الجزائريون يأملون في أن يبدد انسحاب فاغنر مخاوفهم في مالي
طرح قرار انسحاب مجموعة فاغنر الروسية من مالي بدعوى نهاية المهمّة، تساؤلات حول توقيته ودلالاته خاصة في ظل التفاعلات التي تشهدها منطقة الساحل ومالي تحديدا، بعد تصاعد هجمات المتشدّدين، وتقاطع الأدوار بين القوى الإقليمية والدولية الفاعلة، في وقت يعتقد فيه الجزائريون أن انسحاب مجموعة المرتزقة الروس خطوة روسية تهدف إلى تبديد مخاوفهم. لكن الأمر قد لا يكون بهذه السرعة في الاستنتاج.
وأعلنت مجموعة فاغنر انتهاء مهامها في مالي بعد أزيد من ثلاثة أعوام من التواجد الميداني والحرب على التحالف الأزوادي المعارض، وإعادة مدن ومحافظات في شمالي البلاد لسيطرة الحكومة في باماكو، لكنها لم تقدم في بيانها المقتضب على منصة تليغرام، الدواعي والأسباب التي دفعتها إلى اتخاذ هذا القرار المفاجئ.
لكن تزامن إعلان الانسحاب مع تصاعد وتيرة الأعمال المسلحة التي ينفذها تنظيم “نصرة الإسلام والمسلمين” المقرّب من القاعدة، وتكبّد فاغنر لخسائر فادحة في عدة معارك، بما فيها تلك التي نفذها التحالف العسكري الأزوادي في منطقة تينزواتين المحاذية للحدود الجزائرية العام الماضي، ووقوع قتلى وجرحى وأسرى في هجوم بولاكاسي في الأسبوع الماضي، يوحي بأن له علاقة مباشرة بطبيعة الوضع الأمني الهش الذي تعيشه مالي.
الخطوة المفاجئة لمجموعة فاغنر تندرج في مسعى روسي لترتيب الأوراق الداخلية، لاسيما الأذرع العسكرية
وقال بيان فاغنر المصور في منصة تليغرام، إن المجموعة “قضت على الآلاف من الإرهابيين، واستعادت مدنا رئيسية مثل غاو وتمبكتو وأنفيس وكيدال، وإن مساحة الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة المالية قد تضاعفت”.
وأضاف “قاتلوا فاغنر حاربوا على مدى ثلاث سنوات ونصف جنبا إلى جنب مع الشعب المالي ضد الإرهاب، وساعدوا المواطنين المحليين على بناء جيش قوي ومنضبط قادر على الدفاع عن أرضهم”.
ويرى موقع “مينا ديفونس” الجزائري المختص في الشؤون الأمنية والعسكرية، أن قرار المجموعة الروسية ينطوي على جملة من الفرضيات، بما فيها تقاطع المصالح الجزائرية مع روسيا في المنطقة، وقد يكون خطوة من موسكو لفرض حالة من الانضباط على ذراعها العسكرية في مالي، بشكل لا يزعج شريكا إستراتيجيا لها في شمال أفريقيا، وهو ما لم تستطع فرضه على مجموعة فاغنر التي نقلت عملها الميداني خلال الأشهر الأخيرة إلى المسافة صفر مع الجزائر.
ويذهب إلى أن الاتفاق العسكري السري المبرم بين الجزائر والولايات المتحدة خلال الأسابيع الماضية، لا يستبعد أن يكون قد تضمن خطة للمواجهة أو الحيلولة دون تمدد النفوذ الروسي في منطقة الساحل، وهو ما تكون قد تلقفته موسكو، عبر إعادة ترتيب الأوراق بشكل يبدّد مخاوف الجزائر على أمنها ودورها الطبيعي في المنطقة.
