نزع سلاح حزب الله.. حديث كثير وفعل قليل

وكالة أنباء حضرموت

رغم الالتزامات الواضحة التي قطعها الرئيس اللبناني جوزيف عون أمام الولايات المتحدة بشأن الشروع في نزع سلاح حزب الله، فإن الوقائع على الأرض لا تزال تشير إلى أن هذا الملف يراوح مكانه، وسط تعقيدات محلية وإقليمية تجعل من أي خطوة عملية في هذا الاتجاه محفوفة بالمخاطر.

وفي الوقت الذي تُنقل فيه رسائل رسمية للولايات المتحدة تؤكد التزام الحكومة اللبنانية بجمع سلاح حزب الله تدريجيا، يواصل الرئيس عون إرسال إشارات داخلية مختلفة، مفادها أن أي تحرك عسكري ضد الحزب لن يتم قبل الوصول إلى توافق سياسي واسع، وربما يكون غير ممكن أصلا دون تفجير البلاد من الداخل.

ويحذر كريستيان باتريك ألكسندر، من مؤسسة رابدان للدراسات الأمنية، من أن تأجيل نزع السلاح تحت ذرائع “التوافق السياسي” سيؤدي إلى شلل دائم للمؤسسات اللبنانية. ويعتبر أن إخراج حزب الله من مفاصل الدولة هو المفتاح الوحيد لاستعادة الشرعية وتأسيس دولة فعّالة.

ويدرك الرئيس عون، الذي وصل إلى سدة الرئاسة بعد قيادة المؤسسة العسكرية، حجم المأزق الذي يقف عنده، فهو مطالب دوليًا، لاسيما من الجانب الأميركي، بتطبيق بنود القرار 1559 القاضية بنزع سلاح الميليشيات، وعلى رأسها حزب الله، في مقابل واقع لبناني هش، ينذر بالانفجار عند أول مواجهة داخلية.

◄ الرئيس جوزيف عون يقف على حافة توازن دقيق، يُدرك أنه إن مال خطوة زائدة في أي اتجاه، قد يشعل فتيل حرب لا تُبقي ولا تذر

وجاء في تقرير نشره معهد واشنطن أن الحديث المتكرر عن نزع السلاح لا يعكس إرادة تنفيذ حقيقية بقدر ما يهدف إلى تهدئة الضغوط الخارجية وشراء الوقت. فالمؤسسة العسكرية اللبنانية، رغم تلقيها تدريبات أميركية وتسليحا محدودا، ليست في وضع يؤهلها لخوض مواجهة مباشرة مع حزب الله، الذي يتمتع بقدرات عسكرية متقدمة وعلاقات إقليمية واسعة، أبرزها مع إيران.

والأكثر من ذلك، أن قيادة الجيش الجديدة، المتمثلة بالعماد رودولف هيكل، قد وصلت إلى موقعها بدعم مباشر من الحزب، ما يُضعف أي إمكانية لتحرك مستقل من قبل الجيش ضد هذا التنظيم المسلح.

وقد أكدت حادثة الجنوب، حين انفجرت عبوة ناسفة بحوزة عناصر من حزب الله وأسفرت عن مقتل خبراء متفجرات من الجيش اللبناني، أن الحزب لا يتردد في الرد العنيف على أي محاولة للمساس بترسانته.

ولم تكن هذه الرسالة موجهة فقط للداخل اللبناني، بل أيضًا للعواصم الغربية التي تعتقد أن تفكيك سلاح الحزب مسألة قرار سياسي فقط.

والواقع أن نزع سلاح حزب الله ليس إجراءً عسكريا يمكن فرضه بقرار فوقي، بل هو صراع على ميزان قوى داخل الدولة، بين مشروع دولة تقليدية تسعى لاستعادة سيادتها، ومشروع “دولة داخل الدولة” يمثلها الحزب، ولديه جمهور واسع وغطاء سياسي من حلفاء محليين، أبرزهم حركة أمل ورئيس مجلس النواب نبيه بري.

وهنا تبرز معضلة الرئيس عون: أي تحرك عدائي تجاه الحزب قد يفتح بابا لحرب أهلية جديدة، خصوصا في ظل هشاشة التوازنات الطائفية والسياسية في البلاد، وانقسام المجتمع اللبناني بين من يرى في حزب الله مقاومة شرعية، ومن يعتبره ميليشيا خارجة عن سلطة الدولة.

ومن جهة أخرى، لا يبدو أن المجتمع الدولي يمتلك أوراق ضغط فعالة كفيلة بإجبار السلطات اللبنانية على المضي قدما في هذا المسار. فالحكومة اللبنانية، التي تترنح بين الإفلاس والانهيار الاقتصادي، قادرة دائما على المناورة في ملفات مثل نزع السلاح، وتقديم وعود مؤجلة لا تترجم فعليًا على الأرض.

