واشنطن وتل أبيب ترسمان المشهد الجديد في جنوب لبنان بلا يونيفيل
تواترت أنباء في وسائل الإعلام العبرية، الأحد، عن توافق بين الولايات المتحدة وإسرائيل على الدعوة لإنهاء مهمة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) المتمركزة في الجنوب اللبناني منذ عام 1978، مع توقع اتخاذ قرار نهائي بهذا الشأن في مجلس الأمن الدولي خلال أغسطس المقبل.
وقالت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية الخاصة، إن إسرائيل والولايات المتحدة قررتا إنهاء مهمة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، المتمركزة في الجنوب اللبناني منذ 1978.
وأفادت صحيفة "يسرائيل هيوم" بأن إسرائيل قررت الانضمام إلى الموقف الأميركي الداعي إلى إنهاء مهمة "اليونيفيل".
وتأتي هذه الخطوة مدفوعة بما تعتبره واشنطن وتل أبيب "فشلًا" للقوة الأممية في منع تسلح الجماعات المسلحة في المنطقة طوال فترة عملها، وهو ما يرى الجانبان أنه خرق لأهدافها الأمنية.
وتأسست يونيفيل عام 1978، بموجب قراري مجلس الأمن الدولي 425 و426، عقب الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان، وكانت مهمتها التأكد من انسحاب القوات الإسرائيلية، واستعادة السلم الدولي، ومساعدة الدولة اللبنانية على استعادة سلطتها في المنطقة.
وبعد انسحاب إسرائيل الكامل عام 2000، بقيت القوة تُراقب المناطق الحدودية، أما بعد حرب 2006 بين لبنان وإسرائيل فأُعيد نشرها ضمن بنود القرار 1701، لتشمل دعم الجيش اللبناني في تنفيذ الانتشار في الجنوب، ومراقبة وقف الأعمال العدائية، وتسهيل المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين.
وأفادت "يسرائيل هيوم"، بأن يونيفيل "لم تنجح فعليا في منع تسلّح الجماعات المسلحة في المنطقة طوال فترة عملها، وهو ما تعتبره كل من واشنطن وتل أبيب فشلًا في تحقيق الأهداف الأمنية".
وقالت الصحيفة إن "الولايات المتحدة تسعى إلى خفض التكاليف المترتبة على تشغيل القوة".
وأضافت أن "إسرائيل تعتبر أن التنسيق مع الجيش اللبناني كافٍ، وبالتالي لم يعد هناك حاجة حقيقية لوجود اليونيفيل".
ولم يصدر عن الولايات المتحدة أو إسرائيل أو القوة الأممية تعليق على ما أوردته الصحيفة العبرية.
ومن المنتظر أن يُتخذ القرار النهائي بمصير يونيفيل في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة خلال شهر أغسطس 2025، وفق الصحيفة ذاتها.
وتُنفّذ اليونيفيل حاليا دوريات منتظمة على امتداد الحدود بين إسرائيل ولبنان، وتبلغ قوامها نحو 10 آلاف عنصر من أكثر من 50 دولة، مهمتهم الحد من التوترات بين حزب الله والجيش الإسرائيلي.
وفي مايو الماضي، أعربت يونيفيل، عن قلقها إزاء استهدافات إسرائيلية لممتلكاتها وأفرادها جنوب لبنان، آخرها إطلاق طلقتين ناريتين أصابت إحداهما قاعدة لها جنوب قرية كفرشوبا اللبنانية الحدودية.
وعُدّ هذا الحادث الأول الذي يصاب فيه موقع لليونيفيل بشكل مباشر منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان (حزب الله) في 27 نوفمبر 2024.
ومع اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة إثر هجوم نفذته الحركة على جنوب الدولة العبرية في السابع من أكتوبر 2023، فتح حزب الله جبهة "إسناد" لغزة تصاعدت في سبتمبر 2024 إلى حرب مفتوحة أضعفت قدراته وأدت إلى تصفية العديد من قادته على رأسهم الأمين العام السابق حسن نصرالله.
وتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في 27 نوفمبر نص على نشر قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (اليونيفيل) والجيش اللبناني فقط في جنوب لبنان وانسحاب حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، على بعد 30 كيلومترا من الحدود الإسرائيلية وتفكيك ما تبقى من بنيته التحتية في الجنوب.
وكذلك، نصّ على انسحاب إسرائيل من مناطق توغلت فيها في جنوب لبنان خلال الحرب. وقد انسحبت القوات الإسرائيلية منها، باستثناء خمسة مرتفعات تتيح لها الإشراف على جانبي الحدود.
ورغم أن الوحدات الجوية الإسرائيلية استمرت في ضرب المجموعة. قُتل حوالي 170 عضواً من حزب الله منذ وقف إطلاق النار، حتى الآن، وامتنعت المجموعة عن الرد بالضرب.
كما بدأ لبنان نزع سلاح الميليشيات الفلسطينية المحلية من خلال الحوار مع السلطة الفلسطينية وحماس.
هذه التطورات أعادت تشكيل المشهد الأمني وخلقت زخمًا لإنفاذ قراري مجلس الأمن 1701 و1559، اللذين يهدفان إلى تعزيز السيادة اللبنانية ونزع سلاح الميليشيات في جميع أنحاء البلاد.
واعتمد النظام الأمني الذي تأسس بعد حرب 2006 على الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني بدعم من "اليونيفيل"، لكن حزب الله أضعف هذا النظام على مر السنين.
ويشير تقرير لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إلى أن الحرب الأخيرة أدت إلى معمارية أمنية جديدة تعتمد مجددًا على الجيش اللبناني بدعم من "اليونيفيل"، ولكن هذه المرة معززة بمراقبة أميركية محورية وإنفاذ عسكري إسرائيلي "عدواني" ضد انتهاكات حزب الله. وقد نشط الدور الأميركي الجيش اللبناني وعزز الاتصالات الإسرائيلية-اللبنانية، بينما تراجع دور "اليونيفيل" كقوة وساطة.
وعلى الرغم من إفادات الجيش اللبناني عن مداهمة مئات المواقع لحزب الله وتفكيك بنيته التحتية الجنوبية، وإفادات "اليونيفيل" عن عثورها على مخابئ أسلحة، فإن إسرائيل لا تقتنع بزيادة فعالية "اليونيفيل"، وتعتبرها غير قابلة للإصلاح.
يُشير تقرير معهد واشنطن إلى أن المشكلة المزمنة في "اليونيفيل" هي عدم التطابق الاستراتيجي بين مهمتها المعلنة وولايتها وحجمها وطريقة عملها. فقد افتقرت بيروت والأمم المتحدة للإرادة السياسية لمواجهة انتشار حزب الله العسكري، ما جعل دوريات "اليونيفيل" غير مجدية، حيث مُنعت من الوصول إلى المناطق الحساسة وتعرضت للمضايقة.
في أكتوبر 2023، بقي 10 آلاف من حفظة السلام في "اليونيفيل" دون فائدة محسوسة، بل خدموا كدرع لحزب الله، ووفقا لشهادات، قامت المنظمة برشوة حفظة السلام واستخدمت مواقعهم ومعداتهم ضد إسرائيل. ويؤكد التقرير أن "اليونيفيل" اليوم كيان غير فعال بميزانية سنوية ضخمة تبلغ 500 مليون دولار.
ويُشير التقرير إلى أن إنهاء مهمة "اليونيفيل" تماما وتحويل مواردها إلى الجيش اللبناني قد يكون الخيار الأفضل، لكنه قد لا يكون ممكنا دبلوماسيا. لذا، تقترح الولايات المتحدة وإسرائيل بديلًا هو "يونيفيل 3.0" بدعم من فرنسا ولبنان والمملكة المتحدة، بهدف إعادة تشكيل الدور الأممي بما يتوافق مع الحقائق الأمنية والسياسية الجديدة.