على خط الخلاف بين إسرائيل وأوروبا: مصر هي المستفيد
توصل مجلس الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق مؤقت مع البرلمان الأوروبي لمنح مصر حزمة مساعدات مالية بقيمة 4 مليارات يورو ضمن إطار شراكة إستراتيجية تهدف إلى تدعم الاقتصاد المصري. ووفقًا لبيان صادر عن مجلس الاتحاد الأوروبي سيتم صرف القرض على دفعات مع ربط كل دفعة بالتقدم المرضي في تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي للفترة 2024-2025، بالإضافة إلى تدابير سياسية إضافية سيتم الاتفاق عليها بين المفوضية الأوروبية والسلطات المصرية.
تحتاج مصر إلى هذا القرض وإلى الدعم الأوروبي بعدما وقعت في مارس 2024 على الشراكة الإستراتيجية والشاملة مع الاتحاد الأوروبي، حيث أشاد وقتها وزير خارجية مصر بدر عبدالعاطي بـ"التطور الذي تشهده العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي." لا نقاش مصريا حول أهمية تعزيز التعاون المشترك، خاصة في مجالات التجارة والاستثمار، لبلد يعاني اقتصاده من ضعف قطاعات الإنتاج وارتفاع الأسعار وعجز مزمن في ميزان التجارة الخارجية.
ولكن مصر تحتاج هذا التعاون اليوم أكثر لما يحمل من دلالات على تمتين الصداقة المتبادلة مع الاتحاد الأوروبي في الوقت الذي تشهد فيه علاقاتها مع إسرائيل توترًا غير مسبوق على خلفية تصعيد الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، وتخطيط تل أبيب للقيام بتهجير قسري لجزء من سكان القطاع إلى صحراء سيناء لإنشاء بلد بديل لهم.
لا تترك إسرائيل مناسبة إلا وتستغلها بهدف فرض المزيد من الضغوط على مصر، إذ أثارت زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر إلى العاصمة الإثيوبية في 5 مايو الجاري قلق القاهرة من تنامي العلاقات بين تل أبيب وأديس أبابا، في وقت تتأزم فيه العلاقة بين مصر وإثيوبيا حول ملفي أمن البحر الأحمر والقرن الأفريقي وسد النهضة. وقال مصدر مصري دبلوماسي في وقت سابق إن الأجهزة الأمنية والدبلوماسية المصرية تتابع بدقة تطور العلاقات الإسرائيلية الإثيوبية المتنامية مؤخرًا في معادلات الأمن القومي المصري.
رغم أن ساعر رافقه وفد تجاري رفيع المستوى ضمّ ممثلين عن عدد من الشركات الإسرائيلية العاملة في قطاعات إستراتيجية مختلفة، إلا أنّ زيارته تحمل في خفاياها رسائل ضمنية تتعلق بالوجود العسكري والأمني. إذ في ظل استهدافات يمنية متكررة للعمق الإسرائيلي من جماعة الحوثي، لا يستبعد المراقب أن تحمل الزيارة تعاونًا استخباراتيًا في محيط البحر الأحمر في مسعى من تل أبيب لتأمين خطوطها البحرية الحيوية عبر تعاون دفاعي مع دول محورية في الإقليم على رأسها إثيوبيا.
في إطار التوتير الحاصل، قررت مصر إرجاء تسمية سفير جديد في تل أبيب وعدم قبول تعيين أوري روثمان سفيرا إسرائيليا جديدًا في القاهرة خلفًا للسفيرة أميرة أورون، التي انتهت مهمتها في خريف 2024، من دون سقف زمني محدد، في خطوة تعكس عمق الجمود الذي أصاب العلاقات المصرية الإسرائيلية منذ اندلاع العدوان على غزة في أكتوبر 2023.
