مواجهات صبراتة تعري حالة الفوضى وانفلات السلاح في غرب ليبيا

وكالة أنباء حضرموت

كشفت الاشتباكات الدامية التي شهدتها مدينة صبراتة الليبية أيام عيد الأضحى وأدت إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى، عن طبيعة ما تعيش عليه المنطقة الغربية من حالة الفوضى الأمنية وسيطرة الجماعات المسلحة في ظل عجز سلطات طرابلس عن القيام بالدور المنوط بعهدتها منذ وصولها إلى السلطة في أوائل العام 2021.

وكلّف رئيس حكومة الوحدة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة آمر منطقة الساحل الغربي العسكرية الفريق صلاح الدين النمروش بفتح تحقيق فوري وشامل في أحداث الاشتباكات المسلحة التي شهدتها مدينة صبراتة خلال الساعات الماضية، مؤكدا ألا تهاون مع أي جهة تهدد أمن المواطنين أو تسعى لزعزعة الاستقرار.

وأوضح المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة، في بيان صحفي، أن هذا القرار يأتي استكمالا لتعليمات سابقة أصدرها الدبيبة الخميس الماضي، بتكليف القوات العسكرية المختصة بالتدخل العاجل ميدانيا لفض الاشتباك وتأمين المدينة.

وشدد الدبيبة على أن الدولة تتابع الأوضاع في صبراتة عن كثب، مشيرا إلى أن الأجهزة الأمنية والعسكرية مُلزمة بفرض القانون على الجميع دون استثناء، في سبيل حماية المدنيين وضمان استقرار المدن الليبية.

وشهدت مدينة صبراتة، الواقعة على بعد حوالي 70 كم غرب مدينة طرابلس، أول أيام عيد الأضحي مواجهات طاحنة بالأسلحة المتوسطة والثقيلة بين تشكيلات مسلحة محلية، أدت إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى.

مصادر محلية ردت المواجهات إلى صراع نفوذ على المنطقة الساحلية التي تعتبر ملجأ للسكان من هجير الصيف

وأكد المجلس البلدي بالمدينة تواصله المباشر مع مديرية الأمن وجهاز مكافحة التهديدات الأمنية والجهاز الوطني للقوة المساندة، مشيرا إلى أن الجهود كللت بالنجاح في التوصل إلى وقف لإطلاق النار وتهدئة الأوضاع.

وناشد الهلال الأحمر الأهالي البقاء في منازلهم والابتعاد عن أماكن التوتر، محذرا كافة الأطراف المسلحة من المساس بالمدنيين، ومؤكدا أن “سلامة المواطنين خط أحمر”.

وأعلن في إحصائية أولية عن مقتل 8 أشخاص وإصابة أكثر من 10 آخرين في اشتباكات مسلحة بين ميليشيات في منطقة الدبابشة بمدينة صبراتة.

ووصف سفير ليبيا الأسبق لدى مجلس الأمن إبراهيم الدباشي المشهد بالمأساوي والمؤلم، حيث تحولت أجواء العيد إلى ساحة حرب.

وقال الدباشي، وهو أحد سكان المدينة، إن أصوات التكبير في المسجد توقفت فجأة لتحل محلها طلقات الرصاص وقذائف الـ”آر.بي.جي”، مضيفا أن المصفحات انتشرت في أحياء المدينة وبين المنازل، مما اضطر الأهالي إلى البقاء داخل بيوتهم، وأدى إلى ضياع صلاة العيد وفرحة المناسبة الدينية.

وأشار الدباشي إلى أن “القتال يدور بين مسلحين تحركهم ثارات شخصية وانتقامات وصراع على مكاسب غير مشروعة”، متهما السلطة القائمة بدعم هذه المجموعات، رغم ادعائها أنها تتبع لها رسميا.

وردت مصادر محلية المواجهات إلى صراع نفوذ بين الميليشيات على المنطقة الساحلية التي عادة ما تكون ملجأ للسكان المحليين من هجير الصيف.

وأصدر آمر المنطقة العسكرية بالساحل الغربي تعليماته إلى الكتيبة 33 عمليات خاصة بضرورة الانتشار الفوري داخل مدينة صبراتة لفرض الأمن والاستقرار.

المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا أعربت عن إدانتها الشديدة واستنكارها للاشتباكات المسلحة التي شهدتها صبراتة

وأكد النمروش أن الكتيبة باشرت مهامها على الأرض، وأن التحقيقات جارية بإشراف النيابة الكلية العسكرية بالمنطقة الغربية، وذلك في إطار جهود المؤسسة العسكرية لضبط الوضع ومحاسبة المتورطين في أي تجاوزات.

واتهم الناشط السياسي محمد قشوط حكومة الدبيبة بتوظيف مؤسسات الدولة لتحقيق مصالح ضيقة، مشيرا إلى تدخل “غير قانوني” لرئيس الأركان في المنطقة العسكرية الغربية صلاح النمروش، والذي كلف بفتح تحقيق في الاشتباكات الأخيرة التي شهدتها مدينة صبراتة غرب ليبيا.

وتابع أن النمروش لا يتبع إداريا لحكومة الدبيبة، بل يخضع قانونيا للمجلس الرئاسي بقيادة محمد المنفي، مشيرا إلى أن هذا التدخل يؤكد أن المنفي لا يمتلك سلطة حقيقية، بل يعمل كموظف تحت هيمنة أفراد عائلة الدبيبة، لا صوت له أمامهم ولا قرار.

