مفاوضات حاسمة بين بغداد وأربيل لحل أزمة النفط والرواتب

وكالة أنباء حضرموت

 شهدت العاصمة العراقية بغداد اليوم الثلاثاء اجتماعا موسعا بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، بهدف دفع عجلة الحوار نحو حلول جذرية للملفات العالقة التي طال أمدها.

يأتي هذا الاجتماع المشترك، برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التخطيط، محمد علي تميم، في إطار مساعي جادة لإعادة بناء الثقة وتوحيد الجهود الوطنية، خاصة بعد التوصل إلى اتفاق مبدئي بشأن ملف النفط الذي ظل معلقًا لأكثر من عامين.

ولطالما شكلت قضايا النفط والإيرادات والرواتب حجر الزاوية في الخلافات بين بغداد وأربيل، فمنذ توقف تصدير النفط الخام من إقليم كردستان عبر أنبوب كركوك-جيهان التركي، توقفت المفاوضات وتصاعد التوتر.

وهذا التوقف، الذي دام لأكثر من عامين، أدى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية في الإقليم، تاركا أكثر من مليون موظف يواجهون تحديات كبيرة بسبب تأخر رواتبهم، وأضاف قرار المحكمة الاتحادية الأخير بشأن توطين رواتب موظفي الإقليم زخما جديدا للحوار، مما دفع الطرفين للبحث عن حلول سريعة.

وذكرت وزارة التخطيط العراقية، في بيان أن "الاجتماع استعراض التقدم المحرز في الملفات العالقة بين الطرفين، والتي شملت ملف إنتاج وتصدير النفط، وملف الإيرادات غير النفطية، إلى جانب ملف توطين رواتب موظفي الإقليم، استنادا إلى قرار المحكمة الاتحادية بهذا الشأن".

وأشار المشاركون، وفقا للبيان، إلى أن تقدما مهما قد تحقق، لاسيما في ملف إنتاج وتصدير النفط من الإقليم، إذ تم استكمال جميع الشروط والمتطلبات اللازمة للشروع بعملية الإنتاج والتصدير عبر شركة تسويق النفط الوطنية (سومو)، ومواصلة الحوارات لاستكمال بقية المتطلبات المتعلقة بالملفات الأخرى.

هذا الإنجاز يأتي بعد أيام من التوصل إلى اتفاق رسمي بين حكومة الإقليم ووزارة النفط العراقية بشأن آلية تصدير النفط، ووقع عليه 23 وفدا من الجانبين بعد زيارات ميدانية لحقول النفط في كردستان. وبموجب هذا الاتفاق، سيتم تسليم النفط المخصص للتصدير إلى "سومو" بعد تلبية الاحتياجات المحلية للإقليم.

ورغم التقدم الواضح في الملف النفطي، إلا أن التحديات لا تزال قائمة، فاستئناف تصدير النفط فعليا لا يزال مرهونا بمحادثات الحكومة الاتحادية مع الحكومة التركية، بالإضافة إلى ذلك، لا يزال ملف الإيرادات غير النفطية وتوطين رواتب موظفي الإقليم بحاجة إلى مزيد من الحوارات لاستكمال بقية المتطلبات.

وفي تصريحات متزامنة، أكد رئيس حكومة إقليم كردستان، مسرور بارزاني، الأحد، أن حكومته مستعدة لتسليم النفط المنتج إلى الحكومة الاتحادية مقابل تأمين الرواتب وحصة الإقليم من الموازنة.

وشدد بارزاني في كلمة ألقاها خلال تدشين المرحلة الاولى من مشروع مياه الطوارئ على ضرورة إنهاء "العقوبة الجماعية" والممارسات "غير القانونية والدستورية" بحق شعب كردستان، في إشارة إلى تأخر إرسال الرواتب.

واستدرك قائلا  "لكن للأسف، بعض الأطراف الداخلية طالبت بغداد بأن تتولى بشكل مباشر إدارة ملف الموازنة والرواتب في الإقليم، بل تحدثوا مرارا بأن المشكلة ستحل لو أصبحت الرواتب بيد بغداد، وحينها حمّلوا حكومة الإقليم المسؤولية"، مردفا "أما اليوم، لا نعلم أين ذهبت تلك الأصوات، ولماذا التزموا الصمت؟ والآن، هم أنفسهم يطلبون من الحكومة العراقية صرف الرواتب".

