ضربات سياسية تصيب الحكومة المصرية بسبب القوانين ولا تسقطها
وافق مجلس النواب المصري الثلاثاء بصفة مبدئية على مشروع قانون “الإيجار القديم” المقدم من الحكومة وأثار جدلا واسعا مؤخرا، في خطوة تؤشر على تمرير القانون، وتجاهل السخط الشعبي ضد مواد فيه تتيح سحب السكن من المستأجر خلال سبعة أعوام، ما طرح تساؤلات حول مدى تحمل حكومة مصطفى مدبولي لضربات سياسية متتالية، بفعل تمرير قوانين مزعجة شعبيا من قبل البرلمان.
ولم يكن قانون الإيجار القديم وحده الذي قدمته الحكومة للبرلمان وأثار سخطا شعبيا بسبب تأثيره على الملايين من المواطنين، فقد سبقه قانون الإجراءات الجنائية الذي انتفضت ضده نقابات مهنية عديدة، وقانون المسؤولية الطبية المرفوض من عموم الأطباء، وقانون تأجير المستشفيات الحكومية الذي فتح الباب لخصخصتها، وقبلها قانون العمل بشأن علاقة العامل بصاحب العمل، وقانون اللاجئين الذي يمهد الطريق للتعايش مع مسألة وجودهم في مصر.
وحظيت هذه القوانين بمعارضة شعبية، غير أن الحكومة أصرت على تمريرها من خلال الأغلبية المؤيدة لها في البرلمان، ولم تلتفت لاعتراضات وجهت لها، واختارت تقديم تنازلات لم ترض أحدا، لتحافظ على رؤيتها العامة للقوانين، ما جعلها قادرة على تحمل الضربات دون أن يقود ذلك إلى إسقاطها، مع أنها لم تعد تحظى بشعبية كبيرة في الشارع، وتتصدر المشهد بقوانين ترى فيها فائدة من وجهة نظرها كجهة تنفيذية، لكنها تخصم من رصيدها الشعبي لما يترتب عليها من نتائج ضاغطة على مواطنين.
ويرى مراقبون أن النهاية السياسية للحكومة تعني استقالتها أو إقالتها، وأن تزايد وتيرة الانتقادات لها من قبل أعضاء في البرلمان محسوبين على السلطة، لا يعني أنه يجب التضحية بالحكومة، لأنها تتمكن من امتصاص الصدمات، ولديها قدرة على التعايش مع الضربات السياسية ولا تتضرر كثيرا من تبعاتها.
ويقول هؤلاء المراقبون إن توالي الانتقادات الموجهة للحكومة يقلل من فرص استهداف النظام الحاكم، ما يعكس بقاء رئيس الحكومة مصطفى مدبولي في منصبه حوالي سبع سنوات، ولو شكلت الانتقادات خطرا سياسيا لما استطاع الرجل الاستمرار كل هذه الفترة، مع تأكيد أن حكومته حققت نجاحات، بعضها يرتبط بالقدرات التنفيذية بشأن تطوير البنية التحتية والحفاظ على الهدوء الداخلي، وتمرير خطوات الإصلاح الاقتصادي الصعبة، وفي مقدمتها تحرير سعر الدولار وخفض قيمة الدعم.
كما أن توجيه انتقادات إلى حكومة مدبولي يمنح مؤشرات جيدة على وجود سخونة سياسية، تأخذ في التصاعد والهدوء، ما يوحي بزخم سياسي يتم توظيفه كدليل على مساحة الحرية في البلاد إلى درجة أن الحكومة تتعرض للعديد من الاتهامات.
