخدمة العلم وبناء الإنسان متنقلاً بين الصفوف الدراسية وقاعات التدريب والمختبرات العلمية حتى غدا رمزاً تربوياً يُحتذى به، وعلماً من أعلام يافع وأبين والوطن عموماً.
المولد النشــــــــأة:
الأستاذ صالح شيخ سالم شيخ من مواليد يوليو 1961م يافع رصد (القارة) عاصمة يافع التاريخية
تاريخ التعيين: 1978/10/24م.
متزوج وأب لثلاث فتيات.
التحق بالصف الأول للتعليم الأساسي في مدرسة (14 مايو القارة) عام 1968م حيث تتلمذ على يد الأستاذ الشهيد حسين محمد حسين اليزيدي صاحب القصيدة الشهيرة طريق القافلة «نزلنا من جبل وان ذا تلقانا جبل»
وقد برز نبوغه منذ الصغر إذ أكمل الصف الأول والثاني خلال نفس العام باعتباره من الطلاب المتفوقين.
انتظم في دراسته الابتدائية من الصف الثالث عام 1969م ثم الصف الرابع عام 1970م، وانتقل عام 1971م لإكمال دراسته في المدرسة الشمالية بمدينة جعار حيث أنهى دراسته الابتدائية حتى الصف السادس عام 1972م، وجلس للامتحان الوزاري في العام نفسه لإنهاء المرحلة الابتدائية.
بعدها واصل دراسته الإعدادية في جعار، واجتاز بنجاح الامتحان الوزاري للصف الثالث الإعدادي عام 1975م.
ثم التحق بالمرحلة الثانوية في ثانوية جعار عام 1976م، ودخل القسم العلمي في الصف الثاني ثانوي عام 1977م نظراً لذكائه وتفوقه قبل أن ينتقل عام 1978م إلى ثانوية زنجبار لإكمال المرحلة الثانوية.
المسيرة المهنية في السلك التربوي:
عندما أنتقل لإكمال دراسته الثانوية في ثانوية زنجبار برزت حاجة ماسة للمدرسين في يافع، فصدرت توجيهات من الأستاذ محمد اليزيدي مدير عام التربية حينها بأخذ عدد كبير من طلاب الثانوية العامة وتعيينهم كمدرسين في مدارس يافع على أن يُصرف لهم جميع المراجع ليتمكنوا من أداء الامتحانات آخر العام، ولسوء حظ الأستاذ صالح كان اسمه ضمن هذه الكشوفات على الرغم من أنه الأصغر سناً بين زملائه لكن تفوقه لم يشفع له.
تم تعيين الأستاذ صالح شيخ في مدرسة راجح سيف (الشعب بمنطقة السعدي)، وكان حينها المدير الأستاذ ناصر علي محمد، وقد أسندت إليه عدة مواد منها: الكيمياء، والأحياء، والبوليتكنيك للصف السابع، والكيمياء للصف الثالث الإعدادي، والأحياء والتاريخ للصف السادس إضافة إلى تدريس بعض الصفوف المشعبة، وكان إجمالي نصابه 34 حصة أسبوعياً.
أُرهق الأستاذ صالح من كثرة الأعباء، فقضى عاماً واحداً في مدرسة الشعب، ثم نُقل في العام التالي إلى مدرسة العدنة حيث درّس الكيمياء والأحياء والفيزياء والبوليتكنيك للصفين السابع والثامن، والأحياء للصف السادس، والجغرافيا للصف السابع، بإجمالي 32 حصة أسبوعياً.
ومع استمرار الحاجة لمدرس الكيمياء في مدرسة الشعب ظل مديرها يطالب بعودته لكن مكتب الإشراف لم يوافق، وخصص له يوم الخميس فقط لتدريس مادة الكيمياء هناك كما خصص له يوم آخر لتغطية مادة الكيمياء في مدرسة القارة، وهو ما شكّل ضغطاً كبيراً عليه دون أي مقابل إضافي.
