إسرائيل توجه ردودها على الحوثيين صوب البنية التحية اليمنية المتهالكة أصلا
تركّز القوات الإسرائيلية في ردودها على قصف جماعة الحوثي لعدد من المواقع داخل إسرائيل على استهداف المرافق والمنشآت الحيوية والبنى التحتية اليمنية المتهالكة أصلا، معمقّة بذلك المصاعب المعيشية وسوء الخدمات الذي يعانيه سكان البلاد لاسيما في منطاق سيطرة جماعة الحوثي.
ويعود ذلك إلى وجود قناعة لدى صانع القرار الأمني والعسكري للدولة العبرية بصعوبة القضاء على القوة العسكرية للحوثيين والحدّ من قدرتهم على استهداف إسرائيل بالصواريخ العابرة والطائرات المسيّرة.
وفي حين تبدو جماعة الحوثي الموالية لإيران قليلة الاكتراث بنتائج سلوكها على عيش السكان الواقعين ضمن سلطة الأمر الواقع التي تقيمها بالتوازي مع السلطة اليمنية المعترف بها دوليا في سبيل تحقيق أهداف إستراتيجية تتجاوز اليمن بحدّ ذاته وترتبط بمصالح طهران وسياساتها الإقليمية، تأمل تل أبيب في خلق المزيد من التعقيدات للجماعة في إدارة المناطق الخاضعة لها أملا في تعميق الفجوة بينها وبين سكان تلك المناطق.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه استهدف موقعا للبنية التحتية للطاقة يستخدمه الحوثيون جنوبي العاصمة اليمنية صنعاء في وقت مبكر من يوم الأحد. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنه تم قصف محطة كهرباء حزيز.
ويعتبر قصف المحطّة خيارا مدروسا للضغط على عصب حساس باستهداف قطاع يعرف في اليمن عثرات كثيرة وعجزا متزايدا عن تلبية حاجة السكان من الطاقة نظرا لتهالك بناه وشح المواد الأولية الضرورية لتشغيله.
وسبق لإسرائيل أن قصفت في نطاق التكتيك ذاته القائم على حرمان مناطق الحوثي من مرافقها الحيوية مطار صنعاء الدولي وملحقة به خسائر فادحة شملت تدمير عدد من طائرات الخطوط اليمنية، كما سبق أن قصفت موانئ واقعة على البحر الأحمر غربي اليمن أهمها ميناء الحديدة العصب الحيوي لحياة مناطق الحوثي، والذي لا تزال الجماعة تواجه صعوبات كبيرة في ترميمه وإعادته إلى العمل بكل طاقته.
وقال الجيش في بيان إن الضربات جاءت ردا على الهجمات المتكررة التي يشنها الحوثيون على إسرائيل، بما في ذلك إطلاق صواريخ وطائرات مسيرة باتجاهها.
ومن جهتها ذكرت قناة المسيرة التي يديرها الحوثيون أنّ “عدوانا” استهدف محطة الكهرباء، بينما قال سكان محليون إنهم سمعوا دوي انفجارين على الأقل في صنعاء.
ونقلت القناة عن مصدر في الدفاع المدني بصنعاء قوله إن “العدوان استهدف مولدات الكهرباء بمحطة حزيز ما أدى إلى خروجها عن الخدمة”، مضيفا أنه “تم إخماد النيران الناجمة عن العدوان”.
كما نقلت عن مدير المحطة علي حسين العلايا قوله إن “العدوان الذي تعرضت له المحطة دليل على فشل وتخبط العدو الإسرائيلي”.
وعلى الطرف المقابل قال أفيخاي أدرعي المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي عبر منصة إكس إن الجيش هاجم أهدافا في عمق اليمن في منطقة مدينة صنعاء تتمثل في “بنى تحتية للطاقة يستخدمها نظام الحوثي”.
وأردف قائلا “الغارات أتت في ضوء هجمات متكررة نفذها نظام الحوثي ضد إسرائيل ومواطنيها والتي شملت إطلاق صواريخ أرض – أرض ومسيرات نحو الأراضي الإسرائيلية”. لكن وسائل إعلام إسرائيلية ذكرت أن الهجوم على محطة كهرباء حزيز نفذته البحرية الإسرائيلية.
