الدعم السريع ترى هدنة الفاشر المقترحة مناورة للجيش لإدخال السلاح
رفض المستشار في قوات الدعم السريع، الباشا طبيق، بشكل قاطع مقترح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بخصوص هدنة إنسانية لمدة أسبوع في الفاشر، مؤكدا أن "أي حديث عن هدنة ما هو إلا محاولة من الجيش لإدخال الأسلحة لقواته المحاصرة".
وهذا الموقف يتناقض بشكل مباشر مع قبول الجيش السوداني للمقترح الأممي، ويكشف عن تعقيدات المشهد العسكري والسياسي في الفاشر، وعن التباين الكبير في مصالح وأهداف الطرفين المتحاربين.
وجاء تصريح طبيق بعد أن أعلن غوتيريش، الجمعة، أنه على تواصل مع طرفي النزاع في السودان سعيا لإرساء هدنة إنسانية في مدينة الفاشر، وهي الهدنة التي وافق عليها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان.
وأوضح المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك في تصريح لوكالة فرانس برس، أن غوتيريش دعا خلال اتصال بالبرهان، الحاكم الفعلي للبلاد منذ انقلاب العام 2021، إلى "وقف إطلاق نار لمدة أسبوع" في الفاشر التي تحاصرها قوات الدعم السريع منذ أكثر من عام.
وفي تصريح لصحافيين، قال غوتيريش إن "الاتصال بالجانبين يهدف بالأساس إلى تحقيق هذه الهدنة".
وتابع "الوضع دراماتيكي في الفاشر (...) الناس يتضورون جوعا وهم في وضع صعب للغاية"، مشيرا إلى ضرورة إرساء هدنة لإتاحة توزيع المساعدات، ولافتا إلى أن هذا الأمر يجب أن تتم الموافقة عليه مسبقا بهدف "إعداد عملية إيصال ضخمة للمساعدات" إلى الفاشر.
وقال غوتيريش "تلقيت ردا إيجابيا من الجنرال البرهان، وآمل أن يدرك الجانبان مدى أهمية تجنب الكارثة التي نشهدها في الفاشر".
وفي المقابل، كتب طبيق على حسابه على منصة إكس أن "الحديث عن هدنة إنسانية مؤقتة في الفاشر هو محاولة يائسة من البرهان لإدخال ذخائر ومواد غذائية إلى ميليشياته المحاصرة داخل مدينة الفاشر التي تلتقط أنفاسها الأخيرة بعد أن فشلت كل محاولاتهم العسكرية عبر متحرك الصياد الذي تم سحقه وتدميره في مدينة الخوي".
وأضاف طبيق أن هذه الهدنة لا علاقة لها بالعمل الإنساني، مشيرا إلى أن ما تقوم به قوات الدعم السريع من فتح للمسارات الآمنة وتأمين خروج المواطنين من مدينة الفاشر هي الخطوات الجادة لإخراج المواطنين من الجيش والحركات المتحالفة معه والتي تستخدمهم دروعا بشرية طيلة الفترة الماضية لتأخير سيطرة الدعم السريع على المدينة.
ودعا الأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة في الحقل الإنساني للتواصل المباشر مع قوات الدعم السريع والوكالة السودانية للمساعدات الإنسانية – ذراع إنساني لقوات الدعم السريع – للتنسيق حول كيفية توصيل المساعدات الإنسانية للمواطنين في المناطق الآمنة خارج الفاشر، محذراً من الاستجابة لدعوات الهدنة "المفخخة".
ويرى محللون أن قوات الدعم السريع شبه المسيطرة على مدينة الفاشر بعد أشهر من الحصار الخانق، بقبولها الهدنة في هذه المرحلة يعني التخلي عن ميزة عسكرية كبيرة، ومنح خصمهم فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة تنظيم الصفوف، وهو ما لا يتماشى مع أهدافهم بالسيطرة الكاملة على المدينة التي تُعدّ آخر معاقل الجيش في دارفور.
ويعكس رفض قوات الدعم السريع للهدنة أيضًا قلة ثقتها في الدور الأممي وفعاليته في تحقيق وقف حقيقي للأعمال القتالية، فقد نفى المستشار القانوني لقائد قوات الدعم السريع، محمد المختار، وجود أي نقاش مع أي جهة بشأن هدنة.