وأشار قشوط إلى أن النمروش نفسه سبق أن قاد حملة عسكرية انطلقت من مدينة الزاوية باتجاه العجيلات، تحت شعار “القضاء على الميليشيات”، وقد رُوّج لها إعلاميا بشكل مكثف، إلا أن الحملة سرعان ما توقفت وانسحبت القوات، لتعود الميليشيات إلى مواقعها، بل وتصبح أقوى من ذي قبل.

كما انتقد قشوط الأوضاع الأمنية المتدهورة في مدينة صبراتة، إحدى مدن الساحل الغربي التي سبق أن مرّ بها النمروش وقواته، مؤكّدا أن المدينة تعيش حالة من الخوف وعدم الاستقرار في ظل اشتباكات دامية خيّمت على أجواء عيد الفطر، وحالت دون فرحة الأهالي بالعيد وسط أصوات المدافع وأخبار القتل وسفك الدماء.

بدوره، حمل الباحث السياسي الليبي أحمد المهدوي حكومة الدبيبة المسؤولية عن اشتباكات صبراتة في أيام عيد الأضحى، وقال إن المؤسف غياب المجلس الرئاسي ومعه رئاسة الأركان بالمنطقة الغربية، مردفا أن صبراتة معروفة بنشاط تهريب وتجارة البشر وأن النزاع الحالي يرجع إلى رغبة بعض الجهات في مدينة الزاوية في السيطرة على تلك التجارة.

اشتباكات صبراتة تأتي في سياق حالة الفوضى وانفلات السلاح في مناطق نفوذ حكومة الدبيبة التي خسرت جميع رهاناتها

وأوضح المهدوي أن الجيش الوطني سبق له أن حرر مدينة صبراتة قبل أن تتحالف الميليشيات وتعيد السيطرة على المدينة من جديد، مشيرا إلى أنه كان يتعين على الدبيبة أن يبدأ بصبراتة لتنظيفها من الميليشيات قبل أن يبدأ بعملية عسكرية في طرابلس.

واندلعت الاشتباكات بعد هجوم شنّته مجموعة مسلحة تابعة لأبناء الخضراوي بالزاوية على مصيف “ليبرتون”، والذي يُعرف بكونه أحد المواقع الخاضعة لسيطرة أحمد الدباشي، الملقب بـ”العمو”، المتهم في قضايا تتعلق بالهجرة غير القانونية والاتجار بالبشر.

وأظهرت مقاطع فيديو متداولة هروب مهاجرين غير قانونيين من أوكار للهجرة تابعة لـ”العمو” الذي هدد بأنه قد يكشف خلال الأيام القادمة عن جميع المتورطين في جرائم الاتجار بالبشر التي تعد وصمة عار على جبين السلطات المحلية في غرب ليبيا.

ووفق مصادر محلية، فإن مسلحي الزاوية هاجموا مصيف “ليبرتون” الواقع تحت سيطرة “العمو” في صبراتة، وأشعلوا النار بمرافقه، وذلك على إثر العثور على جثة شاب يدعى عبدالرحمن محمد الدباشي المعروف بكنية “غوغل” من سكان منطقة الدبابشية بعد استهدافه بالرصاص في منزله.

وأعربت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا عن إدانتها الشديدة واستنكارها للاشتباكات المسلحة التي شهدتها مدينة صبراتة يومي الخميس والجمعة الماضيين، بين جماعات مسلحة خارجة عن القانون قادمة من مدينة الزاوية، ما أسفر عن إصابات بليغة في صفوف المدنيين، وسط حالة من الغضب الشعبي والمطالبات بإخراج التشكيلات المسلحة من المدينة وعودة الحياة إلى طبيعتها.

وأكدت المؤسسة أن الاشتباكات اندلعت داخل الأحياء السكنية المأهولة بالسكان، مما عرض حياة المدنيين للخطر وسبب حالة من الرعب في صفوفهم، معتبرة ذلك استهتارا صارخا بأمن وسلامة المواطنين.

وطالبت المؤسسة بالوقف الفوري لأعمال العنف وإخلاء المدينة من جميع التشكيلات المسلحة، مجددة تأكيدها أن تكرار مثل هذه الأحداث يعد فشلا كبيرا من قبل الحكومة المنتهية ووزارة الداخلية في ضمان الأمن وحماية المدنيين.

وحملت المؤسسة حكومة الدبيبة المسؤولية القانونية الكاملة عمّا آلت إليه الأوضاع في المدينة من خسائر بشرية ومادية، نتيجة القصف العشوائي وترويع السكان، وشددت على ضرورة إعادة هيكلة القطاع الأمني، وتفكيك التشكيلات المسلحة الخارجة عن القانون، والعمل على تحقيق الأمن والاستقرار في مناطق الساحل الغربي، التي تعاني من فوضى أمنية وتصاعد معدلات الجريمة منذ سنوات، داعية المجلس الرئاسي والحكومة المنتهية إلى فتح تحقيق شامل في أسباب هذه الاشتباكات، ومحاسبة المسؤولين عنها، وإنهاء الإفلات من العقاب، وصون حقوق المدنيين.

وبحسب مراقبين، فإن اشتباكات صبراتة تأتي في سياق حالة الفوضى وانفلات السلاح في مناطق نفوذ حكومة الدبيبة التي خسرت جميع رهاناتها وأكدت فشلها في تأمين المنطقة الغربية رغم الحملات الأمنية والعسكرية المتتالية التي نفذتها خلال الأشهر الماضية.