◙ إسرائيل لا تترك مناسبة إلا وتستغلها بهدف فرض المزيد من الضغوط على مصر، إذ أثارت زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر إلى العاصمة الإثيوبية قلق القاهرة
في النظرة الإستراتيجية إلى القرن الأفريقي تعتبر هذه المنطقة حيوية للتجارة الدولية عبر البحر الأحمر وقناة السويس، وتضم مناطق إريتريا وإثيوبيا وجيبوتي والصومال. ولأنّها تمتلك الكثير من الإمكانات الهائلة هذا ما جعلها بؤرة اهتمام أنظار القوى الدولية الفاعلة التي تدرك الأهمية الإستراتيجية للقرن الأفريقي.
تهتم إسرائيل في شبك علاقاتها مع إثيوبيا، التي تشهد على علاقة متوترة مع مصر، على قضايا مختلفة على رأسها الحرب المائية، بعد التحذير الجدي للقاهرة من تأثير فتح بوابات مفيض سد النهضة على الرغم من التحديات الفنية التي تواجه تشغيل التوربينات ونقص شبكة نقل الكهرباء. هذا وكانت مصر قد أعلنت في 19 يناير الماضي “انتهاء” المسارات التفاوضية مع إثيوبيا، بشأن سد النهضة بسبب مماطلات الأخيرة، وتأكيد حقها المكفول بموجب المواثيق الدولية للدفاع عن أمنها المائي والقوي في حالة تعرضه للضرر.
العلاقة ليست على ما يرام بين مصر وإسرائيل، لاسيما بعدما عبّرت تل أبيب على لسان أكثر من مسؤول في حكومة بنيامين نتنياهو عن تخوفها من تنامي قدرات الجيش المصري المتمركزة في صحراء سيناء. هذا وأثار طلب إسرائيلي من مصر تفكيك بنية عسكرية تقيمها في صحراء سيناء، توترًا بين الجانبين المنخرطين في معاهدة سلام إلى الآن لم تزل ركنًا راسخًا في الشرق الأوسط.
تجد دول الاتحاد الأوروبي اليوم أن مصر تشكل تقاطعًا مهمًا لسياساتها الخارجية، فهي تدخل مصر في دائرة اهتماماتها لهذا البلد الأفريقي، لأنّها تشكل حلقة من الصراع على النفوذ مع روسيا والصين والولايات المتحدة. ولهذا تعمل الدول الأوروبية على الدفع بسياساتها نحو احتواء مصر، خوفًا من تحالف القاهرة مع روسيا والصين. إذ إن مشاركة الجيش المصري في العرض العسكري في يوم النصر في روسيا في 9 مايو الجاري، اعتبره البعض دلالة على التقارب بين البلدين غير المستحب بالنسبة إلى هذه الدول الأوروبية.
ومن زاوية أخرى، تجد هذه الدول في دعم مصر عرقلة لجهود إسرائيل في ممارسة المزيد من الضغوط على القاهرة لدفعها بقبول الشروط.
لا تبدو العلاقة “بخير” بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي، لقد أعلنت بريطانيا الثلاثاء 20 مايو الجاري عن إجراءات ضد إسرائيل شملت عقوبات ضد مستوطنين، وتعليق بيع أسلحة ومفاوضات للتجارة الحرة، في حين يبحث الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات، وسط تصاعد المجازر وتجويع المدنيين في غزة. وفي خطوة متزامنة على سبيل المثال، استدعت الخارجية البريطانية السفيرة الإسرائيلية تسيبي هوتوفيلي بشأن توسيع العمليات العسكرية في غزة.
تقع إسرائيل في أزمة أخلاقية مع العالم، لاسيما بعد تعمدها استهداف المدنيين في القطاع. لقد وصفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” وضع إسرائيل بأنه وصل إلى أدنى مستوى في مكانتها الدولية على الإطلاق، ونقلت عن أحد مسؤوليها قوله بأن “بلاده تواجه تسونامي حقيقيا سيتفاقم، فالعالم ليس معنا“. أمام ما أوصلت إليه إسرائيل نفسها هل تجد فيه القاهرة نافدة للخروج من أزماتها، لاسيما وأن الدول الأوروبية بدأت ترفع وتيرة إجراءاتها العقابية على حكومة نتنياهو؟