وأضاف بارزاني أنهم توصلوا مؤخرا إلى اتفاق لتسليم 50 بالمئة من الإيرادات المالية الداخلية إلى الحكومة الاتحادية، وفقا لما ينص عليه الدستور، مؤكدا "نحن ملتزمون بأي مسؤولية دستورية تترتب على اقليم كردستان، ولكن بالمقابل لسنا مستعدين للتنازل عن حقوقنا الدستورية، وسنواصل واجباتنا ونحافظ على حقوقنا، وقد أبدينا مرونة كبيرة من اجل انهاء ازمة الرواتب.

وأكد أيضا أنه وافق على تسليم 230 ألف برميل من النفط يوميا الى شركة "سومو"، و120 مليار دينار شهريا من الإيرادات الداخلية الى بغداد، ولكن قلت لهم إنه: بالتزامن مع الهجمات الارهابية بالطائرات المسيرة المفخخة التي تستهدف الحقول النفطية في اقليم كردستان سينخفض معدل الإنتاج، ونأمل ألا يكون ذلك ذريعة في عدم ارسال الرواتب".

ونبّه بارزاني إلى أنه "بعد موافقتنا على المقترحات والتفاهمات الاخيرة زادت بغداد نقطة اخرى وهي تنص على أنه إذا لم يتم تسليم 230 ألف برميل من النفط يوميا لن ترسل الرواتب في وقت تتعرض فيه حقولنا النفطية للقصف"، لافتا الى أن إقليم كردستان مستعد لتسليم النفط المنتج كاملة الى الحكومة الاتحادية ولا توجد مشكلة في ذلك إلا باستثناء حاجة الإقليم في توفير الوقود للاستهلاك المحلي.

واختتم رئيس حكومة الاقليم حديثه قائلا ننتظر من بغداد أن ترسل الرواتب وأن تنهي العقوبات الجماعية، والممارسات غير القانونية وغير الدستورية والجائرة بحق شعب كردستان.

وكان مجلس وزراء إقليم كردستان، صادق منتصف الشهر الماضي، على تفاهم جديد بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية بشأن الرواتب والمستحقات المالية للموظفين والعاملين في القطاع العام في كردستان.

وكانت وزيرة المالية طيف سامي، أرسلت مطلع يونيو الماضي، كتابا رسميا إلى حكومة إقليم كردستان، أبلغتها فيه بتعذّر استمرار الوزارة في تمويل الإقليم، حيث أرجعت الوزارة ذلك إلى "تجاوز كردستان للحصة المقررة له ضمن قانون الموازنة الاتحادية والبالغة 12.67 بالمئة".

وبحسب الوثيقة، فإن الصرف الفعلي الذي استلمه الإقليم تجاوز مبلغ 13.547 تريليون دينار، ما يشكل، وفق الوزارة، تجاوزا على السقف المالي المحدد له في موازنات الأعوام 2023 و2024 و2025.

ويأتي ذلك في وقت يتعرض رئيس الوزراء محمد السوداني، لضغوطات أميركية بشأن رواتب موظفي الإقليم، والذي جاء بعد أسبوع واحد من تفجر الخلاف بين المركز والإقليم، على خلفية العقود التي أبرمتها حكومة أربيل مع شركات أميركية لاستثمار وإنتاج الغاز دون موافقة بغداد، وقد طلبت واشنطن من السوداني احتواء التصعيد تحت أي بند قانوني أو عرف".

وهذه الأزمة المستمرة تلقي بظلالها على نحو مليون موظف في الإقليم، ينتظرون رواتبهم في مواعيد غير منتظمة، وسط حالة من الترقب والتوتر العام، ويؤكد الحضور الرفيع في اجتماع بغداد اليوم أهمية هذه الملفات، ويدل على وجود إرادة حقيقية لطي صفحة الخلافات وبناء شراكة مستدامة تخدم مصالح جميع العراقيين.