الأطفال في العراق يستعيضون عن الهواتف الذكية بألعاب الأحياء الشعبية
لم تستطع الهواتف الذكية ولا الألعاب الإلكترونية أن تثني الأطفال في العراق عن الاستمتاع بفرحة العيد؛ فقد انتصرت ألعاب الأحياء الشعبية على بريق شاشات الهواتف وضوئها الأزرق.
وبين “الفرارة” الخشبية و”المراجيح” الحديدية و”الدولاب الهوائي الصغير”، التي لا تزال تنصب في درابين الأحياء القديمة، يقفز الأطفال فرحين فوق الأرض الترابية، ضاحكين كما لو أن الزمن لم يتغير.
كما تستعيد الأزقة دورها كملاعب مؤقتة، وتتحول الساحات الصغيرة إلى مساحات فرح جماعي، ويركب الأطفال العربة ويجوبون بها الشوارع القديمة ليثبت العيد الشعبي حضوره مجدداً، حاملاً معه طقوسا توارثها الأبناء عن الآباء، وفق ما أوردته وكالة الأنباء العراقية (واع).
وقال أبوحسين، وهو أب لثلاثة أطفال، لـ”واع” إنه يعيش في منطقة بعيدة عن هنا، لكنه يحرص في كل عيد على أن يأتي بأولاده إلى هذه الأحياء الشعبية في منطقة الرحمانية، كي يعيشوا معنى العيد الحقيقي، كما عايشه هو قبل ثلاثين سنة أو أكثر.
أكثر ما يفرح الأطفال هو المرجوحة اليدوية، تلك التي يدفعها صاحبها بيده، وحين تبدأ بالدوران يطلبون منه أن يزيد السرعة
وأضاف أنهم كانوا لا يريدون للعيد أن ينتهي، ولا للألعاب أن تندثر، والدولاب الهوائي الذي يُدار بيد الشاب الواقف خلفه ما زال هنا، ورغم أنه بسيط وقد لا تتوفر فيه معايير السلامة الحديثة، لكنه كان ولا يزال آمنا، لأن حجمه صغير ولا يتسع لأعداد كبيرة، ما يمنح الآباء شعورا بالاطمئنان.
وأكد أنه رأى الفرحة في وجوه أطفاله حين شاهدوا الأرض المليئة بالألعاب، والأطفال يركضون ويغنون، والجميع يرتدون أجمل ما لديهم من ملابس، فهذه اللحظات لا تُعوّض، وهي التي تصنع ذكريات العيد الحقيقية، وفق قوله.
ينتظر الأطفال دورهم لركوب عربة يجرّها حصان، فيما تصدح أصوات الصغار بأغان شعبية حفظوها من إخوتهم وأقرانهم.
بدوره أشار أبومهند صاحب العربة المزينة بأشرطة ملوّنة ورايات صغيرة، والتي يجرها حصان، خلال حديثه لـ”واع”، إلى أنه منذ أكثر من عشر سنوات يخرج بعربته في الأعياد ويجوب بها الشوارع القديمة، ويصعد الأطفال واحداً تلو الآخر.
وقال “قد تبدو العربة لعبة بسيطة، أو حتى بلا لعبة حقيقية، وأنها مجرد وسيلة تقلهم، لكنها بالنسبة إليهم فُرجة لا يكتمل العيد من دونها،” مبينا أنهم عندما يركبون ويشرع الحصان في التحرك يبدأ الغناء، وتتحول الجولة إلى لحظة احتفال كاملة.
وأكمل “غالبا ما يطلب مني الأطفال أن أطيل الجولة، يقولون لي: دعنا ندرْ مرة ثانية. ورغم بساطة ما أقدمه أرى في وجوههم فرحا صادقا، فخطوات الحصان البطيئة على الأرض وضحكاتهم وتلك الأغاني العفوية، كلها تشكّل عيدا مصغّرا لا يحتاج إلى كهرباء أو شاشات،” مردفا أن “الطفل العراقي يفرح بأبسط الأمور، وهذا النوع من الفرح لا يجب أن يختفي، لأنه لا يُشترى ولا يُستبدل.”
الأطفال ينتظرون دورهم لركوب عربة يجرّها حصان، فيما تصدح أصوات الصغار بأغان شعبية حفظوها من إخوتهم وأقرانهم
ولفتت أم علاء خلال حديثها لـ”واع”، وهي جدة جاءت برفقة أحفادها، بينما كان الأطفال يركضون من لعبة إلى أخرى وهي تراقبهم بعينين يملأهما الحنين، إلى أنها تعيش في منطقة الرحمانية، وكل عيد يطلب منها أحفادها أن تبقى هنا، ولا يريدون الذهاب إلى مدينة الألعاب الكبيرة، ولا يحبون الملاهي الحديثة، رغم ضخامتها، هنا يشعرون بالعيد الحقيقي.
ونوهت بأن أكثر ما يفرح الأطفال هو المرجوحة اليدوية، تلك التي يدفعها صاحبها بيده، وحين تبدأ بالدوران يصرخون بحماسة ويطلبون منه أن يزيد السرعة، وبعد ذلك يركضون إلى “دولاب الهواء”، اللعبة التي تعتمد على الهواء وتتحرك يدوياً، ثم يتجهون إلى لعبة “سفينة نوح”، وهي سفينة صغيرة لا تتسع لأكثر من ستة أطفال، لكنها تسعدهم أكثر من السفن الحديثة في الملاهي أو المجمعات التجارية.
وأردفت أن هذه الألعاب الشعبية، رغم بساطتها، تصنع فرحا حقيقيا، ربما لأنها قريبة منهم، بحجمها وشكلها وسياقها، إذ يشعرون بأنهم يملكونها، وأحفادها يقولون لها دائما “العيد من دون مرجوحة ودولاب وسفينة نوح لا يكتمل.”
وسط الأجواء المزدحمة بالأطفال والضحكات أكد حيدر كريم، وهو شاب من أبناء منطقة الرحمانية يراقب الألعاب اليدوية، لـ”واع” أن منطقتهم، كما يراها، ليست مجرد حيّ شعبي، بل صورة مصغرة لهوية العراقيين، وهذه الألعاب البسيطة، التي يصنعها وينصبها في كل عيد، تمثل أكثر من مجرّد وسيلة للترفيه، هي جزء من ذاكرتهم الجماعية، ومن تراثهم الشعبي الذي يحافظون عليه رغم تغيّر الزمن.
واستطرد قائلا إنه حين يرى الأطفال يركبون “المرجيحة” الخشبية أو “الدولاب الهوائي” اليدوي، ويغنون ويضحكون، يدرك أن هذه ليست لحظات عابرة، وإنما هي لحظات نادرة تصنع البهجة، تماما كما عاشها آباؤه وأجداده.
وأوضح أنهم يعيدون إنتاج الفرح بأدوات بدائية، وبساطة مدهشة، وينقلون ذلك من جيل إلى آخر، مضيفا أن “وجود هذه الألعاب اليوم هو ضرورة للحفاظ على معنى العيد وروحه، كونها تذكيرا بأن العراقيين، في يوم من الأيام، كانوا يحتفلون بأبسط ما لديهم، لذلك من واجبهم أن يحموا هذه المظاهر من الاندثار، وأن يستمروا في تقديمها لأطفالهم كما قدمها أهلهم لهم.”