وفي ظل غياب موقف موحد داخل البرلمان اللبناني، لا يمكن الركون إلى الانتخابات المقبلة كأداة لتغيير المعادلة، خاصة أن حزب الله ما زال قادرا على توظيف أدواته المالية والإعلامية لضمان نفوذه الشعبي.

ولا يزال نزع سلاح حزب الله في لبنان عنوانا فضفاضا يُستخدم في الخطابات السياسية أكثر مما يُترجم إلى إجراءات ملموسة.

◄ لا يبدو أن سلاح الحزب سينتزع قريبا، ما دامت الدولة عاجزة عن بناء إجماع داخلي وما دام الصراع الإقليمي على أشده

وبين ضغط واشنطن ومجاملات الداخل، يقف الرئيس جوزيف عون على حافة توازن دقيق، يُدرك أنه إن مال خطوة زائدة في أي اتجاه، قد يشعل فتيل حرب لا تُبقي ولا تذر.

ولذلك، لا يبدو أن سلاح الحزب سيُنتزع قريبا، ما دامت الدولة عاجزة عن بناء إجماع داخلي، وما دام الصراع الإقليمي على أشدّه.

وليس من السهل فصل ملف نزع سلاح حزب الله عن البنية العميقة للنظام السياسي اللبناني، الذي يقوم منذ التسعينات على مزيج هش من المحاصصة الطائفية والتسويات المؤقتة. فالسلاح لم يكن يوما مجرد أداة عسكرية بيد الحزب، بل أصبح عنصرا أساسيا في معادلة السلطة، واستُخدم كورقة ردع داخلية وخارجية على السواء.

ويجعل هذا الواقع أي محاولة لنزع سلاح الحزب تصطدم أولا بحدود النظام السياسي نفسه، الذي ساهم في مأسسة نفوذ الحزب داخل الدولة، لا على هامشها فقط.

وعلى المستوى الإقليمي، لا يمكن تجاهل حقيقة أن حزب الله لا يتحرك في فراغ، بل يمثل امتدادًا لنفوذ إيراني واسع في المنطقة، وهو ما يزيد من تعقيد أي مسعى داخلي لنزع سلاحه. فطهران ترى في الحزب ذراعا إستراتيجية متقدمة في المشرق العربي، وإحدى أهم أدواتها في أي مواجهة محتملة مع إسرائيل أو الغرب.

ومن هنا، فإن أي مسعى داخلي لنزع سلاح الحزب من دون تفاهم إقليمي، إيراني تحديدا، يبدو غير واقعي، إن لم يكن مستحيلا.

ومن ناحية أخرى، فإن المجتمع الدولي، ورغم دعمه المعلن لسيادة الدولة اللبنانية، لم ينجح حتى الآن في إنتاج أدوات ضغط فعالة لتغيير الوقائع على الأرض.

ولم تحدث العقوبات الفردية على بعض قيادات الحزب أو شبكاته المالية تحولات نوعية، في حين أن التلويح بوقف المساعدات الاقتصادية للجيش أو الدولة يُواجه دائما بتحفظ أوروبي خشية انهيار الدولة بالكامل.

رغم دعمه لسيادة لبنان، لم ينجح المجتمع الدولي حتى الآن في إنتاج أدوات ضغط فعالة لتغيير الوقائع على الأرض

وحتى التلويح بعزل لبنان سياسيا، يصطدم برغبة دولية في إبقاء قنوات التواصل مفتوحة، خوفًا من فراغ سياسي تستفيد منه قوى أكثر تطرفا. وتزيد هشاشة الاقتصاد اللبناني من تعقيد المشهد. فالحكومة، المحاصَرة بالأزمات المالية والانهيار المؤسسي، تدرك أن الصراع مع حزب الله لن يكون فقط سياسيا أو عسكريا، بل سيأخذ شكل قطيعة داخلية تهدد بتفكك الدولة.

وإلى ذلك، فإن تجربة السنوات الماضية أثبتت أن حزب الله لا يتعامل مع ملف السلاح كقضية تفاوضية، بل كخط أحمر وجودي.

وباءت جميع محاولات مقاربة “إستراتيجية دفاعية” بالفشل، وتحولت طاولات الحوار إلى منصات لتبادل المجاملات السياسية.

وحتى عندما خسر الحزب جزءا من حاضنته الشعبية نتيجة تورطه في الحروب الإقليمية، لم تُترجم هذه الخسارة إلى ضغوط فعلية على سلاحه، نظرا إلى ضعف البدائل السياسية في الطائفة الشيعية، وفشل القوى المعارضة له في بناء خطاب وطني جامع.