ترامب يعيد رسم معايير الهجرة: حظر للدول وسياسات إقصاء
في ساعة مبكرة من صباح اليوم الإثنين، يبدأ تنفيذ أمر رئاسي أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يقضي بحظر دخول مواطني 12 دولة إلى الولايات المتحدة، في خطوة يعزوها إلى “حماية البلاد من الإرهابيين الأجانب.”
ويثير القرار الجديد – الذي أعاد إلى الأذهان سياسات الفصل والتمييز التي ارتبطت بولايته الأولى – جدلًا واسعًا، سواء على المستوى الداخلي الأميركي أو في الدول المستهدفة به.
وتشمل قائمة الحظر الجديدة دولاً مثل إيران، ليبيا، اليمن، السودان، الصومال، أفغانستان، تشاد، وميانمار، إلى جانب دول أفريقية وأميركية لاتينية أخرى، بعضها لا يرتبط تاريخيًا بأي نشاط عدائي تجاه واشنطن.
وأما التبرير، فجاء منسجمًا مع خطاب ترامب التقليدي: غياب التعاون الأمني، ضعف التحقق من الهويات، و”وجود واسع للإرهاب”، على حد وصفه.
وتزامن القرار مع حادثة في كولورادو أقدم فيها شاب مصري على إلقاء قنابل حارقة على متظاهرين مؤيدين لإسرائيل – مثّل في نظر المراقبين عودة واضحة إلى خطاب الخوف الذي اعتمده ترامب في حملاته الانتخابية.
واللافت أن مصر، التي استُخدمت الحادثة على أراضيها كدليل داعم، لم تكن على قائمة الحظر، ما يسلّط الضوء على البعد السياسي الانتقائي لهذه السياسات، لا الأمني فحسب.
الحظر يشمل إيران، ليبيا، اليمن، السودان، الصومال، أفغانستان، تشاد، وميانمار، إلى جانب دول أخرى من أفريقيا وآسيا
ولا يأتي حظر السفر هذا بمعزل عن مشروع ترامب الأوسع لتقييد الهجرة وإعادة رسم معايير “الجدارة الوطنية”، وهي معايير يرى فيها كثيرون غطاءً للتمييز الديني والعرقي. فالقائمة تضم غالبيتها دولاً ذات غالبية مسلمة، أو دولًا تنتمي لما يوصف بـ”العالم المتأزم”، وهي مقاربة أعادت للأذهان ما سُمي سابقًا بـ”حظر المسلمين.”
ولم تتأخر الردود الدولية، حيث عبّر الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي عن رفضه الصريح للقرار، ووجّه حكومته لوقف إصدار التأشيرات للأميركيين.
وفي منشور عبر فيسبوك قال “تشاد ليست لديها طائرات لتقدمها، ولا مليارات الدولارات، لكنها تملك الكرامة والكبرياء،” في إشارة ساخرة إلى ما يعتبره كثيرون سياسة المعايير المزدوجة التي تتغاضى عن “الخطر” إذا ما توافرت مصالح استراتيجية واقتصادية.
وفي أفغانستان، عبّر العشرات من المتعاونين السابقين مع المشروعات الأميركية عن خوفهم من أن يحرمهم القرار من فرصة إعادة التوطين، ويعرّضهم لملاحقة طالبان.
وتعكس هذه الشهادات، وفق محللين، التناقض بين وعود أميركية سابقة بالحماية، وبين واقع يتسم بالإقصاء والتخلي، في لحظة ضعف تاريخية.
وداخليًا، أثار القرار انتقادات من مشرعين في الحزب الديمقراطي، أبرزهم النائب رو خانا، الذي وصف الحظر بأنه “قاسٍ وغير دستوري”، مؤكدًا على أن من حق الأفراد طلب اللجوء بموجب القوانين والمعاهدات الدولية.
وذهب آخرون إلى اعتبار القرار استمرارًا لسياسات تُقوّض سمعة الولايات المتحدة كملاذ تقليدي للمضطهدين واللاجئين.
ويعكس قرار ترامب الأخير رهانه المستمر على استثمار الهواجس الأمنية، وإعادة تشكيل مفهوم “الآخر” بوصفه تهديدًا، لا شريكًا في بناء المجتمع الأميركي.
ويضعف هذا النوع من الخطاب – وإن كان يحشد قاعدته المحافظة –أدوات الدبلوماسية الأميركية، ويضعف صورة الولايات المتحدة في العالم، خصوصًا بين حلفائها في أفريقيا وآسيا.
ويأتي قرار الحظر ليترك أثراً ملموساً على الجالية العربية، التي تمثل جسراً حيويًا بين الثقافتين العربية والأميركية.
وتتجلى أولى تداعيات هذا القرار في حالة القلق المتزايد بين أفراد الجالية، خصوصا لأولئك الذين لهم أقارب أو صلات عائلية في الدول المشمولة بالحظر. فإجراءات السفر المعقدة والمتجددة تخلق حالة من عدم اليقين، وتعطل خطط الزيارات العائلية، الدراسة، أو العمل، ما يضاعف شعور الانعزال والتمييز.
ثورة أميركية على قرارات ترامب
وعلاوة على ذلك، يعزز القرار من ظاهرة وصم الجالية العربية، إذ يتكرر ربطها بشكل غير مباشر بخطر إرهابي مفترض، رغم أن الغالبية الساحقة من أفرادها مواطنون ملتزمون بالقانون ومساهمون في المجتمع الأميركي.
وينعكس هذا الوصم سلبًا على فرص الاندماج الاجتماعي والاقتصادي، ويزيد من التوترات المجتمعية، بما يؤثر في علاقات الجالية مع المؤسسات المحلية والشرطة، ويقوّي مناخ التمييز والتحامل.
وإضافة إلى ذلك، تُعتبر التداعيات النفسية من بين أهم ما تعانيه الجالية، إذ يشعر كثيرون بأن قرار الحظر يوجه رسالة مفادها أن انتماءهم العرقي والديني يشكل عبئًا أو تهديدًا، مما يؤثر على الهوية الذاتية ويغذي مشاعر الغربة داخل مجتمعهم الجديد.
ولا تقتصر هذه الأجواء النفسية على الأفراد أنفسهم، بل تمتد إلى الأجيال الجديدة التي تتربى في بيئة متغيرة، قد تحمل الكثير من التحديات في ما يتعلق بالقبول والاندماج.
وعلى المستوى السياسي، يضع القرار الجالية العربية في موقف حساس، حيث تجد نفسها في خضم نقاشات حادة حول سياسات الهجرة والأمن القومي، مع احتمال تراجع قدرتها على التأثير في السياسات الأميركية بسبب التضييق على حركة السفر والاتصالات. وهذا يقوض قدرة الجالية على المساهمة في الحوار الوطني وتعزيز صورة العرب كمواطنين فاعلين ومتعددي الأبعاد في الولايات المتحدة.
ويكرس القرار مناخًا من العزلة والشك تجاه الجالية العربية، ويطرح تحديات كبيرة أمام جهودها للحفاظ على روابطها العائلية والاجتماعية، وتحقيق اندماج متوازن داخل المجتمع الأميركي، في ظل تضارب ما بين الانتماء الوطني والحساسية الثقافية والسياسية التي تفرضها سياسات الحظر.
ويرى الدكتور سامر الحمصي، أستاذ العلوم السياسية أن “قرار الحظر يشكل خطوة تعكس نمطا متكررا في السياسات الأميركية التي تستخدم الهجرة كأداة للضغط السياسي أكثر منها كإجراء أمني فعلي. بالنسبة للجالية العربية، فإن هذا القرار يعمّق شعور الإقصاء والوصم، مما يؤثر على تماسكهم الاجتماعي وقدرتهم على المشاركة الفاعلة في الحياة المدنية الأميركية. إن استهداف دول ذات غالبية مسلمة يعكس تحيزًا قد يضعف الثقة بين هذه الجاليات والحكومة الأميركية، ويعرقل جهود الاندماج.”