الديمقراطي زهران ممداني.. في عين «عاصفة جمهورية»
اختاره الديمقراطيون ليكون مرشحهم لرئاسة بلدية نيويورك، لكن على الضفة الأخرى، يبدو أن للجمهوريين مخططا لاستثمار الأمر على طريقتهم.
واختار الديمقراطيون في مدينة نيويورك اليساري المسلم زهران ممداني (33 عاما) كمرشحهم لرئاسة البلدية في انتخابات الثلاثاء، في مفاجأة لمنافسه أندرو كومو الذي شغل في الماضي منصب حاكم نيويورك.
وطوال حملته الانتخابية، استخدم ممداني وسائل التواصل الاجتماعي لجذب الانتباه، متجاوزا بذلك النهج الديمقراطي التقليدي، فتفاعل مباشرةً مع خصومه وسلط الضوء على سياسات اليسار، وفقا لما ذكرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
واستمرت هذه الاستراتيجية حتى يوم الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب لمنصب عمدة نيويورك، حيث رد على أسئلة مؤثرين من المدينة وظهر في فيديو نشرته قناة "بوب كريف" المحبوبة من جيل "زد".
ولاحقا، توجه إلى حفل نصر ضمّ ضيوفًا شبابًا ومعروفين، من بينهم إيلا إمهوف ابنة زوجة نائبة الرئيس السابقة كامالا هاريس.
وممداني الذي كان مرشحا ضعيفا، نجح في تحقيق فوز مفاجئ على الحاكم السابق أندرو كومو حيث استندت حملته إلى مقاطع فيديو رائجة وتعاون مع مبدعين من مختلف الأطياف السياسية.
فشرح أسباب ترشحه أثناء ركضه في ماراثون وروّج لخطته لتجميد الإيجارات بالقفز في المحيط المتجمد مرتديًا بدلة وربطة عنق.
وفي منشورٍ بمناسبة عيد الحب، غنى مقطعا من الأغنية الساخرة "هل تشعر بالحب الليلة؟"، وحمل بالونات حمراء على شكل قلب وشرح مصطلح "الحلال" أثناء مناقشته ارتفاع أسعار المواد الغذائية من داخل عربة طعام.
كما شرح التصويت التفضيلي باللغة الأردية مستخدمًا أكوابًا من مشروب اللاسي.
وبحلول منتصف يونيو/حزيران الجاري، هيمن ممداني على وسائل التواصل الاجتماعي لدرجة أن منشورًا انتشر على نطاق واسع، حصد أكثر من 17 مليون مشاهدة، أعلن فيه "يمكنك ببساطة أن تغرّد باسم زهران ممداني وتحصل على 1000 إعجاب فورًا".
«حضور رقمي»
يقول استراتيجيو الحزب الديمقراطي وناخبوه إن حضوره الرقمي كان ذكيًا وأصيلًا، من خلال رسالة لاقت صدى لدى شباب نيويورك والناخبين الديمقراطيين الذين سئموا من المنصات والشخصيات الضعيفة.
وتفوقت منشورات ممداني على منافسيه، بمن فيهم كومو الذي استثمرت حملته الانتخابية 25 مليون دولار في الإعلانات التلفزيونية والرسائل البريدية، مع حضور هادئ نسبيًا على وسائل التواصل الاجتماعي.
وكان ممداني نشطًا على وسائل التواصل حتى قبل إعلان ترشحه أواخر العام الماضي، إلا أن المرحلة الأخيرة من السباق شهدت ازديادًا كبيرًا في شعبيته فبلغ معدل تفاعله على إنستغرام 14 ضعفًا مقارنة بكومو خلال الشهر الجاري وفقًا لشركة التحليلات "سبراوت سوشيال".
وفي مقابلة مع "واشنطن بوست" قبل الانتخابات، قال ممداني: "تاريخيًا، كانت انتخابات عمدة المدينة تُجرى عبر موجات الأثير وصناديق البريد، وفي جميع أنواع وسائل الإعلام المدفوعة".
وأضاف: "اخترنا منذ البداية ألا نكتفي بتبني السياسات التي تُلامس حياة سكان نيويورك مباشرةً، بل أن نُوصل هذه السياسات إليهم مباشرةً".
الجمهوريون على الخط
في غضون ذلك، انتقد اليمينيون ممداني بشدة لتبنيه لسياسات يسارية، فكتب الناشط المحافظ كريستوفر روفو على منصة "إكس"، يقول إن "أفكاره مُدمرة تمامًا، لكن عرضه مُقنع".
ولم يُضيّع قادة الحزب الجمهوري الوقت للسعي لجعل ممداني رمزا للحزب الديمقراطي فصوروه على أنه "متطرف يساري"، وألمحوا إلى أنهم سيحاولون ربطه بمرشحين ديمقراطيين آخرين في جميع أنحاء البلاد.
