من يخلف أبوالغيط: مصري أم خليجي أم مغاربي

وكالة أنباء حضرموت

فتح تلميح الإعلامي والبرلماني المصري مصطفى بكري عن تولي رئيس الحكومة مصطفى مدبولي منصبا مهمّا، حديثا عن بعض أزمات جامعة الدول العربية المسكوت عنها، لأن المنصب الذي قصده هو أمين عام جامعة الدول العربية، خلفا للسفير أحمد أبوالغيط الذي تنتهي ولايته في يونيو من العام المقبل.

وفجّر هذا الملف مشكلة أولى تتعلق بجامعة الدول العربية ومنصب الأمين العام الذي تحتكره مصر منذ سنوات طويلة كدولة مقر، وترفض تدويره بين دول عربية أخرى، وما المانع في أن يكون خليجيا في ضوء صعود التأثير الخليجي إقليميا ودوليا، ولماذا لا يكون كذلك مغاربيا كما حصل بعد انتقال الجامعة إلى تونس إثر صدمة زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى إسرائيل واختيار التونسي الشاذلي القليبي أمينا عاما.

وجود تحفظات على سامح شكري من بعض دول خليجية يحول دون تقديمه كمرشح مصري، ما قد يدفع إلى تقديم عبدالعاطي كمرشح بديل

وهناك مشكلة ثانية خاصة بالحكومة المصرية، فذهاب رئيسها الحالي مصطفى مدبولي إلى الجامعة العربية يعني أنه يجب اختيار بديل له في الحكومة، وكان أكثر الأسماء التي جرى تداولها هو نائب رئيس الحكومة ووزير النقل والصناعة الفريق كامل الوزير، الأمر الذي لقي رفضا من جانب كثيرين.

وخرجت الإشارة عن السياق المحلي وما تم تداوله عن شكل الحكومة ورئيسها، عندما تلقفتها شخصيات إعلامية سعودية ومصرية ومواقع إلكترونية مختلفة لتتحدث عن منصب الأمين العام للجامعة العربية، الذي جرى العرف أن تتم عملية اختياره بالتوافق بين الدول العربية، واختياره في مارس المقبل، كآخر اجتماع لوزراء الخارجية العرب قبل انتهاء مدة الأمين العام أحمد أبوالغيط.

وبدت إثارة الحديث عن منصب الأمين العام حاليا مبكرة لدى البعض، لكن ليس كذلك، فالعام الأخير من فترة الرئاسة يزخر بتقديرات وتكهنات وتخمينات عدة، وإن لم يكن الإعلامي والبرلماني المصري مصطفى بكري فتح هذا الملف، كان غيره سيقوم بالدور قريبا، وتنبع أهمية كلام بكري الآن مما هو معروف عنه، بشأن قربه من الحكومة المصرية، والتعامل مع معلوماته وتسريباته بجدية كبيرة.

وأسهمت ردود الأفعال على مستويات إعلامية مختلفة في فتح ملف الجامعة العربية، والعودة إلى إثارة سؤال، لماذا تحتكر مصر منصب الأمين العام، ولا يوجد نص في ميثاق الجامعة العربية يخوّل لها هذا الحق.

وإذا كان العرف في صالح مصر في السابق، فهذا لطبيعة دورها في قلب النظام الإقليمي العربي، وهو دور قد تراجع، في ظل وجود تحولات كبيرة في المنطقة، قوّضت دور القاهرة وفتحت المجال أمام عواصم أخرى للقيام بأدوار مؤثرة.

ولعب طرح اسم مدبولي دورا في إثارة الجدل هذه المرة، فالرجل من خارج مدرسة الدبلوماسية المصرية العريقة، وهو مهندس مدني، وهذه أول مرة يتم فيها طرح اسم لم يعمل في وزارة الخارجية، سواء في منصب الوزير أو المساعد له، وفسّر ذلك على أن القاهرة تريد احتكار المنصب بلا مؤهلات، ومنحه كمكافأة لكبار موظفيها، وهو ما نكأ جرح منصب الأمين العام للجامعة العربية.

وأصبح الحديث عن المنصب يختفي ثم يعود إلى الأضواء كل خمس سنوات، على الرغم من أن شاغل هذا المنصب لا يؤثر كثيرا في العمل العربي المشترك، كما فقدت الجامعة كمظلة عربية فاعليتها في التعامل مع الأزمات.

وقالت مصادر مصرية لـ”العرب” إن القاهرة لن تدخل في صدام مع الرياض حول هذا المنصب أو غيره من الملفات التي قد تكون فيها المسافات متباعدة، وكل طرف لا يسعى إلى تعميق الخلاف مع الآخر، وأي تباين بينهما لا يعني نشوب أزمة، فالدبلوماسية الهادئة تتكفل بتذويب الهوة، وما ظهر من جدل حول منصب الأمين العام لم يصدر بشأنه موقف رسمي في القاهرة أو الرياض.

إذا كان العرف في صالح مصر في السابق، فهذا لطبيعة دورها في قلب النظام الإقليمي العربي، وهو دور قد تراجع، في ظل وجود تحولات كبيرة في المنطقة

وإذا كان هناك محسوبون على الرياض والقاهرة قد أدلوا برأيهم فهذا ليس مؤشرا على الدخول في أزمة بسبب منصب الأمين العام، لأن اختياره يجري بالتوافق، وإذا لم تستطع مصر تمرير مرشحها المقبل يمكن أن تعطل تمرير أي مرشح آخر، والعكس صحيح.

وأكدت المصادر ذاتها أن النقاش حول من يخلف أبوالغيط مهم للدولة المصرية، لأنه كشف عن ضرورة اختيار مرشح ينتمي إلى وزارة الخارجية، وعليها أن تقوم بتجهيز شخصية مناسبة.

وكان وزير الخارجية المصري السابق سامح شكري هو الدبلوماسي المؤهل، إلا أن وجود تحفظات عليه من قبل بعض الدول الخليجية يحول دون تقديمه كمرشح مصري، وقد يقع الاختيار على وزير الخارجية الحالي بدر عبدالعاطي.

وتكمن قيمة الجامعة في رمزيتها، ومع عجزها عن القيام بدور فاعل، إلا أن منصب الأمين العام يحوي أهمية سياسية للدولة التي ينتمي إليها. كما أن سحب المنصب من مصر يتسق مع فكرة التدوير المعروفة في الكثير من المنظمات الإقليمية، مثل مجلس التعاون الخليجي، والاتحاد الأفريقي.

وينطوي الترويج لنقل مقر الجامعة العربية من مصر إلى السعودية مثلا، على اعتراف بتراجع دور الأولى وصعود الثانية، وأن القاهرة ترمز إلى مرحلة سابقة، حفلت بالنجاحات والإخفاقات، كما ترمز الرياض لطبيعة مرحلة جديدة تتشكل وقد تبدو فيها فاعلا محوريا، ولا يصبح لمصر دور رئيسي كالمعتاد، وهو تعبير عن تغيّر في توازنات القوى، يدفع السعودية إلى دعمه دون صدام مباشر مع مصر.