ويأتي استخدام الأسطول البحري الحربي الإسرائيلي في استهداف مواقع ومرافق حيوية يستخدمها الحوثيون سواء لأغراض عسكرية أو لأغراض مدنية، كمظهر لتعدّد خيارات الدولة العبرية في المواجهة مع الجماعة وقدرتها على إلحاق ضرر بالغ بتلك المرافق، مع إمكانية تقليل التكلفة المادية لعملياتها العسكرية في اليمن.
وكثيرا ما يثير حجم الدمار الذي يخلفه القصف الإسرائيلي في بنى تحية يمنية الأسئلة حول خيارات جماعة الحوثي لحماية تلك البنى والمرافق بالغة الحيوية للسكان الذين يعانون أصلا تبعات الصراع الطويل المستمر في بلدهم والذي أحدث وضعا اقتصاديا وإنسانيا كارثيا وفقا لتوصيفات دولية وأممية.
استخدام الأسطول البحري الحربي الإسرائيلي في استهداف مواقع للحوثيون يأتي كمظهر لتعدّد خيارات الدولة العبرية في المواجهة مع الجماعة
كما يثير بالنتيجة الأسئلة عن جدوى استمرار الجماعة في الصراع ضدّ إسرائيل التي تفوقها قدرات عسكرية وتقنية، والنتائج التي يمكن أن تتأتى لها من وراء ذلك، في ما عدا الناتج الدعائي الذي تجنيه من رفع شعار مساندة الفلسطينيين ودعمهم في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة.
لكن الحوثيين المرتبطين بشكل وثيق بإيران يظهرون رغم الخسائر المؤكدة للمواجهة مع إسرائيل إصرارا على مواصلة قصفهم لأهداف إسرائيلية بدفع من إيران نفسها باعتبارها المستفيدة الأكبر من إثارة التوترات في المنطقة ومن خوض صراعاتها ضد خصومها وأعدائها وكالة وعبر أذرع محلية لها من بينها جماعة الحوثي نفسها.
وستكون خسائر الجماعة أكثر فداحة في حال تنفيذ إسرائيل تهديدا سبق أن وجهته لهم بفرض حصار خانق عليهم جوا وبحرا ما يجعل مناطق سيطرتهم شبه معزولة عن العالم الخارجي ومحرومة من مختلف صنوف الإمداد بالمواد الحيوية ذات الاستخدام المدني والعسكري على حدّ سواء.
ومنذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023، يشن الحوثيون هجمات على إسرائيل وعلى سفن في البحر الأحمر، مما تسبب في اضطراب لحركة التجارة العالمية، ويقولون إن هذه الهجمات تأتي تضامنا مع الفلسطينيين.
وأطلق الحوثيون العشرات من الصواريخ والطائرات المسيرة صوب إسرائيل لكن جرى اعتراض معظمها أو لم تصب أهدافها. ونفذت إسرائيل عددا من الضربات الانتقامية.
كما شنت الولايات المتحدة هجمات مكثفة ضد الحوثيين هذا العام، قبل أن يوقف الرئيس دونالد ترامب الحملة بعد موافقة الحوثيين على وقف الهجمات على السفن الأميركية. وصمد الحوثيون أمام حملة قصف قادتها السعودية لسنوات.
ووجهت إسرائيل ضربات قوية لحليفين آخرين لإيران في المنطقة هما جماعة حزب الله اللبنانية وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس.
لكن الأمر نفسه لم يحدث مع الحوثيين المتحالفين مع طهران والجماعات المسلحة المتحالفة مع إيران في العراق.
ونجح زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي في تشكيل قوة ضاربة من مجموعة من المقاتلين المتناثرين على الجبال. وتحولت الجماعة تحت قيادته إلى جيش من عشرات الآلاف من المقاتلين وصار يمتلك ترسانة ضخمة من الطائرات المسيرة المسلحة والصواريخ الباليستية. وتقول جهات إقليمية ودولية إن أسلحة الجماعة تأتي من إيران، لكن طهران تنفي ذلك.