وسائل التعذيب في العراق تتجاوز تقييد اليدين إلى ما هو أعنف

اتساع فضائح الانتهاكات الأمنية يحرج حكومة مصطفى الكاظمي

بغداد

استعاد العراقيون ملفا ضخما عن الانتهاكات الأمنية والتعذيب الذي يلاقيه المعتقلون بشتى التهم الإرهابية منها والجرائم الشخصية في المؤسسات ودور التحقيق ودوائر شرطة مكافحة الإجرام منذ عام 2003.

وكشفت قصص مثيرة بعد فضيحة إجبار شاب عراقي في محافظة بابل على الاعتراف بقتل زوجته ورميها في نهر دجلة وظهرت لاحقا أنها على قيد الحياة.

وتسببت قضية الشاب علي الجبوري بموجة غضب عارمة لدى الرأي العام العراقي، لجهة كمية الاستفزاز الذي تسببت به، حيث تم إجبار شاب بريء على الاعتراف بارتكاب جريمة قتل، تحت التعذيب والتهديد بـ"جلب أخواته وأمه" وفقا لإفادة "المتهم البريء" الذي لم يوفر له انتماؤه إلى الجيش العراقي حماية من السلوكيات المألوفة لعناصر مكاتب مكافحة الإجرام.

وبعد أن كُتِبَت له النجاة، قال الجبوري في أول ظهور تلفزيوني له بعد الإفراج إن "الآلاف يتعرضون لما تعرض له".

وتحولت القصة إلى موضع حرج سياسي لحكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي طالما نادى بالعدالة والشفافية في الدوائر الأمنية الحكومية.

وأصدر الكاظمي توجيها بفتح تحقيق فوري بشأن قضية بابل، وإيقاف المسؤول المعني بمكافحة الإجرام في المنطقة محل الاعتقال، وإحالة جميع المسؤولين إلى التحقيق قدر تعلق الأمر بمسؤولياتهم الوظيفية، موجها "بسرعة إجراء التحقيق وكشف الملابسات، وتحميل المشتركين المقصرين المسؤولية القانونية والجنائية عن أي ظلم أو حيف يطال مواطنا عراقيا، مهما بلغت رتب المقصرين ومناصبهم”، مشددا على “إعادة حقوق الضحية، وتعويضه عما واجهه من تجاوزات وانتهاكات أثناء التحقيق".

ولا تصل قصص التعذيب إلى الإعلام والرأي العام، إلا حين يتوفى المُعتقل أو يُصاب بعاهة مستديمة، أو يُفتضَح أمر القصة كما في "قضية بابل" حين "سقطت السلطات في الفخ" وأعلنت على لسان قائد شرطة المحافظة اللواء علي الشمري "اعتقال مجرم قتل زوجته" ليتبيّن في ما بعد أنها على قيد الحياة.

ومع اكتشاف قصة الشاب مع زوجته وتركيز وسائل الإعلام العراقية عليها منذ أيام لأنها جريمة عامة، إلا أن عمليات التعذيب التي تطال المتهمين بقضايا سياسية وإرهابية تكاد تغيب كليا عن الرأي العام.

وطالما شدد السياسيون العراقيون بعد عام 2003 على انتهاكات النظام السابق ووصف أجهزته بالقمعية، إلا أن القصص التي بدأت تكشف عن انتهاكات مثيرة في الأجهزة الأمنية الحالية، عرت الجهات الأمنية العراقية.

وأعيد التذكير هذه الأيام بقصة مثقاب التعذيب التي كشفت في معتقل سري كان يديره وزير الداخلية السابق صولاغ جبر بحق معتقلين من دون إجراءات قضائية.

وكشفت تقارير عراقية ودولية أن الآلاف من المعتقلين والمختطفين لا أحد يعرف مصيرهم لحد الآن، بعد تواطؤ ميليشيات مع قوات أمنية رسمية على تغيبهم.

وبعيدا عما خلفته حملة القمع الممنهج ضد تظاهرات انتفاضة تشرين من القتلى والجرحى والمعاقين، الذين تساقطوا أمام كاميرات الصحافة بنيران القوات الرسمية والميليشيات، فإن مراكز وزارة الداخلية العراقية، وتحديدا مكاتب مكافحة الإجرام، تخفي خلف جدرانها سيلا من الانتهاكات التي لا تقل وحشية، ولا تستهدف في بعض الأحيان انتزاع المعلومات بل “التسلية والسادية” وفقا لمنظمة حقوقية، الأمر الذي يدفع إلى ضرورة إخضاع عناصر أجهزة الأمن العراقي إلى فحوصات نفسية للتحقق من سلامتهم ومدى أهليتهم لحمل السلاح وامتلاك سلطة اعتقال واحتجاز المواطنين العزّل.

وقال ضابط بدرجة مقدم في الشرطة العراقية إن عمليات الاعتقال لا تعزى كلها إلى أسباب سياسية وطائفية، بل بعضها لأسباب شخصية متعلقة بالفساد وتلفيق تهم كيدية من أجل ابتزاز المعتقلين.

وأضاف المقدم في تصريح لمراسل “العرب” في بغداد، مفضلا عدم ذكر اسمه لحساسية موقع عمله، إن تواطئ ضباط فاسدين مع قادة ميليشيات معروفة تسبب بتلفيق واعتقال أشخاص لابتزازهم.

وعزا ضابط آخر تلك الانتهاكات إلى السعي المحموم من قِبل الضباط نحو الحصول على ما يُسمى بـ”القِدَم” وترفيع الدرجات والرتب بما يزيد مداخيلهم المالية ويدفعهم إلى محاولة ملء سجلات نشاطهم بأي طريقة ممكنة، حتى وإن اختلقوا جريمة من العدم وأعلنوا اعتقال مجرمها كما في حادثة بابل.

ولا تقتصر خطورة ملف جريمة بابل على الانتهاكات الوحشية التي تعرض لها المتهم، بل تسلط الضوء أيضا على فشل الأجهزة الأمنية وبقية السلطات المعنيّة، التي لم تتدرب لتتمكن من تمييز الاعترافات الصادقة من المُختلقة، رغم أن ميزانية الوزارات الأمنية تتربع على رأس قائمة الإنفاق العراقي، حيث يدفع العراقيون معظم أموال ثرواتهم للإنفاق على وزارات وأجهزة الأمن والعسكر.

إلا أن وزارة الداخلية العراقية نفت على لسان مسؤول الإعلام اللواء سعد معن وجود ضباط مختلين عقليا أو ذوي ميول سادية بين صفوفها، في تعليقه على تقرير أعده موقع “ناس نيوز” الإخباري إثر تزايد حالات التعذيب لدى أجهزة الوزارة، وفي مقدمتها مكاتب مكافحة الإجرام.

وسبق وأن نشرت العشرات من التقارير التي أعدتها منظمات دولية عن استمرار أجهزة الأمن العراقي باستخدام أساليب النظام السابق في التعذيب والانتهاكات الجسدية والجنسية، مع توفير الإفلات من العقاب للضباط المتورطين.

وخلُصت تقارير المنظمات الدولية إلى أن "العديد من حالات التعذيب التي مارستها القوات العراقية بحق مدنيين، لم تكن تستهدف الكشف عن معلومات أو انتزاع اعترافات، بل كان تعذيبا من أجل المتعة وبدافع السادية".