الإرهاب الرقمي يربك أوروبا.. أمن القارة في مواجهة أخطر التحديات

وكالة أنباء حضرموت

الإرهاب في أوروبا يتطور بوتيرة مقلقة، مستفيدًا من أدوات العصر الرقمي لابتكار أساليب أكثر خفاءً وانتشارًا ما يضع أجهزة الأمن أمام سباق مع الزمن لاحتواء تهديد متصاعد يختبر جاهزية القارة وقدرتها على حماية مواطنيها.

وقال تقرير أممي حديث نشرته صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، إنه رغم الجهود الأمنية المكثفة والنجاحات في إحباط عشرات الهجمات، فإن التهديد الإرهابي في أوروبا، خاصة من تيارات الإسلام السياسي، لا يزال الخطر الأكبر.

وتحدث التقرير عن ملامح مقلقة لظهور جيل أصغر سنًا وأكثر تمرسًا في عالم الإنترنت، ما يجعل رصده واحتواءه مهمة معقدة أمام أجهزة الأمن.

ويؤكد التقرير الأممي أن التهديد الإرهابي الصادر عن تنظيمات الإسلام السياسي "لا يزال الأخطر في أوروبا، مع تسجيل نحو 100 عملية توقيف و24 مخطط هجوم نفذها أو حاول تنفيذها إرهابيون متطرفون بين مايو/أيار 2023 ومايو/أيار 2025".

اختبار صعب
أوضح التقرير أن فرنسا، عبر استهدافها الممنهج لتنظيم "داعش"، نجحت حتى الآن في الحد من الخطر، خاصة بفضل العمليات الأمنية الاستباقية قبل وأثناء وبعد أولمبياد 2024.

ومع ذلك، لا يقلل هذا النجاح من حجم التهديد القائم ولا من ضرورة اليقظة المستمرة لدى أجهزة الأمن، خصوصًا خلال فترات الركود الصيفي.

وقال لويس كابريولي، الرئيس السابق للاستخبارات الفرنسية (DST): "المعركة دائمة، وعلينا التكيف مع كل أنواع التهديدات، فخصومنا يعرفون كيف يعيدون ترتيب أوراقهم لضربنا مجددًا".

وفي اجتماع عُقد أوائل يوليو/تموز برئاسة "التنسيق الوطني للاستخبارات ومكافحة الإرهاب" وبحضور مختلف الأجهزة الأمنية، جرى استعراض أرقام دقيقة حول الوضع الراهن ورصد اتجاهات جديدة مثيرة للقلق، خاصة فيما يتعلق بالتهديد الداخلي.

أرقام مثيرة للانتباه وضعت إرهاب تنظيمات الإسلام السياسي في المرتبة الأولى بقائمة التهديدات، مع بقاء الانتباه قائمًا تجاه مخططات اليمين المتطرف واليسار المتطرف.

24 هجوما

لكن الأرقام واضحة: 100 مشتبه به من التنظيمات الإرهابية أوقفوا بين مايو/أيار 2023 ومايو/أيار 2025، و24 هجومًا تم تنفيذها أو إحباطها، نصفها تقريبًا خلال 2024.

في نفس السياق، تضم قائمة المراقبة الفرنسية حاليًا 14,663 شخصًا مرتبطين بخطر التطرف الإرهابي، لكن عبر تركيز الجهود، تم تقليص عدد الملفات النشطة من 5200 إلى نحو 4000 شخص يمثلون الخطر الأكبر، وفق الصحيفة.

ورغم أن خطر الهجمات من الخارج لا يزال محدود الاحتمال، فإن منطقة الساحل الأفريقي مقلقة، حيث يهاجم الإرهابيون مناطق قرب السنغال وخليج غينيا، ويتواصلون مع جماعات متشددة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وفق التقرير.

كما يستمر نشاط التنظيمات في محيط بحيرة تشاد والصومال، مع رصد وصول عناصر مغاربية.

ويواصل "داعش" الترويج لهجماته في أفريقيا، مهنئًا مؤخرًا بعمليات قتل للمسيحيين في الكونغو وموزمبيق، وداعيًا للوصول إلى "سواحل أوروبا".

أما في أفغانستان، فإن فرع "داعش – ولاية خراسان" ما زال يشكل خطرًا كبيرًا، إذ يسعى لتنفيذ هجمات في أوروبا عبر تحريك متطوعين عن بُعد، رغم تعرضه لضربات أضعفته.

جيل رقمي جديد
التهديد الحالي يتسم بظاهرة مقلقة، وهي ازدياد نسبة المشتبه بهم من فئة الشباب، بل ومن القاصرين. فعدد القاصرين الموقوفين في قضايا الإرهاب ارتفع من 2 في 2022، إلى 15 في 2023، و19 في 2024، و8 منذ بداية 2025.

ويشير تقرير للشرطة الأوروبية "يوروبول" إلى أن ثلث الموقوفين في الاتحاد الأوروبي عام 2024 تقل أعمارهم عن 20 عامًا.

وغالبًا ما يعاني هؤلاء الشباب من اضطرابات أسرية أو نفسية، وهم أكثر تأثرًا بثقافة رقمية مغمورة بمحتوى شديد العنف، ما يجعلهم فريسة سهلة لسرديات متطرفة عبر الإنترنت.

واللافت أن بعضهم يبدأ باستهلاك محتوى دموي، قبل أن يجذبهم الخطاب الإرهابي ويستقطبهم مجندون نشطون في هذه المساحات الإلكترونية المظلمة.

صعوبة الرصد
هذا التطور يجعل اكتشاف الإرهابيين الجدد أصعب، خاصة وأنهم أقل حذرًا من الإرهابيين المخضرمين وأكثر اندفاعًا، ما يزيد احتمالية بروز تهديدات محلية في أي مكان داخل فرنسا.

ويعترف مسؤولو الأمن في أوروبا، بأن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب تحسين رصد الصحة النفسية للشباب وتعزيز المراقبة على الشبكات الاجتماعية.

وفي بريطانيا على سبيل المثال، دعت أجهزة الأمن، بما فيها أجهزة الاستخبارات، الأهالي إلى مراقبة نشاط أبنائهم على الإنترنت، إذ أظهر عام 2024 أن 13% من الخاضعين لتحقيقات الإرهاب تقل أعمارهم عن 18 عامًا.

وحذرت الاستخبارات البريطانية، من أن "بضعة نقرات فقط تكفي ليتواصل الشاب مع إرهابيين خطرين ويستهلك محتوى متطرفًا".