ومع تراجع شعبيتهم، افتقد الجمهوريون وجود "بعبع" ديمقراطي يمكنهم الإشارة إليه، لذا يأملون أن يُساهم ممداني -رغم أنه ليس شخصية وطنية بارزة- في لعب هذا الدور.
وقال النائب ريتشارد هدسون الذي يرأس اللجنة الوطنية الجمهورية في الكونغرس: "الوجه الجديد للحزب الديمقراطي هو اشتراكي معاد لإدارة الهجرة والجمارك والشرطة ومعاد للسامية". وأضاف "إنها مشكلة حقيقية للحزب الديمقراطي، ومؤشر على مساره".
وأشار هدسون إلى أن الجمهوريين سيضغطون على المرشحين الديمقراطيين الآخرين لاتخاذ موقف من سياسات ممداني.
وقال "إما أن يعارضوه أو أن يفرضوا سيطرتهم عليه.. هذا هو الخيار الذي عليهم اتخاذه.. إنهم يحاولون الآن التوفيق بين الخيارين، وعليهم أن يكونوا صادقين مع الناخبين".
ويتبنى ممداني أفكارًا لافتة مثل جعل حافلات المدينة مجانية وبناء متاجر بقالة تديرها المدينة، كما ركزت حملته على قضايا أساسية تقليدية، مثل جعل الحياة في المدينة أكثر يسرًا، وتحسين النقل العام، وتسهيل فتح الأعمال التجارية.
ومع انتقاداته لإسرائيل ولحرب غزة ورفضه التنصل من شعارات مثل "عولمة الانتفاضة" التي يعتبرها بعض اليهود دعوة للعنف، يواجه ممداني اتهامات بمعاداة السامية رغم أنه أدانها، مؤكدا أن رسالته تدور حول دعم الحقوق الفلسطينية.
ورغم مكانة نيويورك البارزة في المشهد الأمريكي، إلا أن ممداني، بصفته عمدة مدينة، سيكون شخصية ثانوية مقارنة بالرئيس دونالد ترامب ولن يعني الكثير للناخبين في ويسكونسن أو ميشيغان.
لكن الجمهوريين تسابقوا لتعريفه بمجرد فوزه في السباق الديمقراطي، فكتب نائب الرئيس جيه دي فانس على موقع بلو سكاي "تهانينا للزعيم الجديد للحزب الديمقراطي".
وألمح ستيفن ميلر، مستشار ترامب، إلى أن فوزه جاء نتيجة لتصويت المهاجرين فكتب: "مدينة نيويورك هي أوضح تحذير حتى الآن لما يحدث للمجتمع عندما يفشل في السيطرة على الهجرة".
وقال مايك مارينيلا، المتحدث باسم اللجنة الوطنية الجمهورية في الكونغرس: "لو صممت الحزب الديمقراطي الحديث في مختبر، لحصلت على زهران.. معادٍ للسامية، ومعادٍ للشرطة، ومعادٍ لأمريكا".
«يأس»
في المقابل، سارع بعض الديمقراطيين إلى رفض أي محاولات لربط هوية ممداني أو أيديولوجيته بمرشحين ديمقراطيين آخرين أو بالحزب ككل.
وقالوا إنه ببساطة أدار حملة انتخابية ماهرة في مدينة ذات ميول يسارية، وإن فوزه في الانتخابات التمهيدية لا يعني أن الديمقراطيين الآخرين اشتراكيون.
واعتبروا أن جهود الجمهوريين لجعل ممداني هدفًا وطنيًا تنم عن يأس أكثر منها استراتيجية فعّالة.
وأضافوا أن انتخابات التجديد النصفي لعام 2026، وربما السباق الرئاسي لعام 2028، ستدور حول سياسات ترامب المثيرة للانقسام، وأن الاستراتيجيين الجمهوريين لن يتمكنوا من تغيير ذلك مهما حاولوا.
ومع ذلك، ينأى بعض الديمقراطيين بأنفسهم عن ممداني، في حين يشعر الديمقراطيون المعتدلون بالقلق من صعود ممداني، قائلين إنه سيجعل مهمة الحزب أكثر صعوبة.
وقالت النائبة لورا جيلين "الاشتراكي زهران ممداني لا يصلح لقيادة مدينة نيويورك"، وأضافت: "لقد بُنيت حملته الانتخابية بأكملها على وعود غير قابلة للتحقيق وضرائب أعلى، وهو آخر ما قد يخطر ببالي".
وفي حين هنأ زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر وزعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز ممداني، لكنهما لم يعلنا تأييدهما له.
ويتبنى التقدميون رسالة مختلفة تمامًا فقالوا إن ممداني يُقدم نموذجًا يُحتذى به للديمقراطيين الآخرين، فهو مرشح نشيط وشاب يجيد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وينشر رسالة تقدمية جريئة حول القضايا التي تهم الناخبين.