وتبدو الحكومة مسؤولة عن الأخطاء التنفيذية وقادرة على الاستمرار في مهامها، وما يساعد على ترسيخ صورة عدم التضييق العام عدم الاهتمام الشعبي بالعمل السياسي بشكل جدي، والاستفادة من أي تعبير عن السخط كعملية تنفيس على مواقع التواصل.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة مصطفى كامل السيد إن المواطنين في مصر يفرقون بين الحكومة والنظام الحاكم بما فيه رئيس الجمهورية، ومن يتلقى الضربات السياسية والسخط الشعبي هو الحكومة، ويبقى هناك أمل أن يتدخل الرئيس عبدالفتاح السيسي في الوقت المناسب لوقف سياساتها المضرة، وهذه المعادلة طالما ظلت مستمرة وثمة حرص على بقائها فإن عدم إقالة أو استقالة الحكومة أمر مهم.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن تغيير الحكومة يتوقف على مسألة ما إذا كانت الضربات السياسية تصيب النظام الحاكم بقسوة أم لا، وحتى الآن من يتأثر هو الحكومة فقط مع الحفاظ على شعبية الرئيس التي لا تتشكل بناء على ما تتخذه الحكومة من قرارات أو ما تقدمه من قوانين مثيرة للجدل، إذ يمكن إقالتها عندما تفقد أغلبيتها داخل البرلمان، وهو احتمال ضئيل من الناحية العملية، فأعضاء مجلس النواب المحسوبون على السلطة أغلبية ويوفرون للحكومة شبكة أمان مريحة.
وأكد كامل السيد على أن نجاح الحكومة في تمرير تعليمات رئيس الجمهورية يحدد مدى قدرتها على البقاء، وأن النظام السياسي في مصر محكوم بضوابط صارمة، وإن كانت هناك أصوات نقد لاذعة داخل البرلمان، فذلك لا يصيب الحكومة بأذى بل إن الوزراء في بعض النقاشات البرلمانية لا يحضرون إلى مجلس النواب، دون أن يشكل ذلك أزمة.
ولا تركز رؤية الرئيس السيسي نفسه على الشعبية وترتبط على نحو أكبر بقدرة الحكومة على الإصلاح، كما يراه، وحال صدر قانون كان هدفه تحسين الوضع القائم، وإن لم يحظ بشعبية، فذلك لا يؤثر على قرار إقالة الحكومة أو بقائها، وقد تنخفض شعبية الرئيس لمدة أسابيع، لكنه يستعيدها بسهولة بعد فترة وجيزة.
وخلال جلسة البرلمان المصري الثلاثاء أكد رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب اللواء أحمد العوضي أن الدولة المصرية تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي حريصة على تحقيق العدالة الاجتماعية، لاسيما للفئات الأكثر احتياجا، وأنه دائما ينحاز إلى المواطن البسيط، وطالب بمد الفترة الانتقالية في قانون الإيجار القديم عند إقراره لتكون 10 سنوات بدلا من 7 سنوات.
وذكر الرئيس الشرفي لحزب تيار الكرامة (معارض) محمد سامي غالبية المشكلات التي تتسبب فيها الحكومة، لأنها ليست لديها الحصافة السياسية وتكمن مشكلتها في صعوبة اختيار الكفاءات الإدارية التي يمكن أن تقود إلى إخراج قوانين تحقق أغراض السلطة التنفيذية ولا تصطدم بمعارضة المواطنين، وما يبرهن على ذلك أن البيانات المرتبطة بالمستأجرين وعلاقتهم بالملاك ليست متوفرة بشكل كامل، والتعامل مع ملف يهدد مساكن نحو ثلاثة ملايين مواطن بهذه الطريقة يمكن أن تترتب عليه تداعيات تهز استقرار الدولة.
وأوضح لـ”العرب” أن اختيار المسؤولين والتأكد من كفاءاتهم لأداء المهام الموكلة لهم يبقيان أساس الوقوع في فخ المشكلات السياسية مع المواطنين أو عدم الوقوع فيه، وأن الجهات الرسمية يجب أن تتعامل مع هذا الملف بشكل مغاير بما لا يسمح بأن تطال الضربات بنية النظام السياسي.
ويحل قانون الإيجار القديم رغم الاعتراضات الكبيرة أزمة راسخة في مصر منذ سنوات طويلة بشأن العلاقة بين المالك والمستأجر وفقا لنظام قديم كانت فيه مدد الإيجار مفتوحة وليست محددة بتوقيت واضح، كما هو حال الوضع الراهن.
وعلى مدار سنوات لم تتمكن أي حكومة سابقة من التطرق إلى الأزمة، وكان الأمر يقف عند حد المناقشات البرلمانية المستفيضة، وعندما يتم تمريره دون أن يثير أزمة سياسية ومجتمعية واسعة، فعندئذ تكون الحكومة قد نجحت في مهمتها.