ويبدو أن الشكوك التي حامت حول أداء مقاتلي المجموعة، بعد سقوط أعداد منهم، وتسجيل حالات عدم انسجام في العديد من العمليات العسكرية، بحسب تقارير محلية، فضلا عن اتهامها بارتكاب مجازر في حق المدنيين، قد اضطرت القيادة السياسية في موسكو، إلى سحب فاغنر من جبهة مالي، على أن يتم استخلافها بـ”الفيلق الأفريقي”، الواقع تحت الوصاية المباشرة لوزارة الدفاع الروسية.
ولم يستبعد محللون سياسيون أن تندرج الخطوة المفاجئة للمجموعة في مسعى روسي لترتيب الأوراق الداخلية، لاسيما الأذرع العسكرية، خاصة أن مجموعة فاغنر تحافظ على نوع من الاستقلالية عن القرار الحكومي عكس الفيلق الأفريقي الذي تشرف عليه وزارة الدفاع بشكل مباشر.
كما لا يستبعد هؤلاء أن يكون القرار خطوة في طريق إعادة انتشار عسكري روسي، خاصة بعد التطورات التي تعيشها جبهة الحرب على أوكرانيا، ويرجح أن تتم الاستعانة بعناصر المجموعة في تغيير موازين القوى الميدانية.
ولم تصدر الحكومة المالية أيّ بيان رسمي حتى الآن بشأن إعلان انسحاب فاغنر رغم تزامنه مع وضع أمني متوتر جراء هجمات جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، المتواجدة على تخوم العاصمة باماكو، ودخلت في اتصالات مع أعيان القبائل المحايدين أو الموالين للجيش المالي، من أجل تسليم أسلحتهم مع ضمان الحماية لهم.
موسكو لا تريد التفريط في نفوذها المتزايد في المنطقة، حيث لم تمض إلا ساعات قليلة بعد إعلان فاغنر الانسحاب، حتى أعلن "فيلق أفريقيا" استمراره في مالي
ويعود أول تواجد للمجموعة المنسحبة في مالي إلى العام 2022، بموجب اتفاق أبرم بين المجلس العسكري الحاكم في البلاد وبين قيادتها، ورغم مقتل رئيسها يفغيني بريغوجين، العام 2023، في حادث طائرة غامض بقيت المجموعة في مالي تقود مخطط الحرب على الفصائل الأزوادية المسلحة، واستعادة مدن الشمال إلى سيطرة الحكومة المركزية، خاصة بعد انسحاب القوات الفرنسية، وفريق “المينوسما” الأممي.
ويبدو أن موسكو لا تريد التفريط في نفوذها المتزايد في مالي ومنطقة الساحل عموما، حيث لم تمض إلا ساعات قليلة بعد إعلان مجموعة فاغنر الانسحاب من مالي، حتى أعلن “فيلق أفريقيا” الروسي استمراره في مالي.
ونقلت تقارير إعلامية دولية عن “الفيلق الأفريقي” عبر قناته على تليغرام، أن “مغادرة فاغنر لن تحدث أي تغييرات، وأن وحدات هذا الفيلق ستبقى في مالي، وأن روسيا لا تتراجع، وعلى العكس من ذلك فإنها تواصل دعمها لباماكو الآن على نحو أكثر جوهرية”.
ويعتمد الفيلق الأفريقي، الذي تم الإعلان عنه مطلع العام 2024 في تركيبته على حوالي 70 إلى 80 في المئة من مقاتلين سابقين في فاغنر. ويتوزع الفيلق الذي يشرف على إدارته نائب وزير الدفاع الروسي الجنرال يونس بك إيفكوروف، بين 5 بلدان أفريقية هي ليبيا، والنيجر، ومالي، وبوركينا فاسو، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وتحتضن ليبيا مقره المركزي، وتتراوح قواته بين 40 و45 ألف عنصر، وبدأت عمليات التجنيد لصالحه في ديسمبر 2023 في عدد من الدول الأفريقية وروسيا.
وتؤكد هذه المعطيات وجود رغبة من روسيا في ترتيب أوراقها وأذرعها العسكرية وإضفاء المزيد من التنظيم والإستراتيجية في المحور الذي تؤسس له في أفريقيا، وهي مهمة ليس في مقدور مجموعة مسلحة الاضطلاع بها.