وفي المقابل، يمكن تفسير قبول الجيش للهدنة على أنه محاولة لكسب الدعم الدولي وتقديم نفسه كطرف ملتزم بالحلول الإنسانية، ومع ذلك، فإن هذا القبول يأتي من طرف هو "الأقل تأثيرا على أرض القتال في الفاشر"، مما يضعف من قيمته العملية.
فقبول الجيش الهدنة في منطقة لم يستطع رفع الحصار عنها يضع الطرف المحاصر – قوات الدعم السريع – في موقع تفاوضي أقوى بكثير، مما يجعل أي قبول يبدو ضعيفا ما دام قد سبقه تحفظ. وهذا يعني بوضوح أن اتصال الأمم المتحدة بقيادة الجيش بلا موافقة قوات الدعم السريع كان مجرد "تبادل تحايا" لا قيمة له على الأرض.
ويعكس رفض قوات الدعم السريع الهدنة المقترحة أنها أكثر دراية من الأمم المتحدة بقلة حيلتها سياسيًا، وأن دورها الإنساني مؤخرًا أصبح يقتصر فقط على الدعوة لوقف إطلاق النار وإيصال المساعدات، وهذا يؤكد أن حكومة أمر الواقع في بورتسودان قد ضلت سعيها في البحث عن مفتاح القبول لأنه ليس بيد الأمم المتحدة.
وترى الأوساط السياسية السودانية أن الدور الذي يلعبه المبعوث الأممي رمطان العمامرة لصالح الجيش وحلفائه ما هو إلا محاولة يائسة لتمكينهم من السيطرة على المساعدات الإنسانية، وهو الهدف الذي ظلت تلهث خلفه "مافيا المساعدات" منذ بداية الحرب.
فسعي الجيش لكسب ود الأمم المتحدة ليس سببه الوصول إلى هدنة ولا إيقاف الحرب، ولكنه صراع مرير للحصول على إمكانية وضع اليد على المساعدات الإنسانية واستغلالها.
وهذا التباين في المواقف يُبرز أن الهدنة الإنسانية في الفاشر ليست مجرد مسألة إغاثية، بل هي جزء من صراع أوسع على النفوذ والسيطرة والشرعية، فهي بالنسبة لقوات الدعم السريع، الفاشر هي المفتاح الأخير لإحكام سيطرتهم على دارفور، وأي هدنة تُعرّض هذا الهدف للخطر لن تكون مقبولة بسهولة.
وتشكل الفاشر أهمية خاصة بالنسبة إلى قوات الدعم السريع لكونها المدينة الوحيدة الخارجة عن سيطرتها في الإقليم الواقع غرب السودان، وتعد السيطرة عليها إحكام الدعم السريع قبضته على الإقليم بالكامل، وهو الهدف الاستراتيجي الكبير يجعل قوات الدعم السريع غير مستعدة للتنازل عن أي مكاسب ميدانية أو إعطاء فرصة للجيش.
ويتكون إقليم دارفور من خمس ولايات، أربع منها سقطت في يد الدعم السريع، وبقيت ولاية شمال دارفور حيث تسيطر عليها قوات الدعم السريع ما عدا عاصمتها مدينة الفاشر، والتي يبلغ عدد سكانها 3.5 مليون نسمة، و800 ألف نازح في مخيمات محيطة بها.
وتتعرض الفاشر لحصار خانق من قبل قوات الدعم السريع منذ أبريل 2024، كما تشهد مواجهات دامية بين الجيش وحلفائه من الحركات المسلحة، ضد "الدعم السريع"، تسببت في قتل أعداد كبيرة من المدنيين وتدمير للمنازل والمنشآت الخدمية.
وتسبب الحصار في خلق أزمات وشح شديد في السلع والأدوية، حيث تفاقم الوضع بعد توقف الجيش عن إسقاط السلع عبر الطيران الحربي منذ أبريل الماضي بعد تعرض طائرة شحن تابعة له لاستهداف من قبل قوات "الدعم السريع" أدى إلى سقوطها.
ويشهد السودان، ثالث أكبر دولة أفريقية من حيث المساحة، منذ أبريل 2023 حربًا مدمرة اندلعت على خلفية صراع على السلطة بين البرهان ونائبه السابق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو.