انتصار المشري القضائي انتكاسة للدبيبة وفرصة لحكومة ليبية جديدة
حكمت المحكمة العليا في ليبيا بتثبيت خالد المشري رئيسا للمجلس الأعلى للدولة، لتُنهي بذلك أزمة قانونية وسياسية استمرت لأشهر، وتُعيد تشكيل موازين القوى في مشهد يزداد تعقيدا.
وجاء هذا الحكم في وقت حرج، حيث استمع البرلمان على مدى يومين إلى برامج المرشحين للحكومة الجديدة في البلاد، بعد تصاعد موجة الاحتجاجات المطالبة برحيل حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة.
هذا القرار القضائي، الذي يعزز موقف المشري المعروف بمعارضته الشديدة للدبيبة، يُلقي بظلاله على مساعي تشكيل حكومة جديدة، خاصة وأن محمد تكالة، الطرف الآخر في النزاع، يعد من أشد المدافعين عن الدبيبة.
وأصدرت المحكمة العليا في ليبيا، الأربعاء، حكمًا نهائيًا يقضي بتثبيت خالد المشري في منصب رئيس المجلس الأعلى للدولة، منهية بذلك أزمة قانونية وسياسية استمرت لأشهر وأدت إلى انقسام داخل هذه المؤسسة الاستشارية المهمة.
وجاء في حيثيات الحكم أن محكمة استئناف جنوب طرابلس غير مختصة للنظر في الطعن المقدم من محمد تكالة ضد خالد المشري، مما يجعل قرارها السابق باطلاً. وقد أكدت المحكمة العليا أن هذا الحكم ينهي النزاع القانوني حول رئاسة المجلس، ويعيد الأمور إلى مسارها الصحيح.
ورحب خالد المشري في بيان نشره عبر صفحته على فيسبوك بقرار المحكمة، ووصفه بأنه "يعكس استقلالية القضاء ونزاهته"، مؤكداً أن الحكم "يؤكد استمرار الصفة القانونية له كرئيس للمجلس الأعلى للدولة، واستمرار صفة محمد تكالة كعضو بالمجلس".
وأكد المشري أن "هذا الحكم يُعيد الأمور إلى إطارها الدستوري والقانوني الصحيح، ويُعزز مبدأ الفصل بين السلطات، ويُكرّس احترام القانون كمرجعية عليا لحسم النزاعات المؤسسية".
كما أهاب المشري بـ"جميع الأطراف المعنية -في الداخل من قوى سياسية، ومؤسسات رسمية، ومكونات مجتمعية، وكذلك في الخارج من شركاء دوليين ومهتمين بالشأن الليبي- ضرورة الامتثال لأحكام القضاء، والاحتكام إلى مؤسسات الدولة الرسمية، باعتبار أن احترام القضاء هو حجر الأساس في بناء دولة القانون والمؤسسات، وضمان استقرار الأداء السياسي والمؤسسي".
ومن جانبه، أعرب رئيس مجلس النواب عقيلة صالح عن ترحيبه بالحكم، معتبرا أنه "ترتب عليه إنهاء النزاع بشأن رئاسة المجلس الأعلى للدولة، والفصل النهائي بأن خالد المشري هو رئيس المجلس الأعلى للدولة".
وأكد أن حسم النزاع على رئاسة مجلس الدولة لمصلحة المشري "سيكون له الأثر الإيجابي على توحيد المجلس الأعلى للدولة وتفعيل دوره، بما يسهم في المضي قُدما مع مجلس النوّاب في إنهاء الأزمة السياسية بالبلاد".
وفي المقابل، قال محمد تكالة، إن الحكم الصادر عن المحكمة العليا لم يحسم النزاع حول رئاسة المجلس لمصلحة خالد المشري.
وأعرب تكالة عن "استغرابه من التصريحات المنسوبة لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح"، مؤكدًا أن الحكم "لم يفصل في موضوع النزاع حول رئاسة المجلس، بل قضى فقط بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظره، مما يعني قانونًا أن المسألة لم تحسم لمصلحة أي طرف".
وأضاف أن "أي محاولة لاعتبار الحكم تأكيدا لرئاسة طرف بعينه تعد تفسيرًا خاطئًا للحكم القضائي، ومحاولة لتضليل الرأي العام"، ودعا إلى احترام "القيادة المنتخبة في جلسة نوفمبر 2024 برئاسة محمد تكالة" التي وصفها بـ"الشرعية القانونية للمجلس".
وأصدر المشري بيانا لاحقا ردا على بيان تكالة، موضحا أن "الحكم الصريح والواضح الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا" قضى "ببطلان الحكم الصادر لصالح محمد تكالة من محكمة جنوب طرابلس الإدارية، وذلك لعدم الاختصاص الولائي".
وأكد المشري أن حكم محكمة جنوب طرابلس الإدارية الصادر بتاريخ 18 ديسمبر 2024، الذي قضى بإلغاء قرار نتائج انتخابات رئاسة المجلس التي فاز بها المشري، جاء استجابة لطعن قدمه تكالة.
وشدد المشري على أن حكم المحكمة العليا "يعني استمرار نفاذ قرار نتائج الانتخابات التي فاز فيها خالد المشري بمنصب رئيس المجلس الأعلى للدولة، وثبوت صفة الرئاسة له بإقرار محمد تكالة نفسه في صحيفة دعواه".
وتعود جذور الأزمة إلى العام الماضي، عندما تنافس المشري وتكالة على رئاسة المجلس في جلسة انتخابية شهدت حصول المشري على 69 صوتا مقابل 68 صوتًا لتكالة. إلا أن جدلا قانونيا دار حول صحة تصويت أحد الأعضاء كتب اسم تكالة على ظهر ورقة التصويت، مما دفع تكالة للطعن على النتائج أمام القضاء، وأدى إلى انقسام داخل المجلس وتعطيل جزء من أعماله.
وتأتي هذه التطورات في وقت حساس للغاية، حيث يشهد الشارع الليبي حالة من الغليان والمطالبات برحيل حكومة الدبيبة.
يُشكل حكم المحكمة العليا بتثبيت خالد المشري رئيسا للمجلس الأعلى للدولة نقطة تحول حاسمة في المسار السياسي الليبي، ويُعيد رسم خارطة التحالفات ويُعزز من احتمالات المضي قدما في تشكيل حكومة جديدة.
فبعد أشهر من الشد والجذب القانوني والسياسي، وفر هذا القرار وضوحا قياديا للمجلس الأعلى للدولة، الذي يُعد شريكا أساسيا لمجلس النواب في أي عملية سياسية نحو حكومة موحدة.
ويُعزز هذا الحكم، بشكل مباشر، من موقف البرلمان وقدرته على الدفع باتجاه حكومة بديلة لحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، فالمشري، المعروف بمواقفه المعارضة للدبيبة ودعواته المتكررة لتشكيل حكومة جديدة بالتوافق مع مجلس النواب، يجد نفسه الآن في موقع قوة تفاوضية غير مسبوقة.
وهذا التوافق المُحتمل بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة، تحت قيادة المشري، يُمكن أن يُسرع من عملية اختيار رئيس وزراء جديد، وصياغة برنامجه الحكومي، ومن ثم الحصول على الثقة اللازمة. الجدير بالذكر أن تزامن هذا الحكم مع استماع البرلمان لبرامج المرشحين للحكومة الجديدة يُشير إلى تزايد الضغط على الدبيبة.
ومع ذلك، لا تخلو هذه المرحلة من التحديات، بعد رد فعل تكالة، الذي أصر على أن الحكم لم يحسم النزاع لصالحه، ما يُشير إلى أن التوترات داخل المجلس الأعلى للدولة قد لا تنتهي تمامًا. فرغم ضعف موقفه القانوني بعد وضوح حكم المحكمة العليا، إلا أن محاولاته لإثارة الجدل وتأخير الإجراءات قد تُعيق سير عملية التوافق. أي انقسام مستمر، حتى لو كان محدودا، سيُلقي بظلاله على سرعة إنجاز التوافقات الضرورية لتشكيل الحكومة.
الأهم من ذلك، يكمن التحدي الأكبر في كيفية تعاطي الأطراف المحلية والدولية مع هذا التطور، فإذا رفض الدبيبة التسليم للحكومة الجديدة التي قد يُشكلها البرلمان والمجلس الأعلى للدولة، فإن ذلك سيُدخل البلاد في صراع جديد على الشرعية، مما يُهدد بإطالة أمد الأزمة السياسية وربما إثارة المزيد من الفوضى على الأرض.
لكن، في ظل تصاعد الاحتجاجات المطالبة برحيل الدبيبة، والتي تشير إلى تزايد السخط الشعبي، فإن البرلمان والمشري قد يجدان دعما شعبيا متزايدا لخطواتهما، وهذا الدعم الشعبي، إلى جانب الدعم القانوني من المحكمة العليا، يمكن أن يشكل ضغطًا كبيرا على حكومة الدبيبة ويُجبرها على التسليم.