الجهود التربوية والأنشطة المميزة:
بالرغم من الضغط الكبير والأرهاق الذي يعاني منه الأستاذ صالح إلا أنه لم يرضخ لليأس بل أثبت أنه هامة تربوية فريدة في التحمل والتفاني والعطاء، وجمعت بين الذكاء وقوة الشخصية والإخلاص للمهنة، فقد أسهم في افتتاح وتنظيم عدة مختبرات علمية في مدارس متعددة منها مدرسة رخمة ومدرسة معربان بالتعاون مع الأستاذ العزيز محمد عبد القادر ناصر من التوجيه المركزي بأبين.
شارك في الحملة الوطنية لمحو الأمية، وحصل على شهادة "رائد" خلال فترة الرئيس علي ناصر محمد في الثمانينيات.
كما برز نشاطه في مدرسة العدنة بإصدار مجلة حائطية شهرية بعنوان (المجلة العلمية) التي نالت إعجاب الطلاب والزوار إلى جانب إسهامه في إحياء المعارض العلمية التي أبهرت الجميع.
التأهيل الأكاديمي والتخصص العلمي:
أُرسل الأستاذ صالح شيخ لإكمال السنة الأخيرة في دار المعلمين، فحصل على المركز الأول على مستوى المديرية والمحافظة ثم عاد ليُعيَّن في فريق التوجيه الفني بالمديرية. بعد ذلك تم تأهيله للدراسة في كلية التربية زنجبار قسم الكيمياء عام 1990/1989م.
لكن خلافاً إدارياً حال دون استكماله للدراسة، فالتزم بالمشروع الألماني عدن حيث درس تخصصات الكيمياء العامة والأحياء المجهرية (نظري/تطبيقي) لمدة خمس سنوات. كما درس التربية وعلم النفس على يد الدكتور علي فخري في معهد التدريب أثناء الخدمة في عدن، وخضع لدورات متقدمة في التوجيه والإرشاد وقيادة الأقسام الفنية.
المهام الإشرافية والتوجيه الفني:
انتقل بعدها إلى مديرية خنفر حيث عمل موجهاً فنياً مدرباً منهاجياً من عام 1994م حتى عام 1999م، وخلال هذه الفترة درب مع المنظمة السويدية (من طفل إلى طفل) لمدة عامين، ثم عمل ماسحاً تربوياً مع البنك الدولي، وحصل على شهادة دولية كأفضل باحث في محافظة أبين.
الإسهامات التدريبية والقرارات الوزارية:
عاد الأستاذ صالح شيخ لاحقاً إلى رصد، وعمل موجهاً ومدرساً لمادة الكيمياء في مدرسة الحكمي. كما شارك في دورات تدريبية لليونسيف في أبين ضمن مشروع (مدارس المجتمع).
وعاد للتدريب المنهاجي في مدارس رصد منها: ثانوية رصد، ومدرسة الشعب، والصفأة، والحنشي، ثم كمدرّب منهاجي لمادة الكيمياء للصفوف (7–12) على مستوى أبين.
حصل على عدة قرارات وزارية في التوجيه والتدريب، إضافة إلى قرار وزاري بتعيينه موجهاً للمختبرات على مستوى المحافظة.
الوضع المعيشي والتهميش الوظيفي:
يتقاضى الأستاذ صالح راتباً شهرياً قدره (120,000) ريال فقط، وهو مبلغ زهيد لا يتناسب إطلاقاً مع خبرته العريقة وإنجازاته الكبيرة، وظلّ شأنه شأن الكثير من زملائه ضمن المعلقين والمتظلمين..
الأستاذ صالح شيخ سالم شيخ قامة تربوية شامخة وذخيرة وطنية نادرة؛ جمع بين الخبرة العلمية العميقة والقدرات القيادية المتميزة.
إنه خبير تربوي ومدرّب وطني ودولي، صاحب فكر مستنير، يتمتع بكاريزما خاصة ومواهب أدبية رفيعة، وكاتب متمكن أثبت مكانته في مجاله.
لقد ظل طوال مسيرته نموذجاً للتفاني والعطاء، ورمزاً للعقلانية والانضباط، وركيزة أساسية في بناء الأجيال وصناعة العقول.
وسيظل اسمه علامة مضيئة في سجل التعليم والتربية في يافع وأبين والوطن عموماً.